هدوء حذر في صفاقس بعد طرد مهاجرين أفارقة إثر صدامات

الرئيس التونسي يحمّل شبكات إجرامية مسؤولية الهجرة غير النظامية، في تعليق على الأحداث التي شهدتها المدينة، مشددا على أن تونس دولة لن تقبل بأن يقيم على أرضها إلا وفق قوانينها.
الأربعاء 2023/07/05
أفارقة يغادرون صفاقس عقب ليلة ساخنة

صفاقس (تونس) – يسود هدوء مشوب بالحذر اليوم الأربعاء أرجاء محافظة صفاقس التونسية (وسط شرق) بعد ليلة ساخنة من الاحتجاجات والعنف شهدتها أحياء عديدة في المدينة تنديدا بمقتل تونسي على يد مهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء، تخللها تعرض العشرات منهم إلى عمليات طرد.

يأتي ذلك بينما لا تزال التحذيرات متواصلة من تصاعد المواجهات وتواتر التهديدات بين الطرفين على نحو من شأنه أن يغذي وتيرة العنف ويفاقم الأزمة الحالية.

وكانت السلطات التونسية أعلنت الثلاثاء مقتل تونسي من مواليد 1981، طعنا بآلة حادّة مساء الاثنين بمنطقة ساقية الدائر، وذلك بعد تجدد أعمال شغب وعنف بين مواطنين ومهاجرين أفارقة من دول جنوب الصحراء.

وفجّر مقتل مواطن يدعى نزار العمري حالة من الاحتقان غير المسبوق في هذه المدينة الساحلية ذات الثقل الاقتصادي في البلاد، وعلى إثرها تجمع مئات السكان في عدة أحياء في هذه المدينة في الشوارع طوال الليل مطالبين بمغادرة جميع المهاجرين غير القانونيين على الفور.

وأغلق البعض الشوارع وأضرموا النار في إطارات مطاطية للتعبير عن غضبهم فيما قام آخرون بملاحقة مهاجرين غير شرعيين، كما قطع آخرون الطريق الرابط بين محافظتي صفاقس والمهدية.

وبدت في بعض مقاطع الفيديو التي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي حالة من التوتر في عدد من أحياء صفاقس، حيث أظهرت المقاطع توعّد شباب ملثمين بطرد المهاجرين الأفارقة من مدينتهم، مع تأكيدهم أن غياب الدولة وبطء التدخّل في حل المسألة يجعل الوضع يسير نحو مزيد من التدهور.

وكذلك انتشرت مقاطع أخرى تظهر في المقابل تجمهر شبان أفارقة وتحصنهم بهراوات وأسلحة، وتوجيههم تهديدات لأهالي المدينة.

وأظهرت مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي عناصر شرطة وهم يطردون عشرات المهاجرين من منازلهم وسط هتافات سكان المدينة، قبل تجميعهم في سيارات الشرطة.

وأظهرت مقاطع أخرى مهاجرين على الأرض وأيديهم على رؤوسهم ومحاطين بعدد من السكان في انتظار وصول الشرطة لتسليمهم.

وكتب الموظف بقسم الاسعاف بمستشفى صفاقس لزهر ناجي على صفحة "سيب التروتوار (اخلي الرصيف)" على موقع فيسبوك "ليلة دامية تقشعر لها الابدان...كبار وصغار ونساء ...منهم من سقط من سطوح المنازل ومنهم من ضُرب بالسيوف...ليلة دامية ومنعدمة الإنسانية".

وقال الناطق الرسمي باسم منظمة "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" رمضان بن عمر لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الشرطة نقلت العديد من المهاجرين إلى مبنى "معرض صفاقس" في انتظار نقلهم إلى مكان آخر.

ونُقل مهاجرون آخرون إلى منطقة قريبة من الحدود الليبية بحسب بن عمر الذي لم يتمكن من تحديد العدد الإجمالي للمهاجرين المطرودين من صفاقس.

وتجمع حوالي 200 مهاجر من دول أفريقيا جنوب الصحراء في محطة القطارات بمدينة صفاقس، اليوم الأربعاء ، لمغادرة المدينة نحو العاصمة، تمهيدا لطلب الترحيل من السفارات الممثلة لدولهم.

وقال شهود موجودون في المحطة المركزية في صفاقس إن العشرات توافدوا منذ صباح اليوم في انتظار رحلة القطار إلى العاصمة، بينما توجه آخرون إلى المحطة الجهوية للحافلات ومحطة سيارات الأجرة الخاصة.

وأثار مقتل أحد سكان المدينة سيلا من ردود الفعل العنصرية المطالبة بطرد المهاجرين غير القانونيين من صفاقس، وهي أهم نقطة عبور للمهاجرين غير القانونيين عبر البحر في اتجاه السواحل الايطالية.

ويحتج سكانها بانتظام على وجود المهاجرين غير النظاميين في مدينتهم مطالبين برحيلهم.

وتقع غالبا اشتباكات سواء كلامية أو جسدية في الأحياء الشعبية من المدينة حيث يقيم المهاجرون.

