هجوم غربي واسع على روسيا لعدم تجديدها اتفاقية الحبوب الأوكرانية

موسكو – خيبت روسيا آمال الغرب الذي كان يتوقع عدول موسكو عن موقفها التصعيدي في الربع ساعة الأخير، بعدما أعلنت اليوم الاثنين عن رفضها تجديد العمل باتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود بموجب الاتفاق الذي جرى سابقا برعاية أممية تركية.
ودانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين "بشدة" إعلان موسكو أن الاتفاق حول تصدير الحبوب الأوكرانية، المهم للأمن الغذائي العالمي، "انتهى عمليا".
وقالت في تغريدة "إنني أدين بشدة القرار الروسي الوقح بإنهاء اتفاق البحر الأسود لتصدير الحبوب، على الرغم من جهود الأمم المتحدة وتركيا. الاتحاد الأوروبي يسعى جاهدا لضمان الأمن الغذائي للسكان الضعفاء على هذا الكوكب".
وأعلنت الحكومة البريطانية الاثنين أن إعلان روسيا إنهاء اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية "مخيب للآمال" وهي تعتبر حاسمة بالنسبة للغذاء العالمي.
وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء ريشي سوناك "من الواضح أنه مخيب للآمال. لكننا سنواصل المحادثات". واضاف "إذا لم تجدد روسيا الاتفاقية فستحرم الملايين من إمدادات الحبوب الأساسية بالنسبة لهم".
وقبل ساعات على انتهاء أجل اتفاق إسطنبول اليوم الاثنين، أكد الكرملين أن الاتفاق حول تصدير الحبوب الأوكرانية الذي تنتهي صلاحيته منتصف الليل (الساعة 21:00 بتوقيت غرينيتش) "انتهى عمليا"، مؤكدا أن روسيا مستعدة للعودة إليه "فورا" عندما تُلبّى شروطها.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحافيين في مؤتمر عبر الهاتف "في الواقع، انتهى سريان اتفاق البحر الأسود اليوم".
وأضاف "للأسف، لم يتم تنفيذ الجزء المتعلق بروسيا في اتفاق البحر الاسود حتى الآن، لذلك فقد انتهى".
من جهتها، قالت وزارة الخارجية الروسية في بيان اليوم الاثنين إن روسيا تسحب ضماناتها الأمنية لشحنات الحبوب وتغلق الممر الإنساني في البحر الأسود.
وذكرت الوزارة أن روسيا ستكون مستعدة للنظر في استئناف صفقة الحبوب فقط إذا تم الحصول على نتائج ملموسة، وليس الوعود والتأكيدات.
وأشارت الوزارة إلى أنه بعد مرور عام، تبدو نتائج العمل في مجال تنفيذ مبادرة البحر الأسود مخيبة للآمال، مشددة على أن تصدير المواد الغذائية من أوكرانيا، بقي حتى اللحظة الأخيرة يهدف إلى خدمة مصالح كييف ورعاتها الغربيين.
ووفقا لبيان الوزارة، تم استخدام الموانئ التي تسيطر عليها كييف والممر الآمن الذي فتحته روسيا لتصدير الحبوب الأوكرانية، لتنفيذ الهجمات الإرهابية.
وأضاف البيان أن أقل من 3 بالمئة من المواد الغذائية ذهبت إلى أفقر البلدان في صفقة الحبوب، وأكثر من 70 بالمئة ذهبت إلى البلدان ذات الدخل المرتفع.
وأشار إلى أن صفقة الحبوب لم ولا تبرر أهميتها الإنسانية، وأن استمرارها في ظروف التعطيل الصريح قد فقد معناه. ولهذا السبب تسحب روسيا الضمانات الأمنية في ممر البحر الأسود، وبالتالي ستتوقف مبادرة حبوب البحر الأسود عن العمل في 18 يوليو.
وفيما ندد الاتحاد الأوروبي بالقرار الروسي، أبدى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان ثقته برغبة نظيره الروسي فلاديمير بوتين في استمرار اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية.
وذكر أردوغان في تصريحات قبل مغادرته في جولة خليجية تستمر يومين للمملكة العربية السعودية وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة أنه يعتقد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد استمرار الصفقة، مضيفا أنه سيناقش الأمر حين يلتقي ببوتين شخصيا في أغسطس آب.
وأتاح الاتفاق الذي تمّ تمديده مرتين منذ ذلك الحين، تصدير أكثر من 32 مليار طن من الحبوب عبر الموانئ الأوكرانية على رغم العملية الروسي التي بدأت اعتبارا من فبراير 2022.
