هجوم أحد قياديي النهضة على الجيش التونسي ووصفه بـ"الانقلابي" يحرج الحركة الإسلامية

سارعت حركة النهضة إلى إعلان تبرّئها من تصريحات نشرها أحد قيادييها يهاجم فيها المؤسسة العسكرية في تونس. وجاء موقف الحركة لتدارك ردود الفعل الغاضبة والمتوجسة من المحاولات المشبوهة لإقحام الجيش في التجاذبات السياسية.
تونس -شكل الهجوم العنيف الذي شنه أحد قياديي حركة النهضة، على الجيش التونسي ووصفه بـ»الانقلابي» إحراجا كبيرا للحركة الإسلامية التي سارعت إلى إعلان تبرّئها من الهجوم، الذي أعاد إلى أذهان التونسيين التذكير برؤية زعيمها راشد الغنوشي للمؤسسة العسكرية في تونس.
وكان القيادي بالحركة رفيق عبدالسلام الذي شغل منصب وزير الخارجية في حكومة الترويكا نشر تدوينة على ”فيسبوك” قال فيها ”الحقيقة التي يجب أن تقال ودون مواربة هي أن مقولة حياد الجيش التونسي وابتعاده عن السياسة كذبة كبيرة لا يمكن أن تصدق، ويجب أن يتم التوقف عن ترويجها”.
وأضاف عبدالسلام وهو صهر الغنوشي ”لدينا جيش كان ضائقا ذرعا بالثورة وحرك دباباته للانقلاب على الدستور والمؤسسات، وما كان بمقدور قيس سعيد (الرئيس التونسي) إحكام قبضته على السلطة من دون دعم الجنرالات وإسنادهم، أي هو جيش انقلابي لا يختلف عن بقية الجيوش العربية، بل أكثر من ذلك يرى في سيسي مصر (الرئيس عبدالفتاح السيسي) نموذجا للاقتداء ومثالا للاستنساخ”.
وخلفت تدوينة القيادي البارز في حركة النهضة صدمة لدى الرأي العام المحلي لما تضمنته من تحامل كبير على الجيش التونسي المعروف عنه حرصه على النأي بنفسه عن أيّ تجاذبات سياسية، ويحسب له أنه اختار البقاء على الحياد منذ الانتفاضة على نظام الرئيس الراحل زين العادين بن علي، مع أن الفرص كانت متاحة أمامه، ووفق شهادات جنرالاته للإمساك بالسلطة.
ويرى مراقبون أن تدوينة عبدالسلام المقيم في الخارج، هي بمثابة تجاوز لخطوط حمراء، ومحاولة يائسة لإقحام الجيش في التجاذبات القائمة حاليا، مشيرين إلى أن من المفارقات العجيبة أن بعض النشطاء القريبين من الحركة الإسلامية ضمن ما يسمى “جبهة الخلاص” دعوا لوقت قريب إلى تدخل الجيش، مروّجين لشغور رئاسي نتيجة غياب الرئيس سعيد عن الإعلام لبضعة أيام.
ولا يخفي البعض هواجسهم من أن يكون هذا التشكيك في حيادية الجيش التونسي تقف خلفه غايات أخرى.
وعلى خلفية الجدل المثار سارعت حركة النهضة إلى نفي تبنّيها لموقف عبدالسلام. وقالت في بيان إن تلك التدوينات لا تمثّلها، مشيرة إلى أن مواقفها الرسمية يعبر عنها فقط رئيس الحركة وناطقه الرسمي.
وأضافت الحركة الإسلامية في بيانها أن “مواقفها ثابتة في احترام المؤسسة العسكرية وتثمينها لدورها في حماية الثورة ومسارها الانتخابي وفي الحرب على الإرهاب”. ودعت “القوى الوطنية ورموز الدولة ومؤسساتها للحفاظ على حيادية القوات الحاملة للسلاح والنأي بها عن الخلافات والتجاذبات السياسية”.
