هاني شنودة لـ"العرب": موسيقى البهجة ستبقى والأصل في الحياة السعادة

الحب والحرية والشرف، معان كبرى لها دوائر أشمل مما يتم النظر به إليها، ويمكن التعبير عنها بأغنيات تظل خالدة وترتبط بوجدان الناس. ولكل عصر توزيعاته الموسيقية الخاصة به أما الألحان فهي باقية عبر الزمن. هذا ما يؤكده الموسيقار المصري هاني شنودة الذي جمعنا به حوار خاص لصحيفة “العرب”.
القاهرة - يعتبر مؤرخو ونقاد الموسيقى اسم الفنان المصري هاني شنودة علامة فارقة في تاريخ الموسيقى والغناء بمصر، فهو الرجل الذي بدأ طريق التجديد والتحول من عصر إلى عصر منتقلا بجرأة وشجاعة من كلاسيكية الستينيات إلى تطور السبعينيات في القرن الماضي، ليس على مستوى الألحان والآلات فقط إنما فيما يرتبط باختيار الموضوعات والكلمات.
شهدت الشهور الماضية ثلاثة أحداث فارقة في حياة الموسيقار المصري هاني شنودة (81 عاما)، إذ تم تكريمه العام الماضي في السعودية بدعوة من المستشار تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه السعودية، ثم حصل على جائزة الدولة التقديرية في مصر.
وقبل أشهر تم عرض مسلسل “حالة خاصة” الذي أعد له شنودة الموسيقى التصويرية، وأعاد المسلسل تقديم أغان قديمة لفرقة “المصريين”، ما لفت أنظار الأجيال الجديدة لها فتفاعلت بإيجابية معها.
عودة مفاجئة
أعلن هاني شنودة بشكل مفاجئ أخيرا عن عودة نشاط فرقة “المصريين” بوجوه جديدة، بعد رحيل بعض أعضائها القدامى واعتزال البعض الآخر.
وكشف الموسيقار المصري في حديث لـ”العرب” عن ظروف وخلفيات قراره بإعادة إحياء الفرقة وأهدافها وخططه الفنية الفترة المقبلة، قائلا: “أولى خيوط القصة بدأت عندما تلقيت اتصالا من الشركة المنتجة لمسلسل ‘حالة خاصة’ للقيام بإعداد الموسيقى التصويرية الخاصة به، وعرفت أن الشركة قامت بشراء ست أغان من أعمال فرقة ‘المصريين’ لعرضها في المسلسل بتوزيعها السابق نفسه”.
وأوضح هاني شنودة أنه وجد جدية كبيرة من جانب كل القائمين على العمل الدرامي ومختلف عناصره، وأن الأغاني تم توظيفها بشكل جيد ومنضبط لخدمة الدراما ما شجعه على بدء العمل في الموسيقى التصويرية للمسلسل للتعبير عن حالة البطل المريض بالتوحد.
وتم عرض مسلسل “حالة خاصة” على منصة “واتش إت” المصرية في يناير الماضي، بطولة طه دسوقي وغادة عادل وهاجر السراج وتأليف مهاب طارق وإخراج عبدالعزيز النجار، ولاقى تفاعلا جماهيريا ونقديا كبيرين.
وفوجئ الموسيقار شنودة برد الفعل الإيجابي من جانب المشاهدين بعد عرض المسلسل والاحتفاء بالأغاني القديمة لفرقته، مع أن نشاطها توقف منذ حوالي خمسة وأربعين عاما.
ولاحظ أن شبابا في عمر 15 و16 عاما لا تعرف شيئا عن فرقته الموسيقية، رغم أن الأغنيات التي استمعوا لها في العمل نالت إعجابهم وحصد بعضها أرقام مشاهدات واستماع كبيرة، كما أوجدت إعادة إذاعة هذه الأغنيات حالة من الحنين إلى الماضي “النوستالجيا” لدى الأجيال الأكبر في السن.
وأنشأ هاني شنودة فرقة “المصريين” عام 1977، وتخصصت في الأغاني الاجتماعية التي جذبت أسماع وانتباه الشعب المصري بمختلف فئاته لأنها ناقشت بلطف وخفة موضوعات ترتبط بالحياة الواقعية، وعرف الناس أسماء أعضاء الفرقة وهم: إيمان يونس وتحسين يلمظ وممدوح قاسم ومنى عزيز، لكن نشاطها توقف بعد ذلك.
الحرية والصراع الأزلي
الموسيقار المصري يرى أن الأغنية الاجتماعية هي الأكثر بقاء وديمومة، وتعبر أيضا عن الحب بشكله الحقيقي
فكر هاني شنودة وقال لنفسه إن الوقت قد حان لإحياء فرقة المصريين ووقع اختياره على أعضائها، وهم: منى العطار وتينا عدلي وسيف خالد، وتم تقديم حفل بالفعل حقق نجاحا وأسعد الحاضرين.
يسمي شنودة مقطوعاته الموسيقية دوما باسم “لونجا” مضافا إلى السنة التي تم تأليفها فيها، فلديه “لونجا 79” وهي الموسيقى التي أُخذ منها مقدمة برنامج رياضي شهير في الثمانينيات بمصر حمل اسم “الكاميرا في الملعب”، وكان يقدمه الإعلامي حازم الشناوي والد المخرج كريم الشناوي حاليا، و”لونجا 85” التي استخدمت في مقدمة مسلسل “حالة خاصة”، بالإضافة إلى مقطوعات أخرى له بالاسم نفسه.
