هجوم دبلوماسي سعودي مضاد يقلب الموازين بالتزامن مع قمة العشرين

لندن – تنتقل السعودية من موقع دفاعي تلقت فيه هجمات قاسية من خلال حملات إعلامية واستخباراتية اعتمدت على تسريبات قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي الشهر الماضي، إلى تبني سياسة هجومية تعتمد على التحدي الساعي إلى فرض حضور مؤثر لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي تحوّل إلى رمز لمشاريع تحديثية كبرى في المملكة.
وخلال جولة بدأت بالإمارات وشملت البحرين ومصر وتونس، عزّز الأمير محمد بن سلمان موقعه الإقليمي عبر دعم عربي أسس لقاعدة صلبة تمكنه من مواجهة زعماء العالم في قمة العشرين، المنعقدة في بوينس أيرس، في إجراء من شأنه أن يكسر حاجزا نفسيا ودبلوماسيا صنعته وسائل الإعلام على مدار شهرين من مقتل خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول.
وتهدف السعودية من خلال سياسة التحدي والهجوم المضاد، التي باتت تمثل خيارا طموحا لاستعادة توازن الدبلوماسية السعودية بعدما تلقت ضربات متلاحقة، إلى ترسيخ حضور ولي العهد السعودي على الساحة الدولية، في الوقت الذي يشهد تركيزا على استهدافه شخصيا، ومن ثم ضرب مشروعه المتمثل في رؤية 2030.
ويقول دبلوماسيون غربيون إن مشاركة ولي العهد السعودي في القمة “إعلان واضح بأن السعودية تجاوزت أزمة خاشقجي”.
وبالفعل، بدأت الحملة السعودية المضادة في إبداء نجاح ملحوظ. فدول مثل البحرين ومصر وتونس وفلسطين، إلى جانب الإمارات وروسيا والصين، أبدت تجاوبا معها ودعما لدفع العلاقات الثنائية مع الرياض إلى الأمام على المستويات السياسية والدبلوماسية.

وفي الولايات المتحدة، حيث لا يزال بعض أعضاء الكونغرس يصرون على إبقاء قضية خاشقجي ورقة للضغط على السعودية، قال وزير الخارجية مايك بومبيو إن “هؤلاء الذين يضغطون علينا لتقليص علاقاتنا بالسعودية، هم أنفسهم الذين دعموا الرئيس السابق باراك أوباما لتوطيد العلاقات مع إيران”.
ورغم إعلان مستشار الرئيس للأمن القومي جون بولتون، في مؤتمر صحافي، أنه ليس من المقرر أن يلتقي الرئيس دونالد ترامب بالأمير محمد بن سلمان على هامش القمة، لا توجد مؤشرات تفيد بأن الرئيس الأميركي لديه أي نية لتغيير موقفه الداعم للسعودية وولي عهدها.
كما بدأت بريطانيا هذا الأسبوع تدريبات مشتركة للقوات الجوية الملكية البريطانية والسعودية. ورغم تصريحات توحي بأن لندن مستعدة لفرض عقوبات على مسؤولين سعوديين، تقول المصادر الدبلوماسية إن العلاقات بين الجانبين في الغرف المغلقة تجاوزت منذ أسابيع قضية خاشقجي.
وإذا كانت السعودية في انتظار تحقيق مكاسب من هذه التحركات الجريئة، فإن أكثر الخاسرين ستكون قطر، التي استثمرت سياسيا وإعلاميا وأمنيا في قضية خاشقجي بمستويات غير مسبوقة من قبل. فاتجاهات السياسة السعودية في المنطقة بدت أكثر استعدادا لاستهداف ما تبقى من تأثير إقليمي لقطر في بعض الملفات، بعدما تقلص كثيرا منذ مقاطعة واسعة النطاق تفرضها السعودية ومصر والإمارات والبحرين عليها منذ يونيو 2017.
ويقول جيمس دورسي، الباحث في كلية “راجارانت” للدراسات الدولية، إن فلسطين والعراق أيضا من ضمن أحد المحاور الرئيسية للحملة السعودية، رغم أنهما لا تأتيان كأولوية في جولة الأمير محمد بن سلمان.

وأفادت السعودية هذا الشهر بأنها حوّلت مبلغا بقيمة 60 مليون دولار إلى السلطات الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، المتأزمة ماليا نتيجة لقطع إدارة ترامب الإمدادات التي تقدر بمئات الملايين من الدولارات عنها وكذلك عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
كما تزامن التمويل السعودي أيضا مع موافقة إسرائيل على تحويل مبلغ بقيمة 150 مليون دولار من قطر إلى غزة، التي تسيطر عليها حركة حماس الإسلامية.
وبالمثل، تتنافس السعودية وقطر على فرض النفوذ في العراق، وهو ساحة معركة أخرى مهمة لكل من الولايات المتحدة والمملكة بسبب العلاقات الوثيقة بين العراق وإيران. وتردد كبار المسؤولين السعوديين والقطريين على بغداد في الأسابيع الأخيرة، حيث يعكف رئيس الوزراء العراقي الجديد عادل عبدالمهدي على تشكيل حكومته، ويدفع بخطة تنمية اقتصادية طموحة تعتمد على الاستثمار الأجنبي.
وأثبت الأمير محمد بن سلمان، رغم بعض الاحتجاجات في تونس، أنه ليس شخصا غير مرغوب فيه عالميا. وقال دورسي “سيكون استقبال ولي العهد السعودي من قبل قادة العالم في الأرجنتين اختبارا جيدا لدرجة الضرر الذي عانت منه المملكة”.