هجمة ديب سيك الصينية تعيد التفكير في استثمارات الذكاء الاصطناعي

الكلفة التنافسية مفتاح الشركات لكسب رهان تطوير التقنيات المتقدمة.
الأربعاء 2025/01/29
حان وقت الاستعراض

أحدث دخول شركة صينية ناشئة سوق الذكاء الاصطناعي هزة في قطاع التكنولوجيا الأميركي، وطرح معه تساؤلات بشأن ما إذا كان على كبرى الشركات مواصلة إنفاق مليارات الدولارات على الاستثمار في هذه التقنية المتطورة بينما بإمكان ديب سيك إنتاج نموذج مواز بكلفة أقل بكثير على ما يبدو.

لندن- أطلقت شركة ديب سيك الصينية تطبيقا مدعوما بالذكاء الاصطناعي تقول إنه مماثل للتطبيقات الرائدة في الولايات المتحدة أو أفضل منها وجرى تطويره مقابل كلفة بسيطة مقارنة بها، مما يهدد بإحداث اضطرابات واسعة في قطاع التكنولوجيا العالمي.

وجذبت الشركة الأنظار في قطاع الذكاء الاصطناعي عالميا بعد أن كتبت ورقة بحثية الشهر الماضي ذكرت فيها أن تدريب تطبيق (ديب سيك في.3) تتطلب طاقة حوسبة تقل كلفتها عن ستة ملايين دولار باستخدام شرائح (أتش – 800) من إنفيديا.

وكانت المفاجأة الأكبر التي هزّت القطاع إعلانها بأنها طورت نسختها الأخيرة آر 1 بكلفة أقل من تلك التي تتكبدها الشركات الكبرى في تطوير الذكاء الاصطناعي، خصوصا على شرائح إنفيديا الإلكترونية وبرامجها.

ويحمل الأمر أهمية بالغة نظرا إلى أن ازدهار الذكاء الاصطناعي الذي لعب إطلاق تشات جي.بي.تي أواخر العام 2022 دورا أساسيا فيه، حوّل إنفيديا إلى إحدى شركات العالم الأعلى قيمة.

سام ألتمان: نموذج ديب سيك مدهش، ومن المشجع أن يكون منافسا
سام ألتمان: نموذج ديب سيك مدهش، ومن المشجع أن يكون منافسا

وديب سيك هي شركة ناشئة مقرها هانغتشو. وتشير بيانات صينية إلى أن ليانغ وينفينغ، الشريك المؤسس لصندوق التحوط هاي فلاير، يملك حصة حاكمة بها.

وقال الصندوق عبر حسابه الرسمي على وي.تشات في شهر مارس 2023 إنه “يبدأ من جديد”، وسيكثف تخصيص الموارد لتشكيل “مجموعة بحثية جديدة ومستقلة، لاستكشاف جوهر الذكاء العام الاصطناعي”. وتأسست ديب سيك في وقت لاحق من ذلك العام.

وبحلول الاثنين الماضي، أصبح ديب سيك أعلى التطبيقات المجانية تصنيفا على متجر أبل على الإنترنت في الولايات المتحدة ليتجاوز منافسه الأميركي تشات جي.بي.تي.

وأثارت تلك الأنباء تساؤلات حيال تخصيص شركات التكنولوجيا الأميركية مليارات الدولارات للاستثمار في الذكاء الاصطناعي.

وهبطت أسهم التكنولوجيا العالمية الثلاثاء مع دخول السوق يومها الثاني بعد هبوط حاد بسبب ظهور نموذج الشركة الصينية، مما جعل المستثمرين يشككون في التقييم المرتفع للغاية وهيمنة شركات الذكاء الاصطناعي.

وانخفضت أسهم إنفيديا، الشركة الرائدة في سوق شرائح الذكاء الاصطناعي، بنسبة 17 في المئة الاثنين، لتمحو 593 مليار دولار من قيمتها وهي خسارة قياسية في يوم واحد لأي شركة، وجر الأسهم الأميركية إلى الانخفاض.

ولكن بحلول الثلاثاء، ارتفعت أسهم إنفيديا بنحو 6 في المئة في فرانكفورت، بينما ارتفعت أسهم أوراكل بنسبة 3.4 في المئة وشركة تحليلات بيانات الذكاء الاصطناعي بالانتير بنسبة 2.97 في المئة، بينما ذبلت أسهم التكنولوجيا في أوروبا.

وتخلص المستثمرون من أسهم التكنولوجيا في كل مكان، مع الشعور بتموجات من طوكيو إلى أمستردام إلى وادي السيليكون. وجاءت موجة البيع هذه، على الرغم من استمرار الشكوك حول مزاعم الشركة الصينية الناشئة بشأن الكلفة.

ووصف الرئيس التنفيذي لشركة أوبن أي.آي سام ألتمان هذا النظام بأنه “نموذج مثير للإعجاب،” بينما اعتبره الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه “جرس إنذار لصناعاتنا.”

