هجمات الحوثي تغذي عودة تضخم تكاليف الشحن البحري

تتصاعد التحذيرات من تأثيرات هجمات الحوثي على ممر التجارة في البحر الأحمر على ارتفاع تكاليف الشحن عالميا، والتي يرى خبراء أنها ستنعكس على تضخم أقساط التأمين وقد تزيد بشكل أكبر في حال استمرت الحرب في المنطقة لفترة أطول.
لندن – تسود خشية بين الأوساط التجارية العالمية من أن تؤدي الحرب في غزة إلى عودة تضخم تكاليف الملاحة البحرية والذي قد يشكل تهديدا للاقتصاد العالمي الذي يبحث عن نقطة ضوء في نفق الأزمات الجيوسياسية.
ويؤكد محللون أن أزمة قادمة من جنوب البحر الأحمر مصدرها جماعة الحوثي اليمنية تتجه نحو إقلاق الملاحة البحرية الإسرائيلية، التي تدخل اليوم شهرها الثالث في حربها على قطاع غزة.
وأصبحت السفن المملوكة بشكل كلي أو جزئي لإسرائيليين، أو تحمل بضائع قادمة أو مغادرة من وإلى إسرائيل، هدفا لجماعة الحوثي التي تمارس ضغوطا أمنية، في إطار ما تقول إنه تضامن مع قطاع غزة.
وتقول مصادر في صناعة التأمين إن سيطرة الحوثيين على سفينة شحن سيارات بالقرب من اليمن في أواخر الشهر الماضي سيرفع أقساط التأمين البحري في الشرق الأوسط خاصة بالنسبة إلى الناقلات المرتبطة بإسرائيل.
والسفينة التي صادرها الحوثيون مستأجرة لشركة أن.واي.كي اليابانية، وهي مملوكة لشركة راي كار كاريرز المدعومة من الملياردير الإسرائيلي أبراهام أونغار. والأحد الماضي، أعلنت جماعة الحوثي استهداف سفينتين إسرائيليتين بمضيق باب المندب في البحر الأحمر بصاروخ بحري وطائرة مسيّرة.
وذكرت وكالة ستاندرد آند بورز الأسبوع الماضي أن كلفة التأمين ارتفعت بمتوسط 13 في المئة بالنسبة إلى سفن الحاويات، وبزيادات متوقعة خلال الفترة المقبلة، على بقية أنواع السفن.
والجديد في ما يجري باليمن هو أسلوب الهجوم، حيث تم استخدام طائرة هليكوبتر لاختطاف السفينة؛ وبمرور الوقت، سيؤدي هذا إلى ارتفاع علاوات مخاطر الحرب بالنسبة إلى السفن التابعة لإسرائيل.
وبحسب وكالة التصنيف الائتماني فإن تتبع الملكية الإسرائيلية مهمة مرهقة، لأن الأصول البحرية غالبا ما تحمل أعلاما ومالكا مسجلا ومستثمرين وممولين ومستأجرين لفترة زمنية من بلدان مختلفة.
وأدرجت سوق التأمين في لندن الجمعة الماضي جنوب البحر الأحمر ضمن المناطق عالية المخاطر. وقالت في بيان إنه “يتعين على السفن إخطار شركات التأمين الخاصة بها عند الإبحار عبر هذه المناطق، وكذلك دفع قسط إضافي”.
ووفق بيانات سوق التأمين في لندن، ارتفعت أقساط التأمين ضد مخاطر الحرب من 0.03 في المئة إلى 0.1 في المئة من قيمة السفينة، وهذا يترجم إلى عشرات الآلاف من الدولارات كتكاليف إضافية لرحلة تستغرق سبعة أيام.
وأمام هذه المخاطر، فإن التصاعد في أقساط التأمين سيساهم في ارتفاع التكاليف، خاصة للجهات المستوردة للسلع، ما قد يعني أثرا سلبيا في إذكاء التضخم.
وبحسب بيانات منظمة التجارة العالمية، يمر عبر مضيق باب المندب حوالي 10 في المئة من تدفقات النفط العالمية المنقولة بحرا.
وترى ستاندرد آند بورز أنه في حال استمرار هذه الهجمات من الحوثيين، أو اتساع مسرح الحرب، سيتم فرض أقساط أعلى على السفن المرتبطة بإسرائيل، وهو ما يعني أزمة أكبر من حجم تجارة تل أبيب البحرية عبر باب المندب.
