هجرة الممثلين رحلة معقدة للبحث عن الذات

موهبة الفنان إياد نصار فرضت نفسها على الساحة الفنية المصرية، ونجح في الاندماج بشكل سريع في الوسط الفني المصري ليشعر المشاهد بالألفة تجاهه.
الأربعاء 2018/09/26
مصر نقلت إياد نصار إلى الأدوار الاجتماعية

يُقدّم الفنان المهاجر صورة مختلفة لنوعية الممثلين الباحثين عن عرض مواهبهم أمام جمهور أكبر، وتبقى معضلة الاندماج مع المجتمع الجديد التحدي الأصعب، وهو ما يراه الفنان الأردني إياد نصار عملية معقدة، لكن من الضروري، إذا أراد الممثل إثبات ذاته والتطور في أدائه أن يتجاوز هذه النوعية من العقبات.

إنجي سمير-  أصبحت مصر الملاذ العربي الرئيسي تقريبا، بعد تراجع لبنان وسوريا، للفنانين الشباب الباحثين عن النجاح، ويجد الممثلون القادمون من دول مختلفة قدرة سريعة على الاندماج مع ثقافة وطبيعة ولهجة الدولة المهاجر إليها، لذلك يبقى الفنان المهاجر حائرا بين وطنه الأصلي وبلده الجديد الذي ينبت فيه فنه.

ويمثل الفنان الأردني إياد نصار، أحد تلك النماذج التي قدّمت حالة فريدة في التمثيل ونجح خلال فترة وجيزة من أن يثبت قدرته الكبيرة على منافسة كبار النجوم، مستعينا بأسلوبه السهل الممتنع في الأداء، ويبدو كأنه عازف لا تمل أنامله العزف لاستمتاعه بتصفيق الجمهور، لينتقل سريعا من دور فني لآخر أكثر نضجا.

دور تاريخي لمصر

فرضت موهبة نصار نفسها على الساحة الفنية المصرية، لكنها لم تكن كافية لولوجه داخل المجتمع وفهم طبيعته وأطروحاته، ويقول في حوار مع “العرب” “الفنان المهاجر ليس ظاهرة، بل أمر متعارف عليه في العالم العربي منذ عقود، وطالما انتقل ممثلون من كل الدول بما في ذلك ممثلون مصريون لعرض فنهم أمام جماهير عربية متنوعة، فهي ضرورة أحيانا لتحقيق الذات وعرض ما يقدّمه الممثل أمام جمهور أوسع ومتذوّق للمواهب”.

ويضيف “تتميز مصر بكونها الدولة العربية الأكبر والأكثر رحابة في استيعاب جميع الجنسيات وتقديم العون لهم من أجل عرض فنونهم، وهو دور تاريخي، يصعد أو يتراجع وفقا للمقتضيات السياسية والفنية في كل مرحلة”.

ويشير إلى أنه منذ قدومه إلى القاهرة وجد العشرات من الممثلين العرب الذين عملوا بكل حرية ودون تمييز، ولم يكن هناك شكل من أشكال العنصرية لصالح أصحاب البلد، وهو ما يفسر ازدياد أعداد الممثلين من الدول العربية إلى مصر. ونجح إياد نصار في الاندماج بشكل سريع في الوسط الفني المصري ليشعر المشاهد بالألفة تجاهه، خاصة أن ملامحه ولهجته تبدوان قريبة من ملامح ولهجة المصريين، ما ساعده في التنقل بين أكثر من عمل بسهولة بدأها مع فيلم “صرخة أنثى” مع الفنانة داليا البحيري عام 2007 لينطلق قطار أعماله ليصل إلى أكثر من خمسة عشر عملا فنيا بين السينما والدراما.

إياد نصار يؤكد أنه يحاول تقديم المشروعات التي تحمل بصمة وتوصل فكرة محددة، وتسلط الضوء على نقاط إنسانية معينة

ويُطرح اسم الفنان المصري الراحل عمر الشريف دائما كنموذج لفنان عربي تخطى حاجز المحلية ليقدّم أعمالا راسخة في السينما الأميركية والفرنسية والإيطالية، ويرى خبراء أن أداء وموهبة الشريف تغيرت وثقلت بعد سفره وتحصيله العديد من الخبرات والتطورات التي جعلت أعماله تعكس بريقا متميزا عن الكثير من زملاء جيله.

ويدعم نصار في حواره مع “العرب”، تلك الفكرة ويقول “هجرة الفنان لا تمثل فقط تحديا في الاندماج وفهم المجتمع الجديد، لكن التحدي الحقيقي في الاستفادة من التجربة بشكل كامل لينعكس ذلك في الأداء بصورة جيدة”.

