هجمات تركية شمال العراق وبغداد تحتج على "خرق السيادة"

تركيا تستمر في هجماتها بشمال العراق من دون حساب موقف بغداد ولا استئذانها، كما تفكر بتوسيع قواعدها العسكرية على الأراضي العراقية لمواجهة حزب العمال الكردستاني المحظور، في المقابل يكتفي المسؤولون العراقيون بالمتابعة وكأن الهجوم في مكان بعيد عنهم.
أنقرة - نفذت تركيا قصفا جويا على عدة مناطق في شمال العراق وسوريا ردا على هجمات قادت إلى مقتل تسعة جنود أتراك الجمعة، فيما اكتفى المسؤولون العراقيون بتصريحات باهتة تحتج على “خرق السيادة”. وعقدت تركيا اجتماعا أمنيا هاما، تحت إشراف الرئيس رجب طيب أردوغان، وصدر بيان في ختام الاجتماع يؤكد أن أنقرة “لن تسمح أبدا بإقامة ’منطقة إرهابية’ على حدودها الجنوبية تحت أيّ ذريعة أو لأيّ سبب”.
ويقول مراقبون إن تركيا ستستمر بتنفيذ هجماتها في شمال العراق مادام المسؤولون في بغداد يتجنبون انتقادها بشكل واضح ومطالبتها بالانسحاب. وقالت وزارة الدفاع التركية إن الهجمات التي نفذتها أدت أدى إلى “تحييد” 20 عضوا في حزب العمال الكردستاني المحظور وتدمير 29 هدفا.
وأفادت الوزارة في بيان على منصة إكس بأن الغارات الجوية قصفت أهدافا في مناطق هاكورك ومتينا وغارا وقنديل بشمال العراق. وأضافت أن الأهداف شملت كهوفا ومخابئ وملاجئ ومنشآت نفطية.
ونفذت تركيا أيضا توغلات عسكرية في سوريا مستهدفة مسلحي وحدات حماية الشعب الكردية، معتبرة إياها جناحا لحزب العمال الكردستاني. وذكرت الوزارة أن القوات التركية “حيدت” تسعة مسلحين أكراد في شمال سوريا. وتستخدم أنقرة عادة كلمة “تحييد” للإشارة إلى القتل.
وقالت الوزارة بعد الحادث إن تسعة جنود أتراك قُتلوا وإن أربعة آخرين أصيبوا في اشتباك وقع الجمعة مع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. ومساء الجمعة، حاول مهاجمون التسلل إلى قاعدة عسكرية في المنطقة الكردية شبه المستقلة بشمال العراق، مما أسفر عن مقتل 5 جنود. وتوفي 4 آخرون خلال وقت لاحق متأثرين بإصابات خطيرة.
وأعلن وزير الداخلية علي يرلي كايا أن الشرطة اعتقلت 113 شخصا يشتبه في أن لهم صلات بحزب العمال الكردستاني بعد مداهمات في 32 محافظة تركية. وتنفذ القوات التركية عملية عبر الحدود تسمى “المخلب – القفل” في العراق في إطار الهجوم الذي تشنه البلاد ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني. وأعرب وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عن تعازيه على منصة التواصل الاجتماعي إكس، وكتب “سنقاتل حتى النهاية ضد منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية داخل حدودنا وخارجها”.
وشدد بيان صادر عن دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، عقب الاجتماع الأمني الذي عقد في إسطنبول بمشاركة كبار المسؤولين، على مواصلة تركيا بكل حزم وتصميم مكافحة “التنظيم الإرهابي وداعميه في إطار إستراتيجية منع التهديدات ضدها والقضاء عليها في منبعها.
وقال إن “التنظيم الإرهابي الانفصالي (بي كي كي) الذي أوشك على الزوال داخل بلادنا تكبد خسائر فادحة نتيجة عملياتنا الناجحة خارج الحدود”. وأكد أن الهجمات الإرهابية المتزايدة الأخيرة ضد القوات التركية العاملة خارج الحدود هي “جزء خبيث من سيناريوهات تسمين التنظيم”. وأضاف “في إطار حقنا في الدفاع المشروع والاتفاقيات الثنائية، أينما وجد تهديد أو معسكر أو ملجأ أو تشكيل أو تجمع إرهابي، فإن أولويتنا هي تدميره بشكل دائم، بغض النظر عمن يقف وراءه”.
وتعهد أن تركيا تحاسب وستواصل محاسبة الأوغاد الانفصاليين الذين يخدمون أعداءها على كل قطرة دم أراقوها. وشدد على عزم أنقرة إحباط مكائد من يقومون بمهمة البيادق لعرقلة رؤية “قرن تركيا” والأطراف التي تتحكم بهم.
والسبت، عقد في مدينة إسطنبول اجتماع أمني برئاسة أردوغان، ومشاركة وزراء الخارجية هاكان فيدان والداخلية علي يرلي كايا، والدفاع يشار غولر. كما شارك فيه رئيس هيئة أركان الجيش متين غوراك، ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن، ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة فخرالدين ألطون، وكبير مستشاري الرئيس للسياسات الخارجية والأمن، عاكف تشاغطاي قليج.
من الجانب العراقي، تباحث رئيس الحكومة محمد شياع السوداني مع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني السبت “في مجمل القضايا والملفات على المستوى الوطني، وآخر التطورات الأمنية والسياسية في المنطقة، والتأكيد على مواقف العراق الثابتة والمبدئية إزاء التحديات التي تواجه استدامة الاستقرار، والحرص المطلق على سيادة العراق تحت مختلف الظروف”، من دون أي إشارة إلى تركيا أو إبداء موقف علني لخرقها سيادة العراق.
◙ تركيا ستستمر بتنفيذ هجماتها في شمال العراق مادام المسؤولون في بغداد يتجنبون انتقادها بشكل واضح ومطالبتها بالانسحاب
وأكد الرئيس العراقي عبداللطيف جمال رشيد السبت أن المنطقة تشهد حاليا الكثير من التحديات التي تهدد الأمن والسلام، مشيرا إلى موقف العراق ودوره في الحرص على الأمن والاستقرار وتغليب لغة الحوار وحسن التفاهم.
وجاء الهجوم بعد يومين من تصريحات لأردوغان قال فيها إن بلاده ستعزز القواعد التي أقامتها حديثا في شمال العراق خلال الأشهر المقبلة. وتقيم تركيا التي تخوض حربا ضدّ حزب العمال الكردستاني منذ حوالي أربعة عقود، تلك القواعد على أراضي العراق دون تنسيق مع سلطاته التي دأبت على إدانة انتهاك سيادة البلاد، دون أن تتّخذ إجراءات عملية لمواجهتها.
وتنفذ القوات التركية بانتظام ضربات في العراق المجاور في إطار الهجوم الذي تشنه ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني. ومنذ عام 2019، تشن القوات التركية سلسلة عمليات في شمال العراق بعد إعلان أردوغان عن "مفهوم أمني جديد في مكافحة الإرهاب" وخطة "للقضاء على الإرهاب والإرهابيين في المصدر".
وتصنف تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزب العمال الكردستاني، الذي يطالب بالمزيد من الحقوق للأكراد وله تحصينات كبيرة في شمال العراق، جماعةً إرهابية. وبدأ الحزب في حمل السلاح ضد الدولة التركية عام 1984، وعلى مدى العقود الماضية يشن العديد من الهجمات التي تسقط قتلى في تركيا.