وروسيا وأوكرانيا من أكبر منتجي المحاصيل الزراعية في العالم، ولاعبان رئيسيان في أسواق القمح والشعير والذرة وزيوت اللفت ودوار الشمس. وتهيمن روسيا أيضا على سوق الأسمدة.
وقال بوتين الأسبوع الماضي إن بنود الاتفاق المتعلقة بروسيا لم يتم تنفيذها لذا يفكر في تعليق مشاركة بلاده مشيرا إلى أن روسيا ستعود إلى الاتفاق بمجرد تنفيذ شروطه.
ولإقناع روسيا بالموافقة على اتفاق البحر الأسود، جرى التوصل في يوليو 2022 إلى مذكرة تفاهم مدتها ثلاث سنوات وافق بموجبها مسؤولو الأمم المتحدة على مساعدة روسيا في إيصال صادراتها من الأغذية والأسمدة إلى الأسواق العالمية.
ولا تخضع الصادرات الروسية من الأغذية والأسمدة للعقوبات الغربية المفروضة بعد غزو أوكرانيا، وتقول موسكو إن آثار القيود المفروضة على المدفوعات والخدمات اللوجستية والتأمين تصل إلى حد إعاقة تلك الشحنات.
وافقت روسيا ثلاث مرات في العام الماضي على تمديد اتفاق البحر الأسود، لكنها علقت أيضا لفترة وجيزة مشاركتها في نهاية أكتوبر تشرين الأول ردا على هجوم بطائرة مسيرة على أسطولها في شبه جزيرة القرم.
وقال الرئيس الروسي الأسبوع الماضي "يمكننا تعليق مشاركتنا في الاتفاق، وإذا قال الجميع مرة أخرى إن جميع الوعود التي قطعوها لنا ستُحقق، فليفوا بهذا الوعد. وسنعود على الفور لهذا الاتفاق".
وتذمرت روسيا محتجة بعدم وصول حبوب كافية إلى الدول الفقيرة. وجادلت الأمم المتحدة بأن هذا الترتيب أفاد تلك الدول من خلال المساعدة في خفض أسعار المواد الغذائية بأكثر من 20 بالمئة على مستوى العالم.
وكان متحدث باسم الأمم المتحدة قال الجمعة الماضي إن الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريش ينتظر ردا من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مقترح لتمديد الاتفاق.
بالمقابل، حذّر مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان روسيا من عواقب الانسحاب من اتفاق تصدير الحبوب، قائلا إن انسحابها سيعود عليها بتكلفة دبلوماسية كبيرة جدا.
وحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن روسيا على تمديد وتوسيع اتفاق البحر الأسود، متهما موسكو باستخدام الاتفاق "كسلاح" عبر التهديد بإنهائه.
وكانت آخر سفينة لنقل الحبوب بموجب الاتفاق المذكور قد غادرت الأحد ميناء أوديسا جنوب غربي أوكرانيا، وقد صدرت أوكرانيا بموجب الاتفاق أكثر من 32 مليون طن من الذرة والقمح والحبوب الأخرى. ولم توافق روسيا على تسجيل أي سفن جديدة منذ 27 من الشهر الماضي.
وجاء إنهاء العمل باتفاق الحبوب بعد ساعات فقط مما وصفته موسكو بهجوم إرهابي على جسر يربط روسيا بشبه جزيرة القرم التي ضمتها.
وأظهرت صور لم يتم التحقق منها انفصال قسم من الطريق على الجسر وكان يميل جانبا وحواجز معدنية ملتوية تتدلى منه. وأظهرت لقطات سائقين يكبحون سياراتهم بشدة بعد الحادث بقليل. وتوقفت حركة المرور.
وأشار الجيش الأوكراني إلى أن الهجوم قد يكون نوعا من الاستفزاز من جانب روسيا نفسها، لكن وسائل إعلام أوكرانية نقلت عن مصادر مجهولة قولها إن جهاز الأمن الأوكراني كان وراء الحادث.
وألقت روسيا باللوم على أوكرانيا في هجوم على الجسر في أكتوبر الماضي قائلة إن المخابرات العسكرية الأوكرانية بقيادة مديرها كيريلو بودانوف هي التي دبرت الهجوم. واعترفت أوكرانيا بشكل غير مباشر بالهجوم بعد أشهر فقط.
وبعد هجوم أكتوبر، شنت روسيا ضربات على المدن الأوكرانية بما في ذلك إمدادات الطاقة ردا على ذلك. وأمر بوتين بإصلاح الجسر وقاد سيارة مرسيدس لعبوره.