هجوم مضاد للجيش السوري يحول معركة حماة إلى عملية تستكشف بها المعارضة قدرات الأسد

دمشق – حوّل هجوم الجيش السوري المضاد محاولة اجتياح حماة بمنطق انهيار القوات الحكومية وانسحابها، إلى عملية استكشاف للقدرات الحقيقية المتاحة لقوات الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما يفرض عملية إعادة تقييم سريعة من المسلحين الإسلاميين، وقد يحث الأتراك على الإيعاز إلى الجيش السوري الحر بدخول المعركة جنبا إلى جنب مع قوات هيئة تحرير الشام.
كان المسلحون يعتقدون أنها معركة أسهل وأنهم سيكونون في وسط حماة، قبل أن يجمع الأسد قواته بما يكفي للقيام بهجوم مضاد، وأن يتمكن الروس من توفير اللوجستيات الضرورية لإطلاق حملة قصف جوي مكثف يمكن أن تهز ثقة هيئة تحرير الشام بقدرتها على هزْم قوات الأسد.
لكن المؤكد أن مهمة صد قوات الهيئة، ومن ثم شن هجوم مضاد، ستكون مهمة الجيش السوري بالدرجة الأولى لأن عملية استدعاء قوات من الحشد أو الإيرانيين ستستغرق وقتا طويلا، ومن غير الوارد أن يبادر حزب الله بترك مواقعه في لبنان للتدخل في سوريا.
أداء القوات الحكومية في حماة مختلف تماما عن طريقتها في مواجهة هجمات المسلحين خاصة بعد أن أخلت عدة مواقع دون قتال، وهي تحيل إلى صراعات سابقة كان النظام يخرج فيها منتصرا
وأطلق الجيش السوري الأربعاء هجوما مضادا شمال حماة في وسط البلاد لإبعاد الفصائل المسلحة التي وصلت الثلاثاء إلى “أبواب” مدينة حماة الإستراتيجية بالنسبة إلى الجيش وحمايتها ضرورية لتأمين العاصمة دمشق الواقعة على مسافة حوالي 220 كيلومترا إلى الجنوب.
وعقب إطلاقها هجوما مضادا “بعد منتصف الليل” تمكنت القوات الموالية للحكومة السورية من “تأمين بوابة مدينة حماة الشمالية الشرقية” وسيطرت على عدة قرى، وفق ما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان مشيرا إلى اشتباكات في مناطق أخرى في المحافظة.
وقالت مصادر من الجيش السوري ومن المعارضة إن عاملي الغارات الجوية ووصول التعزيزات كانا حاسمين في صد تقدم المسلحين.
وجرت الأربعاء “اشتباكات عنيفة” بين الجيش المدعوم بالطيران الروسي وفصائل المعارضة في شمال حماة، بحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
وطرد الجيش السوري المسلحين من بعض القرى التي تقدموا فيها. لكن لا تزال هناك معارك ضارية في مواقع إستراتيجية.
وقالت وسائل إعلام رسمية والمرصد السوري لحقوق الإنسان إن القتال الأربعاء تركز حول العيور والقرى المحيطة بها بعدما صدت القوات الموالية للحكومة هجوما خلال الليل على جبل زين العابدين، شمالي حماة مباشرة.
ويعتبر مراقبون أن أداء القوات الحكومية في حماة مختلف تماما عن طريقتها في مواجهة هجمات المسلحين خاصة بعد أن أخلت عدة مواقع دون قتال، مشيرين إلى أن حماة لها رمزية كبيرة بالنسبة إلى النظام والمسلحين الإسلاميين على حد السواء، وهي تحيل إلى صراعات سابقة كان النظام يخرج فيها منتصرا مثلما حصل في 1982.
وتعد حماة موقعا إستراتيجيا مهما، فهي تقع وسط سوريا تقريبا، ما يجعلها نقطة وصل بين المحافظات الرئيسية، مثل دمشق وحمص وحلب وإدلب. وخسارة الأسد لها ستعني أن المسلحين الإسلاميين سيجدون الطريق إلى مناطق أخرى جنوبا بما في ذلك العاصمة دمشق ومن الصعب وقفهم حتى لو قرر الإيرانيون إرسال قوات لإسناد الجيش السوري.
ولتأكيد أهمية حماة علقت القوات الحكومية صور الأسد داخل القلعة في لحظة رمزية عندما استولت على المدينة في عام 2016 بعد حصار طويل، ما شكل نقطة تحول رئيسية في الحرب.
وقال سكان إن الأسد بدأ حملة تجنيد إجبارية جديدة، وأقام نقاط تفتيش في دمشق وشرق دير الزور لتسجيل الشباب الذين سينضمون إلى الجيش، ضمن خطة لزيادة القدرات ومنع أي تراجع في حماة.
وأوعز الرئيس السوري في مرسوم رئاسي بإضافة نسبة خمسين في المئة إلى رواتب العسكريين، في خطوة تأتي لرفع معنويات المقاتلين الحكوميين خلال المرحلة القادمة، والتي قد يعتمد فيها الجيش السوري على قدراته الذاتية.
ونشرت وكالة الأنباء الرسمية نص المرسوم الذي يفيد بـ”إضافة نسبة خمسين في المئة إلى الرواتب المقطوعة النافذة بتاريخ صدور هذا المرسوم.. للعسكريين.” ولا تشمل الزيادة من هم في الخدمة الإلزامية أو المتقاعدين.
واستنزفت الحرب عُدّة وعتاد الجيش السوري الذي خسر في سنوات النزاع الأولى، وفق خبراء، نصف عديده الذي كان مقدرا بـ300 ألف، جراء مقتلهم في المعارك أو فرارهم.
ويضمّ الجيش السوري إجمالا ثلاث مجموعات رئيسية، هي المتطوعون في السلك العسكري، وهم المستفيدون من مرسوم الأسد، والملتحقون بالخدمة العسكرية الإلزامية، والمكلفون بالخدمة الاحتياطية.
وكان الجيش السوري أعلن في يوليو أنه يعتزم تسريح عشرات الآلاف من الخدمة الاحتياطية حتى نهاية العام الحالي، ومثلهم العام المقبل.
وجاء التصعيد العسكري غير المسبوق -وهو الأعنف منذ سنوات- بعد أكثر من 13 عاما على بدء نزاع مدمر استنزف مقدرات الاقتصاد وانهارت معه العملة المحلية، وبات أكثر من ربع السوريين يعيشون في فقر مدقع، وفق البنك الدولي.
ويقول الخبير في الشأن السوري فابريس بالانش “النظام اليوم هشّ للغاية مع الحرب والعقوبات والاقتصاد الذي لا يتعافى” في حين أن “الجيش السوري ليس في وضع جيد لاستعادة حلب” بعدما استنزفته المعارك وبالكاد “يعادل راتب قواته الشهري عشرين دولارا ومعنوياته محبطة.”
ولطالما شكّل الالتحاق بالخدمتين الإلزامية والاحتياطية هاجسا رئيسيا لدى الشباب السوريين الذين يرفضون حمل السلاح خصوصا بعد اندلاع النزاع الذي أدى إلى مقتل أكثر من نصف مليون شخص، وأسفر عن نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل سوريا وخارجها.
اقرأ أيضا:
• التطورات العسكرية في سوريا تزيد أعباء الأٍردن الأمنية
• هجوم المعارضة السورية، هل يدخل ضمن تركيز نتنياهو على إيران