وترى قوى سياسية تونسية أن موقف الحركة كان منتظرا، في ظل ما لمسته من ردود فعل منددة ومنتقدة للمساس بالمؤسسة العسكرية، مشيرة إلى أن دعوة الحركة للقوى الوطنية ورموز الدولة بالترفع عن إقحام الجيش لا يخلو من مخاتلة.
وقال أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي إن “التصريحات والتصريحات المضادة هو أسلوب دأبت عليه حركة النهضة منذ فترة، وتصريح رفيق عبدالسلام هو الموقف الحقيقي للحركة، الذي سبق وعبّر عنه رئيسها راشد الغنوشي”.
وكان الغنوشي صرّح في أحد التسريبات بأن المؤسستين العسكرية والأمنية في تونس “غير مضمونتين”، جاء ذلك خلال لقاء جمعه بقيادات سلفية، خلال فترة قيادة النهضة للسلطة في تونس.
وقال زعيم النهضة في شريط فيديو تم تسجيله على ما يبدو دون علم منه في العام 2012 “صحيح أن الفئات العلمانية في هذه البلاد لم تحصل على الأغلبية” في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي أجريت في 23 أكتوبر 2011 وفازت فيها حركة النهضة، لكن “الإعلام والاقتصاد والإدارة التونسية بيدهم (..)الجيش بيدهم، الجيش ليس مضمونا، والشرطة ليست مضمونة (..) أركان الدولة مازالت بيدهم”.
وأضاف “نحن اكتسبنا يا إخواننا في سنة واحدة شيئا عظيما وهذا الشيء العظيم ليس مكسبا نهائيا وثابتا” مذكرا بتجربة الإسلاميين الجزائريين خلال تسعينات القرن الماضي.
وقد أحدثت تلك التسريبات حينها ردود فعل واسعة في تونس، وأثارت المخاوف من نجاح الحركة الإسلامية في اختراق المؤسسة العسكرية، وتطويعها، وهو ما لم يتحقق لها.
وقال المغزاوي في تصريحات لـ”العرب”، إن “هجوم عبدالسلام يعبر عن عقيدة حركة النهضة ويريد التشكيك في إمكانات المؤسسة العسكرية العريقة والجيش الذي ساند ثورة يناير 2011 ووقف في صف الشعب في 25 يوليو 2021”.
وتابع المغزاوي “يبدو أن الحركة أحرجت كثيرا من هذا التصريح المستفز، وهو يعبر عن يأس رفيق عبدالسلام ومن معه من العودة إلى الحكم، ويأتي في توقيت تعرف فيه جبهة الخلاص ومن ورائها تيار الإسلام السياسي أزمة متفاقمة”.
من جهتها دعت الناشطة السياسية شيراز الشابي “إلى ترك مؤسسة الجيش الوطني بعيدة عن التجاذبات السياسية وألا يتم توظيفها أو إقحامها في المعارك السياسية بين السلطة والمعارضة”.
وقالت الشابي في تصريحات لـ”العرب” إن “الجيش يتلقى الأوامر من القائد الأعلى للقوات المسلحة (رئيس الجمهورية) وفق ما نصّ عليه الدستور”.
وأوضحت “عبدالسلام يريد توظيف الجيش في الخلافات السياسية باعتبارها مؤسسة تحت قيادة الرئيس سعيّد، لكن حركة النهضة يبدو أنها أحرجت من تلك التصريحات، لذلك تسارع بالنأي عن نفسها بالبحث عن تبريرات واهية”.
ووجدت حركة النهضة نفسها خارج معادلة السلطة بعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيد في الخامس والعشرين من يوليو 2021 لوضع حد للتدهور السياسي والاقتصادي الذي شهدته البلاد خلال السنوات العشر التي أعقبت الإطاحة بنظام بن علي. وتسعى الحركة الإسلامية جاهدة للتشكيك في المسار الحالي، لكن جهودها فشلت حتى الآن في ظل غياب حزام شعبي داعم لها.