هدنة جديدة تدخل حيز التنفيذ في السودان

عشية انعقاد مؤتمر في جنيف لتنسيق المساعدات الإنسانية للخرطوم، دخلت هدنة جديدة بثلاثة أيام حيز التنفيذ يتوقع على نطاق واسع أن يتم الالتزام بها كليا على الأرض، ما يمكن السودانيين من التقاط الأنفاس ويذكي الآمال بإمكانية جلوس طرفي الصراع إلى طاولة المفاوضات ووقف الاقتتال.
الخرطوم - دخلت هدنة جديدة من 72 ساعة حيز التنفيذ في السودان الأحد، عشية انعقاد مؤتمر لتنسيق المساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها نحو نصف سكان البلاد.
وسبق للجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” أن أبرما، غالبا بوساطة سعودية – أميركية، أكثر من هدنة منذ اندلاع النزاع بينهما في الخامس عشر من أبريل، لكن لم يتمّ الالتزام بها كليا على الأرض.
إلا أن الطرفين التزما إلى حد بعيد بالهدنة الأخيرة التي سرت نهاية الأسبوع الماضي لمدة 24 ساعة. وأكد شهود عيان في حينه أن الهدنة وفّرت هدوءا لم يعهدوه منذ بدء القتال، لكن المعارك استؤنفت فور انتهاء وقت اتفاق وقف النار. ودخلت الهدنة الجديدة حيز التنفيذ عند السادسة بالتوقيت المحلي (04:00 ت.غ).
وأعلنت السعودية والولايات المتحدة في بيان ليل السبت عن “اتفاق ممثلي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على وقف إطلاق النار في جميع أنحاء السودان لمدة 72 ساعة، اعتبارا من تاريخ الثامن عشر - الحادي والعشرين من يونيو”.
وأكد البيان أن الطرفين تعهدا بأنهما “سوف يمتنعان عن التحركات والهجمات واستخدام الطائرات الحربية أو الطائرات المسيرة أو القصف المدفعي أو تعزيز المواقع أو إعادة إمداد القوات”، وسيسمحان “بحرية الحركة وإيصال المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء السودان”.
وأكد الجيش موافقته على الهدنة، لكنه أشار إلى “أننا سنتعامل بالرد الحاسم حيال أي خروقات يقوم بها المتمردون خلال مدة سريانها”.
وأكدت قوات الدعم التزامها بـ”ما يخدم أغراض الهدنة الإنسانية، لاسيما تسهيل إيصال المساعدات… وفتح الممرات الآمنة للمواطنين”.
ودعت الرياض وواشنطن طرفي النزاع إلى “النظر في المعاناة الكبيرة التي يعاني منها الشعب السوداني، وضرورة الالتزام التام بوقف إطلاق النار وتوقف حدة العنف”.
وترعى السعودية والولايات المتحدة منذ السادس من مايو الماضي، محادثات بين الجيش السوداني والدعم السريع أسفرت في الحادي عشر من الشهر ذاته عن أول اتفاق في جدة بين الجانبين للالتزام بحماية المدنيين، وإعلان أكثر من هدنة وقعت خلالها خروقات وتبادل للاتهامات بين المتصارعين، ما دفع الرياض وواشنطن إلى تعليق المفاوضات.
والأحد ترأس نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار وفدا إلى القاهرة التقى بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، حسب بيان للرئاسة المصرية.
وأكد السيسي خلال اللقاء أن “وقف الاقتتال وإطلاق النار بشكل دائم وشامل، وبدء عملية الحوار السلمي… هي الأولويات التي ينبغي تكثيف الجهود من أجل تنفيذها”.
وتتزامن الهدنة المعلنة مع مؤتمر لتنسيق الاستجابة الإنسانية ينطلق اليوم الاثنين في جنيف.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة، يحتاج 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف السكان وعددهم نحو 45 مليونا، إلى المساعدة في بلد كان يعد من أكثر دول العالم فقرا حتى قبل النزاع.
وتسببت المعارك بنقص في المواد الغذائية والخدمات الأساسية. وتؤكد مصادر طبية أن ثلاثة أرباع المستشفيات الواقعة في مناطق القتال باتت خارج الخدمة.
وأعلنت السعودية التي تترأس المؤتمر بالشراكة مع دول وأطراف أخرى، أن المؤتمر هدفه “إعلان التعهدات بدعم الاستجابة الإنسانية للسودان والمنطقة”.
