هدنة غزة تقوي نتنياهو و"الجهاد" وتضعف عباس والمعارضة الإسرائيلية

قوّى التصعيد العسكري الأخير في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة الجهاد، والذي انتهى بهدنة برعاية مصرية، وضع الحركة وعزز مكانة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في حين بدت السلطة الفلسطينية مهمشة وبعيدة عن الفلسطينيين.
غزة - انتهت معركة الأيام الخمسة في غزة بفائزين كبيرين، وخاسرين كبيرين. أما الفائزان، فالأول هو حركة الجهاد الإسلامي التي أصبحت لاعبا رئيسيا في القطاع، بينما كانت منذ العام 2007 مجرد ظل لحركة حماس التي ما تزال تحتفظ بالسلطة هناك. والثاني هو بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية الذي نجح في الظهور بمظهر الزعيم القوي لليمين الإسرائيلي، الذي يستطيع أن يشن هجمات مسبقة، وينفذ جملة من عمليات الاستهداف لقادة الفصائل المسلحة من دون أن يدفع في مقابلها ثمنا يتعدى التوقف المؤقت عن تلك الأعمال، في غزة دون الضفة الغربية، وذلك بانتظار انفجار جديد للأوضاع.
وأما الخاسران الكبيران، فأولهما هو السلطة الفلسطينية التي عادت لتظهر كطرف هامشي في النزاع، وليس لها كلمة فيه أو دور تؤديه يتعدى إصدار بيانات الإدانة والترحيب. وتعجز في الوقت نفسه أن تحقق لسلطتها في الضفة الغربية ما حققه تنظيم صغير نسبيا مثل حركة الجهاد الإسلامي لحفظ الأمن في غزة. والثاني، هو المعارضة الإسرائيلية التي ظهرت كتابع للحكومة في دعم عملياتها العسكرية ضد القطاع، واضطرت إلى التوقف عن التظاهر ضد محاولات الحكومة إجراء تعديلات على النظام القضائي في إسرائيل تمنح الكنيست والحكومة اليد العليا على سلطة المحكمة العليا. وحتى لو عادت التظاهرات لتتجدد، فإن زخم التضامن الأمني مع حكومة نتنياهو بات يستهلك من وزنها السياسي كقوة كان يفترض أنها تمتلك برنامجا مختلفا.
أوضاع السلطة الفلسطينية هي الأسوأ، لأنها لم تثبت شيئا أكثر من عجزها عن حماية من هم تحت سلطتها
حركة الجهاد الإسلامي، حتى وإن كانت قد خسرت ستة من قادتها في هذه المعركة فضلا عن التضحية بالعشرات من المدنيين الفلسطينيين (نحو 30 قتيلا وأكثر من 120 جريحا) لكنها تستطيع القول إنها وفرت ضمانات مستقبلية تحول دون تكرار الهجمات الإسرائيلية على القطاع، كما أصبح بوسع قادة الفصائل المسلحة أن يشعروا أنهم باتوا في مأمن من عمليات الاغتيال، إذ جاء في نص اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته مصر أنه “بناء على موافقة الطرفين (…) يتم الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار الذي يشمل وقف استهداف المدنيين وهدم المنازل، وأيضا استهداف الأفراد؛ وذلك فور البدء في تنفيذ وقف إطلاق النار”.
وشكرت إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي مصر على وساطتها التي أشادت بها واشنطن أيضا. وسارعت إسرائيل إلى فتح المعابر مع القطاع في إشارة من حكومة نتنياهو إلى رغبتها بالتهدئة والاكتفاء بما حققته.
ودفعت حسابات الخسارة والربح صحيفة هآرتس الإسرائيلية إلى القول إنه رغم تفوّق إسرائيل العسكري الواضح، فإنها لم تتمكن من فرض شروطها على قطاع غزة.
وكتب عاموس هاريل محلل الشؤون العسكرية والأمنية للصحيفة يقول “إن إسرائيل ورغم تفوّقها العسكري الواضح، والضرر القليل الذي لحق بها من رشقات الصواريخ، لم تتمكن من فرض إستراتيجيتها، لا من ناحية التوقيت ولا من ناحية الشروط التي رغبت فيها، وكان واضحًا لها أنه لا يوجد الكثير لتسعى للفوز به باستمرار الاشتباكات، وأنه كلما طالت زادت صعوبة تحديد أهداف جديدة لضربها، وبالتالي ازدادت احتمالات قصف المدنيين”.
وقال هاريل “إن هذه هي الأسباب التي دفعت الجيش الإسرائيلي ووكالة الاستخبارات الداخلية (شين بيت) إلى مطالبة الحكومة منذ الخميس بالضغط من أجل التوصل إلى هدنة بأي شكل من الأشكال”. كما أشار إلى “أن المفتاح الأساسي لوقف إطلاق النار لم يكن بالضرورة في يد إسرائيل، بل يبدو أنه كان بين يدَي حركة الجهاد، التي تعلمت ذلك خلال الاشتباكات السابقة في عملية ‘الفجر الصادق’ التي استمرت نحو 3 أيام العام الماضي، وفضلت الحركة استمرارها مدة أطول، رغم عدم تمكنها من إلحاق الكثير من الأضرار بإسرائيل”.
وتبلغ مساحة قطاع غزة 360 كيلومترا مربعا، ويقطنه نحو 2.2 مليون فلسطيني يغلب عليهم الفقر وشح الموارد، وتشكل مساعدات الإغاثة والمعونات الأخرى المصدر الرئيسي للبقاء فيه.
أوضاع السلطة الفلسطينية هي الأسوأ، لأنها لم تثبت شيئا أكثر من عجزها عن حماية الفلسطينيين الواقعين تحت سلطتها
ويقول مراقبون إن أوضاع السلطة الفلسطينية هي الأسوأ، لأنها لم تثبت شيئا أكثر من عجزها عن حماية الفلسطينيين الواقعين تحت سلطتها. كما أنها استسلمت إلى حقيقة أنها لم تعد تملك نفوذا من أي نوع على قطاع غزة. وتضطر، كلما اندلعت أزمة، إلى استنساخ بيانات الإدانة والتنديد السابقة، بعد أن استنزفت قاموس الكلمات التي ترددها باستمرار.
وبينما تستطيع حركة حماس التعايش مع التآكل المتزايد لنفوذها في القطاع لصالح فصائل مسلحة أكثر تشددا منها، فإنها تشعر بالطمأنينة من أن منافسها الرئيسي متمثلا في سلطة الرئيس محمود عباس لم يعد له وجود في القطاع وأنها تستطيع أن تعوض ما تخسره لصالح حركة الجهاد الإسلامي في غزة، بالتمدد في الضفة الغربية بالشراكة معها على حساب حركة فتح.
وبينما تتمركز إستراتيجية التمدد حول إحراج سلطة رام الله وإظهار عجزها، فإن حكومة الرئيس عباس تنظر إلى الضربات اليومية التي تشنها القوات الإسرائيلية على النشطاء الفلسطينيين في مدن الضفة الغربية، على أنه مصدر دعم لها، لاسيما وأن وجودها كحكومة “أمر واقع” لا جدال فيه.