ويمثل الاندماج العقبة الكبرى لدى أغلب الفنانين المهاجرين، لكن نصار يرى أن التشابه بين الدول العربية في الثقافة واللغة والدين واللون سهل ذلك، وجعل الأمر أشبه بساحة مفتوحة أمام الجميع للتنافس والتطور وتقديم أفضل ما لديهم.

ولم يكن طريق إياد نصار في مصر مفروشا بالورود، كما يقول، حيث واجهته انتقادات في بداية مشواره الفني ارتبطت بلهجته الأردنية، وبرز ذلك بشكل ملفت في أدائه لشخصية حسن البنا، مرشد الإخوان المسلمين، في مسلسل “الجماعة” عام 2010، وعدم تمكنه من اللهجة المصرية في ذلك الوقت أفقد دوره قدرا من جاذبيته.

طريق وعر

يؤكد إياد نصار لـ”العرب”، أن أزمة اللكنة كانت واحدة من أكثر التحديات التي واجهت حضوره في القاهرة، فمارس اللهجة المصرية حتى في حياته العادية، كي يتأقلم معها بشكل كبير، خاصة في ظل وجوده الدائم في مصر، نظرا لارتباطه بالعديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية، وهو ما ساعده في إتقان اللهجة في حياته العادية، الأمر الذي تسبب في شعور أهل بلده في الأردن أنه مصري الجنسية، بعدما اكتسب اللهجة العامية الأصلية عبر احتكاكه بالجمهور المصري في الشارع.

وعلى الرغم من أن مصر من الدول الحاضنة للكثير من المواهب العربية تاريخيا، إلاّ أن الفنانين يبدون امتعاضا من استقطاب النجوم العرب للحصول على فُرصهم الكاملة كي يتصدروا بطولات الأعمال.

ويشير إياد نصار إلى أنه لا يفضل النظر إلى الأمور بهذه الطريقة، لأن صناع العمل، وتحديدا الجهة المنتجة، هي المسؤولة عن مثل هذه الاختيارات، فضلا عن اعتذاره عن العديد من الأدوار ليحل محله فنان مصري والعكس، وفي النهاية الجميع يخضع لقانون العرض والطلب، ويقتصر دوره على التركيز في الشخصية التي يقدّمها والنقاش مع صناع العمل للوصول إلى الشكل الصحيح الذي يخرج به للجمهور عبر الشاشة.

الممثل الأردني يرى أن التشابه بين الدول العربية في الثقافة واللغة والدين يسهل عملية الاندماج لكل صاحب موهبة حقيقية

وما إن وطأت أقدام إياد نصار مصر، إلاّ وبدأ في التغير التدريجي لنوعية أدواره ليتحوّل من أعمال تاريخية مثل “الأمين والمأمون” و”الحجاج” و”أبوجعفر المنصور” و”عرس الصقر”، إلى نوعية الأعمال الاجتماعية مثل “صرخة أنثى”، و”سمارة” عام 2008، قبل أن يعود بعد سنوات مع سيناريو الكاتب وحيد حامد في مسلسل “الجماعة” بدور حسن البنا، ويستكمل سلسلة نجاحاته في مصر.

وربما يكون أحد أسرار النجاح اهتمامه الشديد بتفاصيل الدور على حساب المساحة أو الاسم على “التتر”، وهو ما بدا واضحا من خلال تنوع أدوراه بين دور البطولة في أفلام “مصور ليل” و”أدرينالين” و”حارة اليهود”، قبل أن يعود للدور الثاني في أعمال أخرى، أبرزها “حجر جهنم” و”سر علني”.

ويؤكد نصار لـ”العرب” أنه لا ينظر لهذه المسألة بقدر بحثه عن الدور الأنسب، في السينما والتلفزيون، وكل منهما له معايير مختلفة، ضاربا المثل بفيلمه الأخير “تراب الماس”، الذي يعرض حاليا بدور العرض، فعند موافقته عليه لم ينظر لمساحة الدور بقدر النظر لأهميته في العمل الفني.

وكشف لـ”العرب”، أنه وضع خطة عمل متكاملة لنفسه في عام 2019 في السينما والتلفزيون، ويستعد لمسلسل جديد في السباق الرمضاني المقبل، بالإضافة إلى ترشيحه لفيلم “الممر” بطولة أحمد عز ويجسد فيه شخصية ضابط إسرائيلي، لكنه ما زال يدرس الدور ولم يحّدد موقفه النهائي منه بعد.

16