هجوم مسيرات الدعم السريع على قاعدة بورتسودان البحرية يربك الجيش

بورت سودان (السودان) – تتصاعد وتيرة الهجمات على مدينة بورتسودان الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني لليوم الرابع على التوالي، حيث استهدفت طائرات مسيرة قاعدة فلامنغو البحرية الحيوية، وهي أكبر قاعدة في البلاد، ما يفتح باب التساؤل حول صمود الجيش وقدرته على إدارة الصراع، فضلا عن تأثير ذلك على تحالفاته الإقليمية والدولية.
وعلى الرغم من إشارة مصدر عسكري، طلب عدم نشر اسمه، إلى تصدي الدفاعات الأرضية للجيش السوداني للهجوم، إلا أن استمرار أصوات المضادات الأرضية والانفجارات المتتالية لمدة نصف ساعة يشير إلى كثافة الهجوم وربما وقوع أضرار لم يتم الكشف عنها بعد.
وتمثل قاعدة فلامنغو البحرية أهمية استراتيجية قصوى للجيش السوداني، حيث تضم مرابض للسفن الحربية، ووحدات متخصصة مثل كتيبة الضفادع البشرية ووحدات الرادار والمراقبة التي تتابع المياه الإقليمية بشكل دائم. كما أنها مركز لوجستي حيوي يضم سفنا حربية وسفن مهام وقوارب حربية وإنقاذ واتصالات.
ولا يعد استهداف قاعدة فلامنغو حدثا معزولا، بل هو حلقة في سلسلة متصاعدة من الضربات الموجعة التي تتعرض لها بورتسودان منذ أربعة أيام. فقبلها، استُهدفت مستودعات الوقود الرئيسية، وشريان المساعدات الإنسانية، ومحطة كهرباء حيوية، وفندق قرب المقر الرئاسي.
يكشف هذا النمط الممنهج من الاستهداف عن تدهور حاد في قدرة الجيش على حماية بنيته التحتية الاستراتيجية، وعن عجز متزايد عن تأمين مواقعه التي كان يعتبرها حصينة.
وأدت هذه الضربات المتتالية إلى شلل تدريجي لقوة الجيش البحرية، وعرقلة عملياته اللوجستية الحيوية، وتفتيت الروح المعنوية لقواته المتمركزة في المدينة التي كانت تعتبر ملاذا آمنا نسبيا، كما كشفت عن ثغرات أمنية جوهرية في دفاعات الجيش، حتى في المناطق التي كان يتباهى بتحصينها.
يتفق مراقبون إقليميون ودوليون على أن هذا الوضع بالغ الحرج الذي يواجهه الجيش السوداني في بورتسودان، والذي يتجلى في تكرار استهداف قدراته الاستراتيجية وعجزه عن ردع الهجمات، يفرض عليه حتمية العودة إلى طاولة المفاوضات مع قوات الدعم السريع بجدية ومسؤولية.
ويؤكد هؤلاء المراقبون أن دخول المسيّرات إلى ساحة المعركة يجعل من حديث قيادة الجيش عن تحقيق نصر عسكري وهما سرابيا، بعد خلقت مسيّرات قوات الدعم السريع واقعا ميدانيا جديدا لا يمكن تجاهله، وقد تدفع قيادة الجيش في نهاية المطاف إلى إعادة تقييم جذرية لموقفها الرافض للتفاوض.
ويلفت المراقبون إلى أن قيادة الجيش لا تبدو حتى الآن مدركة لخطورة التحول الميداني، وتحاول تشتيت انتباه أنصارها من خلال استعداء دول بعينها مثل الإمارات، التي أعلنت الحكومة الموالية للجيش الثلاثاء قطع العلاقات الدبلوماسية معها، بعد فشل دعوى رفعتها ضد الدولة الخليجية أمام محكمة العدل الدولية.
وفي ظل هذا التصعيد الخطير الذي تشهده بورتسودان، تتصاعد الأصوات الإقليمية والدولية المطالبة بضرورة التهدئة الفورية واحتواء هذا المنزلق الخطير، فهناك إدراك متزايد بأن استمرار القتال في هذه المدينة الحيوية، التي تعد مركزا إنسانيا رئيسيا، يهدد بتفاقم الأزمة الإنسانية الكارثية في السودان ويزعزع استقرار المنطقة بأكملها.
لقد راهنت الخرطوم طويلا على موقع بورتسودان الاستراتيجي كورقة ضغط لجذب قوى دولية طامحة في النفوذ بالبحر الأحمر، وعلى رأسها روسيا وإيران، سعيا وراء الدعم العسكري واللوجستي في ظل الصراع المتصاعد. وقد لوحت الخرطوم بإمكانية إنشاء قاعدة بحرية لوجستية لروسيا، في محاولة لموازنة النفوذ الأميركي.
إلا أن تكرار استهداف قدرات الجيش في بورتسودان، والذي كشف عن ضعفه وعجزه المتزايد عن حماية أصوله الاستراتيجية، يضع موقف الخرطوم التفاوضي مع هذه القوى في موقع أضعف من أي وقت مضى، فالدول التي كانت تطمح إلى موطئ قدم في البحر الأحمر عبر السودان ستعيد تقييم جدوى هذه الشراكة مع طرف غير قادر على تأمين حتى معقله الرئيسي.
ومن غير المرجح أن تنظر روسيا وإيران إلى الجيش السوداني بعد الآن كشريك جدير بالثقة أو قادر على توفير البيئة الآمنة لمصالحهما الاستراتيجية. كما أن انكشاف هذا الضعف المتكرر قد يجعل عملية الحصول على الأسلحة والمسيرات من هذه الدول أكثر صعوبة ومشروطية.
في المقابل، يمثل هذا الضعف المتزايد فرصة للجانب الأميركي لتعزيز نفوذه الإقليمي وتقويض أي محاولات لإنشاء قواعد عسكرية لقوى منافسة في منطقة البحر الأحمر الحيوية.
ويمثل التدهور المتسارع لقدرات الجيش السوداني في بورتسودان، والذي يتجلى في الاستهداف المتكرر والناجح لمواقعه الاستراتيجية، نقطة تحول حاسمة في مسار الصراع، إذ يكشف عن نهاية وشيكة لقدرة الجيش على الصمود ويضعه أمام خيارين لا ثالث لهما إما العودة إلى طاولة المفاوضات بشروط قوات الدعم السريع، أو الانهيار الكامل.
وتضمّ بورتسودان المقر المؤقت للحكومة التي جعلتها العاصمة المؤقتة في أعقاب اندلاع الحرب بين قواتها وقوات الدعم السريع.
ومنذ أبريل 2023، يشهد السودان صراعا داميا بين قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد منذ انقلاب عام 2021، ونائبه السابق الجنرال محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع.
وبورتسودان، المدينة التي تمرّ عبرها المساعدات الإنسانية والتي تضمّ وكالات الأمم المتحدة ونزح إليها آلاف المهجّرين السودانيين، ظلّت نسبيا بمنأى من الحرب.
وأوقعت الحرب في السودان عشرات آلاف القتلى وأدّت لتهجير 13 مليون شخص وتسبّبت بـ"أسوأ كارثة إنسانية" في العالم، بحسب الأمم المتحدة.