هدايا بالتقسيط

يزداد الإقبال على شراء الهدايا مع حلول كل عام جديد، إذ يُنظر إليها كمؤشر على التقدير والمحبة بين الناس، لكن هذه الظاهرة شهدت تحوّلاً كبيراً في العقود الأخيرة، حيث أصبحت الهدايا في مثل هكذا مناسبات وسيلة للتفاخر الاجتماعي أكثر من كونها تعبيراً حقيقياً عن المشاعر، فهي لم تعد تقتصر على الأشخاص ذوي القدرات المالية المرتفعة فقط مثل ما نشاهد في أفلام الفلانتاين، والآن أصبحت شائعة بين العديد من الناس ذوي الدخل البسيط الذين يسعون لشراء هدايا باهظة الثمن باستخدام التقسيط أو القروض، في محاولة لإظهار مكانتهم الاجتماعية، بينما ينتهي بهم الأمر في دوامة من الديون والانتكاسة، في حين أن السعادة هي راحة البال بكل بساطة فلا ضرر ولا ضرار.
ويعتبر تقديم الهدايا في المناسبات من أهم الوسائل التي يعبر بها الناس عن محبتهم أو احترامهم للآخرين، لكن هذا المفهوم البسيط تحول إلى سباق من أجل شراء الهدايا الأغلى ثمناً ما يكلف الطاقة والجهد والمادة، فيكاد يكون من المستحيل اليوم أن نرى شخصاً يشتري هدية بسيطة أو رمزية، فالغالبية تتوجه نحو الهدايا الفاخرة التي يخيل إليهم أنها تعكس وضعهم المالي الرفيع وهذا هو ما خلق عالم هدايا بالتقسيط وهو عالم مزيف مثل السوشيال ميديا.
وتشمل هذه البدعة مختلف الطبقات الاجتماعية خاصة في زمن التباهي الافتراضي، حيث أصبح من المعتاد أن يلجأ الكثيرون إلى القروض الشخصية أو السّلف من البنوك لشراء الهدايا، في محاولة لتحقيق رغبتهم في تقديم شيء فاخر يرضي الطرف الآخر ويظهرهم في صورة أكثر نجاحًا وتقدماً ونشرها عبر التيك توك وإنستغرام وغيرهما، بينما هذه الممارسات تخلق نوعاً من الضغط النفسي على الأفراد فيما بينهم وبين أنفسهم، فيضطرون للعمل لسداد ديونهم ويعانون في صمت من القلق بشأن وضعهم المالي، فكيفية تسديد الديون بدلًا من الاستمتاع باللحظات والذكريات الجميلة التي تكون أكثر قيمة من أيّ هدية مادية، يتسبب في توتر العلاقات الاجتماعية بدلاً من تقويتها.
وتكمن السعادة الحقيقية في الراحة النفسية والقدرة على القبول بما يملكه الشخص، فالسرور الذي يشع من الداخل يأتي عندما يكون الفرد راضيًا عن حياته، ويعيش ضمن إمكانياته دون الحاجة إلى السعي وراء استعراضات مادية، وهذا لأن الشخص الذي يعكف على إرضاء الآخرين أو ينافس في مجال الظهور الاجتماعي لن يكون سعيدًا، فعلى العكس تماما سيكون السبب الرئيسي لعدم شعوره بالراحة أو الاستقرار النفسي.
وفي الواقع نجد أن الأشخاص الذين يقدرون الأشياء البسيطة في الحياة ويتمتعون بسلام داخلي هم الأكثر سعادة، فيمكن أن تكون الهدية الرمزية أو الكلمة الطيبة أكثر تأثيرًا من هدية غالية يتم شراؤها على حساب الاستدانة، فمع الوالدين على سبيل المثال كيلو برتقال أو موز تأخذ عليه الأجر و السكينة والهدوء بدلا من النغص، لأن التفاخر بالمكانة الاجتماعية أو القدرة المالية يمكن أن يكون وهمًا خادعًا خاصة في محاولة إرضاء الغير الذي لا يقربك بصلة، في حين أن القناعة والرضا عن الحياة هما أساس السعادة الحقيقية من الوالدين والإخوة.
والحقيقة أن السعي وراء إرضاء الآخرين من خلال المال يؤدي إلى قلق دائم ويخلق نوعاً من العبودية المالية التي تعيق الشخص عن التمتع بحياة بسيطة ومريحة والأهم لو فعلنا هذا من أجل الوالدين يهون، لكن من أجل الآخرين فغالبا ما يقابله نكران الجميل ونغص ذاتي مهين.