وفي رده على هذه التطورات، اتهم الرئيس التونسي قيس سعيّد ما سماه شبكات إجرامية بالمسؤولية عن عمليات الهجرة غير النظامية إلى مدينة صفاقس.

جاء ذلك خلال لقاء عقده سعيد مع وزير الداخلية كمال الفقي، وعدد من القيادات الأمنية في مقر الوزارة بالعاصمة تونس مساء الثلاثاء، حسب بيان نشرته الرئاسة التونسية عبر حسابها على فيسبوك.

وذكرت الرئاسة أن اللقاء جاء لتناول الوضع إثر العملية الإجرامية التي وقعت مساء الاثنين في صفاقس.

وقال سعيد إن تونس دولة لا تقبل بأن يقيم أحد على أرضها إلا وفق قوانينها كما لا تقبل بأن تكون منطقة عبور أو أرضا لتوطين الوافدين عليها من عدد من الدول الأفريقية، ولا تقبل كذلك أن تكون حارسة إلا لحدودها.

وأضاف "هناك شبكات إجرامية على الدولة التونسية تفكيكها وهناك قرائن عديدة دالة كلها على أن هذا الوضع غير طبيعي".

وتابع سعيد "كيف يقطع هؤلاء الوافدون على تونس آلاف الكيلومترات ويتجهون إلى مدينة بعينها (صفاقس) أو إلى حيّ بعينه؟ فهل يعرفون هذه المدن أو الأحياء وهم في بلدانهم؟ وهل هؤلاء مهاجرون أو مهجّرون من قبل جماعات إجرامية تتاجر ببؤسهم وبأعضائهم وتستهدف قبل هذا وذاك السلم الأهلي في تونس ".

ودعا الرئيس التونسي إلى "ضرورة فرض احترام القانون على من يستغل هؤلاء البؤساء في تونس"، محذرا من أن تأجير المنازل للأجانب يقتضي إعلام السلطات الأمنية كما أن التشغيل يخضع للتشريعات التونسية".

وتابع سعيد مؤكدا أنه "لا مكان في مؤسسات الدولة لمن يسعى إلى تفكيكها والمسّ بأمنها القومي، ولا مجال للتسامح مع من يدبّر لتأجيج الأوضاع ويقف وراء الستار".

ولفت إلى أنه "لا يكاد يمرّ يوم واحد إلا وتُختلق معه أزمة، ولوبيات الفساد التي مازالت تعربد لا مكان لها في مؤسسات الدولة ولا مكان لمن يخدمها ويهيئ لها الأوضاع حتى تستمر في غيّها وفسادها".

كما لم يستبعد عدد من التونسيين وجود أياد خارجية وراء ما يحدث ووجود تخطيط لتجميع عدد أكبر من المهاجرين الأفارقة هناك، مجددين التنبيه على خطورة الوضع.

ويشكو السكان من تجاوزات وأعمال شغب وفوضى يقوم بها بعض المهاجرين في المدينة، بينما يقول مهاجرون أفارقة إنهم يتعرضون لمضايقات عنصرية من بعض السكان.

واحتج مئات من سكان صفاقس الشهر الماضي على وجود آلاف المهاجرين مطالبين السلطات بترحيلهم، وقالوا إنهم يرفضون تحويل صفاقس إلى مدينة لاجئين.

وعلى مدى الأشهر الماضية، لقي مئات حتفهم في حوادث غرق قوارب مهاجرين قبالة سواحل صفاقس التي تواجه أزمة هجرة غير مسبوقة، وتراكمت جثث المهاجرين في المستشفيات بينما يعثر الصيادون على جثث للمهاجرين الغرقى.

وسجلت زيادة كبيرة في عدد المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط انطلاقا من تونس هذا العام بعد حملة من قبل تونس على المهاجرين من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الذين يعيشون في البلاد بشكل غير قانوني.

وقال مصدر قضائي في صفاقس، اليوم الأربعاء، إن أكثر من 80 شخصا جرى إيقافهم في أعقاب مصادمات ليلية وأعمال عنف وشغب شهدتها المدينة منذ الأحد الماضي بين مهاجرين وسكان محليين.

وأفاد المتحدث باسم محكمة صفاقس فوزي المصمودي بأن قوات الأمن أوقفت ليل الثلاثاء 23 مهاجرا من دول أفريقيا جنوب الصحراء بسبب الإقامة على غير الصيغ القانونية.

كما جرى إيقاف أربعة تونسيين متورطين في إيواء مهاجرين غير نظاميين.

وكانت السلطات أوقفت 22 شخصا و34 آخرين ليل الأحد بسبب مصادمات مع سكان محليين تسببت في وفاة تونسي طعنا بسكين، وفق ما أفاد به المسؤول القضائي.

وتجري نقاشات بين الاتحاد الأوروبي والسلطات التونسية لكبح التدفق الكبير للمهاجرين عبر سواحل صفاقس لكن منظمات حقوقية في تونس حذرت من تصاعد العنف في المدينة بسبب القيود الأوروبية.