والأحد أعلنت جمعية الهلال الأحمر الكويتي، وفق ما نقلت وكالة أنباء الكويت الرسمية “كونا”، إرسال “عشرة أطنان من المواد الإغاثية والمستلزمات الطبية” على متن طائرة توجهت إلى السودان.
وأفادت كونا بأن الطائرة “تعد الـ15 من الجسر الجوي الكويتي لإغاثة الأشقاء” في السودان.
وأشارت الأمم المتحدة في وقت سابق من هذا الشهر إلى أن خطة الاستجابة الإنسانية التي أعدتها نالت 16 في المئة فقط من التمويل المطلوب.
وقال المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك “من إجمالي 2.6 مليار دولار مطلوبة للاستجابة الإنسانية هذا العام، لم نتلق سوى 400 مليون”.
وأتى الإعلان عن الهدنة الجديدة في يوم شهد تصعيدا في القصف الجوي والمدفعي على مناطق مختلفة في الخرطوم، بينما تدفع أعمال العنف في إقليم دارفور بغرب البلاد، أعدادا متزايدة إلى النزوح نحو تشاد.
وكان موقع الرئاسة التشادية أفاد في بيان الأحد بقيام الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي بتفقد مدينة أدري الحدودية مع السودان في شرق البلاد، من أجل “الوقوف على أحوال اللاجئين السودانيين الفارين من ويلات الحرب ودور المنظمات الإنسانية والدولية العاملة في مجال الإغاثة”.
وأشارت منظمة “أطباء بلا حدود” بفرنسا عبر حسابها على موقع تويتر إلى أن الأسبوع الماضي “فر حوالي 6000 شخص من الجنينة للاحتماء في تشاد بالقرب من أدري”.
ودانت تونس الأحد عملية اقتحام مقر إقامة سفيرها في العاصمة السودانية الخرطوم الذي تعرض للسرقة والعبث بمحتوياته.
والسبت، أفادت “لجان المقاومة”، وهي مجموعات شعبيّة تنشط في تقديم الدعم منذ بدء النزاع، بتعرّض أحياء في جنوب الخرطوم منها مايو واليرموك لقصف بطيران الجيش.
وأعلنت في بيان “وفاة 17 ضحيّة من المدنيّين بينهم خمسة أطفال” وإصابة آخرين و”تدمير 25 منزلا”.
واتّهمت قوّات الدعم السريع الجيش بمهاجمة “عدد من الأحياء السكنيّة” في جنوب العاصمة بالطيران، ما أدّى إلى “مقتل وإصابة العشرات”.
قوات الدعم تؤكد التزامها بـما يخدم أغراض الهدنة الإنسانية، لاسيما تسهيل إيصال المساعدات وفتح الممرات الآمنة للمواطنين
وأكّد شهود في الخرطوم السبت أن حدة القصف الجوي تزايدت في اليومين الأخيرين.
وبينما يتميز الجيش بامتلاك قوة جوية في الخرطوم ومدينتي أم درمان وبحري، ترسخ قوات الدعم السريع وجودها في الأحياء السكنية.
وفي كلمة نشرها الجيش الجمعة، نبه الفريق ركن ياسر العطا الناس إلى ضرورة الابتعاد عن المنازل. وأشار إلى أنه ستتم مهاجمة قوات الدعم السريع في أي مكان.
وأضاف أن الوساطة بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع هي “الذخيرة”، رافضا محاولات الوساطة على ما يبدو.
وتسبّب النزاع بمقتل أكثر من 2000 شخص، وفق آخر أرقام مشروع بيانات الأحداث وموقع النزاع المسلح “أكليد”، إلا أنّ الأعداد الفعليّة قد تكون أعلى بكثير، حسب وكالات إغاثة ومنظّمات دوليّة.
وكذلك، تسبّبت المعارك بنزوح أكثر من 2.2 مليون شخص، لجأ أكثر من 528 ألفا منهم إلى دول الجوار، وفق المنظّمة الدوليّة للهجرة.
وعبر أكثر من 149 ألف شخص نحو تشاد الحدوديّة مع إقليم دارفور حيث تثير الأوضاع قلقا متزايدا، خصوصا في الجنينة مركز ولاية غرب دارفور، إحدى الولايات الخمس للإقليم.
وحذّرت الأمم المتحدة مطلع هذا الأسبوع من أنّ ما يشهده الإقليم قد يرقى إلى “جرائم ضدّ الإنسانيّة”.
وتسببت الحرب في حرمان الملايين في الخرطوم من الكهرباء والمياه والرعاية الصحية، واضطر السكان إلى ترشيد الطعام وأبلغوا عن جرائم نهب مستشرية.