وقال ألتمان، رئيس شركة الذكاء الاصطناعي التي تقف وراء نظام تشات جي.بي.تي، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي “من الواضح أننا سنقدم نماذج أفضل بكثير، ومن المشجع أيضًا أن يكون لدينا منافس جديد.”

وأدى ظهور ديب سيك على مشهد الذكاء الاصطناعي، من العدم على ما يبدو، إلى قلب تصور الصناعة بأن الصين متأخرة بسنوات عن منافسيها الأكبر في الولايات المتحدة.

وعبر الرئيس التنفيذي لاتحاد قطاع التكنولوجيا تشيمبر أوف بروغرس آدم كوفاسيفتش عن رأي مشابه قائلا “تتمثل الأولوية الآن في مجال الذكاء الاصطناعي في ضمان انتصار” الولايات المتحدة.

من جانبه، اعتبر مارك أندريسن، المستثمر في مجال التكنولوجيا والمتحالف مع ترامب، بأن “آر 1 هو الذكاء الاصطناعي يعيش لحظة سبوتنيك،” في إشارة إلى إطلاق الاتحاد السوفييتي أول قمر اصطناعي في الأرض عام 1957 في خطوة أثارت دهشة الغرب.

وقبل ساعات على فتح الأسواق الثلاثاء، اعتبر ساتيا ناديلا الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت أن تراجع كلفة الذكاء الاصطناعي يصب في مصلحة الجميع.

لكن ناديلا نفسه حذر الأسبوع الماضي أثناء المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس من أن “علينا أخذ التطورات القادمة من الصين على محمل الجد بشكل كبير.”

مارك أندريسن: آر 1 عبارة عن ذكاء اصطناعي يعيش لحظة سبوتنيك
مارك أندريسن: آر 1 عبارة عن ذكاء اصطناعي يعيش لحظة سبوتنيك

وتخطط مايكروسوفت لاستثمار 80 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي هذا العام، بينما أعلنت ميتا عن استثمارات بقيمة 60 مليار دولار على الأقل الجمعة الماضي.

وسيذهب الجزء الأكبر من الاستثمارات إلى خزينة إنفيديا. ولعل اللافت في ما يتعلق بالتطورات الأخيرة هو أن ديب سيك، باعتبارها شركة صينية لا يمكنها الوصول بسهولة إلى الرقائق المتطورة للشركة الأميركية بموجب القيود التي تفرضها واشنطن على تصديرها.

ويشتبه إيلون ماسك الذي استثمر بشكل كبير في شرائح إنفيديا الإلكترونية من أجل شركته إكس أي.آي بأن تكون ديب سيك تمكنت من الوصول سرا إلى شرائح أتش – 100 المحظورة.

وصدر هذا الاتهام أيضا عن الرئيس التنفيذي لشركة سكيل أي.آي الناشئة في سيليكون فالي والمدعومة من أمازون وميتا.

لكن المستثمر جين جو سكوت المقيم في هونغ كونغ اعتبر على منصة إكس بأن هذا النوع من الاتهامات “يذكر برد فعل فريق الأطفال الأثرياء الذي خسر أمام فريق الأطفال الفقراء.”

وفي حين أكدت إنفيديا في بيان بأن تكنولوجيا ديب سيك “ممتثلة بالكامل لضوابط التصدير،” حذّر وزير العلوم الأسترالي إيد هاسيك من مخاوف مرتبطة بالخصوصية في ما يتعلق بالتطبيق الصيني المجاني، داعيا المستخدمين إلى التفكير مليا قبل تحميله.

وقال إن “هناك العديد من الأسئلة التي يتعين الإجابة عليها في أسرع وقت بشأن النوعية وتفضيلات المستهلكين والبيانات وإدارة الخصوصية.”

وأدى الضجيج حول الذكاء الاصطناعي إلى تدفق هائل من رأس المال إلى الأسهم، مما أدى إلى تضخيم التقييمات ورفع أسواق الأسهم إلى مستويات قياسية، مما أدى إلى زيادة بنحو 10 تريليون دولار في القيمة لشركات السبع الكبر منذ أن أطلقت تشات جي.بي.تي.

واقترض المستثمرون أيضا بشكل كبير لشراء أسهم التكنولوجيا باهظة الثمن هذه، ومع وجود نماذج تداول خوارزمية أكثر نشاطًا في السوق، فإن الخسائر كانت لتتفاقم، وفقًا لروب ألميدا، إستراتيجي الاستثمار العالمي ومدير المحفظة في شركة أم.أف.أس انترناشيونال.

وقال لرويترز “عندما تمر بأيام كهذه، خلف الكواليس، فإن ما قد يؤدي إلى تفاقم الأمر هو الرافعة المالية التي قد يتم التخلص منها ولا يتم أخذها في الاعتبار.”

وأضاف “لذا فإنك تجمع كل هذه الأشياء، فالشركات تحقق أرباحًا زائدة، وربما تكون سلسلة التوريد ممتلئة للغاية، والتقييمات باهظة الثمن، والرافعة المالية الضخمة المتراكمة في النظام وبيع الكثير من الروبوتات، وكل هذا يصبح واضحًا بعد وقوع الأمر.”

10