وفي الوقت الحالي، تفرض ناقلات النفط طويلة المدى التي تحمل قرابة 90 ألف طن من البضائع رسوما أمنية إضافية قدرها 150 ألف دولار لكل رحلة عند نقل المنتجات المكررة من الشرق الأوسط والهند إلى أفريقيا، وفق ستاندرد آند بورز.
وتشكل التجارة من مضيق باب المندب ما نسبته 12 في المئة من حجم التجارة العالمية، وفق منظمة التجارة العالمية عن عام 2022. ويتعامل البحر الأحمر وقناة السويس مع بضائع بقيمة مليارات الدولارات يوميا، من النفط إلى القمح إلى أجهزة التلفزيون وغيرها.
ونسبت وكالة بلومبرغ إلى ديسبينا كالفا المديرة العامة في الفرع اليوناني لشركة آريس مارين للتأمين قولها إن “بعض شركات التأمين ضد مخاطر الحرب بصدد تطبيق أقساط إضافية أعلى على المنطقة عالية المخاطر المدرجة بالفعل في البحر الأحمر”.
0.1
في المئة ارتفاع قسط التأمين من قيمة السفينة حاليا قياسا بنحو 0.03 في المئة قبل شهرين
كما نقلت بلومبرغ عن وسيط التأمين البحري غالاغر، الأسبوع الماضي، إعلانه إلغاء عدد من وثائق التأمين لتغطية مخاطر الحرب نتيجة للصراع بين إسرائيل وحماس، ما يعني إلغاء الرحلات المقررة.
وتظهر بيانات صادرة عن قناة السويس أن أرقام نوفمبر الماضي عكست نموا في عدد السفن والعائدات، مقارنة مع الفترة المقابلة من العام الماضي، وهو ما يؤشر بطريقة أو بأخرى أن حركة الملاحة من وإلى إسرائيل ضئيلة.
وكشفت بيانات هيئة القناة، التي صدرت الأسبوع الماضي، عن أرقام قياسية جديدة على صعيد أعداد السفن والحمولات الصافية والعائدات المحققة خلال نوفمبر الماضي. وسجلت القناة عبور 2264 سفينة من الاتجاهين في نوفمبر الماضي، مقابل عبور 2171 سفينة خلال الشهر نفسه من العام الماضي، بنسبة زيادة 4.3 في المئة.
كما بلغ إجمالي الحمولات الصافية 135.5 مليون طن مقابل 125.2 مليون طن خلال نوفمبر من العام الماضي بفارق يبلغ نحو 10.3 مليون طن بنسبة زيادة قدرها 8.2 في المئة. ونمت إيرادات قناة السويس خلال نوفمبر الماضي بنسبة 20.3 في المئة إلى 854.7 مليون دولار مقابل 710.3 ملايين دولار قبل عام.
وباتت آفاق قطاع الشحن قاتمة إلى حد بعيد بالأشهر القليلة الماضية، إذ أبلغت بعض أكبر شركات نقل الحاويات بما في ذلك ميرسك، أكبر شركة شحن في العالم وهابانغ – لويد وسي.أم.أي – سي.جي.أم عن انخفاضات كبيرة في أرباح الربع الثالث من 2023. ووضعت معظم الشركات خططاً لخفض التكاليف. وأكد بعض قادة الصناعة أنهم يخشون أن يمتد هذا الانخفاض إلى العام المقبل.
وحذّر الملياردير رودولف سعادة، رئيس سي.أم.أي ثالث أكبر شركة لنقل الحاويات في العالم، ومقرها مرسيليا، من أن صناعة الشحن البحري ستمر بفترة متقلبة مع دخول السفن الجديدة التي طُلبت خلال طفرة الشحن إبان الوباء الخدمة في 2024.
وقال في مقابلة مع بلومبرغ خلال حدث اقتصادي أقيم الشهر الماضي “يكمن التحدي بقطاعنا في دخول عدد من سفن الحاويات السوق بدءاً من العام المقبل، وهو ما قد يُحدث خللاً بين العرض والطلب”. وأضاف “نتوقع نمو التجارة بين 2 و3 في المئة العام المقبل”.