وأكد في حديثه لـ “العرب” أن الفرقة بشكلها الجديد سوف تستخدم في أغانيها وحفلاتها المقبلة، موسيقى “لونجا 2019″، كما سيتم تضفير أشياء من الأغاني القديمة مع موسيقى “لونجا” جديدة لعمل مزج بين القديم والجديد، مثل أغنية جديدة سيتم تقديمها باسم “بصوتي أناديك”.
يعتبر هاني شنودة أن هناك أغاني قديمة له لا يمكنه نسيانها أو تجاهلها في الأعمال المقبلة للفرقة لصلاحيتها لكل زمان ومكان، مثل أغنية “هزني”، وأغنية “حرية” التي تعد عملا خالدا، يعبر عن صراع الإنسان مع من يريد التحكم فيه وهو صراع أزلي، فهي تحمل معاني حديثة للغاية، وعمرها أربعون عاما وتساءل كيف أتركها؟
تقول كلمات أغنية “حرية”:
“حرية حرية/ والدنيا حرية/ لا أتحكم في حبيبي ولا يتحكم فيا/ اخترتك على ذوقي وشوقي يا نقاوة عينيا/ من غير كرباج طاير فوقي يملي إرادته عليا/ حبيتك ولقيت عندك نفس الإحساس ليا/ خليها على طول حرية/ أنا أحب القمصان الصيفي/ ما تقوليش دي خفيفة/ وانت تحب المغنى الريفي/ ما أقولش دي سخيفة/ الأغلال اللي في إيدينا/ هي دي اللي مخيفة/ لو بتحبني فك إيديا/ حرية حرية”.
وأشار شنودة إلى أن هذه الأغنية نادت بالخلع (أي طلب المرأة الطلاق خلعا من الرجل) منذ عقود، من خلال آخر مقطع “كوبليه” فيها:
“أنا بديك الحق تسيبني/ وقت ما قلبك يسلا/ اديني الحرية أسيبك/ تلقى حبنا يغلى/ ما يهونش على حد يهده/ بعد ما شافه بيعلى/ الحرية مسؤولية/ حرية حرية/ والدنيا مسؤولية”.
وسألت “العرب” الموسيقار هاني شنودة عما إذا كانت فرقة المصريين بشكلها الجديد سوف تستمر في تقديم الأغاني الاجتماعية كطابعها القديم، فأوضح أن ما تقدمه الفرقة هدفه إبراز الأمور الإيجابية الجيدة في الشعب المصري والتهكم على السلبيات والسلوكيات غير الجيدة.
وتابع: “الاتجاه العام للفرقة هو الأغاني الاجتماعية، فنحن لا نتخيل أشياء ولا نقول مثلا في أغانينا: شايفة القمر، معتبرا أن مثل هذه الأمور ليست موضوع الفرقة، موضوعنا الحقيقة والجمال وكيف نجعل الحقيقة جميلة”.
وكشف الموسيقار المصري في حواره مع “العرب” عن وجود موضوعات مهمة سيتم التعبير عنها بالغناء مثل الشرف، قائلا: “الشرف له دوائر كثيرة وكبيرة للغاية، وليس مجرد العفة الجنسية، فغياب هذه العفة أمر مكروه لأن المتزوج مثلا عندما يفعل هذا يخون شخصا آخر، لكن غياب الشرف يشمل أيضا أشياء أخرى كأن أعطيك موعدا ثم أخلفه ولا أعتذر، وأن أستدين منك مبلغا ولا أقوم برده، وكل هذه الأمور سوف يتم تقديمها في أغنية جديدة”.
وألحان الأغاني الجديدة بالطبع لهاني شنودة، لكنه سيقدمها بتوزيعات موسيقية أقرب ما تكون لما يقدم حاليا من فن، فهو يرى أن كل عصر له طريقة في التوزيع وليس اللحن، والألحان تبقى عبر الزمن، والدليل أن أغنية مثل “ماشية السنيورة” تحقق مشاهدات مرتفعة وعمرها يصل لنحو 45 عاما.
نحن نقدر رحلتك

قدم الموسيقار هاني شنودة على مر تاريخه عددا كبيرا من الأغاني المتنوعة، بينها الرومانسي الحالم، مثل “أنا باعشق البحر” للفنانة المصرية نجاة، فضلا عن الموسيقى التصويرية لأفلام منها “لا عزاء للسيدات” للفنانة الراحلة فاتن حمامة “والمشبوه” و”شمس الزناتي” و”عصابة حمادة وتوتو” للفنان عادل إمام، و”غريب في بيتي” للفنانين الراحلين نور الشريف وسعاد حسني.
ويرى أن الأغنية الاجتماعية هي الأكثر بقاء وديمومة، وتعبر أيضا عن الحب بشكله الحقيقي قائلا: “إننا قصرنا الحب على العلاقة بين الرجل والمرأة، لكن هناك حب الأم والإخوة والشعب والبلد والطبيعة والبحر”.
وصرح المستشار تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه السعودية في لقائه الأخير مع الإعلامي المصري عمرو أديب بأن هاني شنودة صنع في موسيقى فيلم “شمس الزناتي” – وهو من الأعمال التي سيعاد تقديمها ويلعب بطولته محمد عادل إمام – ثيمة موسيقية جعلت الناس تحفظها بعد مرور سنين طويلة.
وشمس الزناتي هو فيلم مصري عرض عام 1991، بطولة عادل إمام ومحمود حميدة وسوسن بدر ومحمود الجندي وأحمد ماهر ومصطفى متولي وعلي عبدالرحيم وعبدالله محمود وإبراهيم نصر، ومن إخراج سمير سيف.
ويوافق الموسيقار هاني شنودة على الرأي القائل بأنه تلقى دفعة معنوية كبيرة قادته إلى التفكير في إحياء نشاط فرقته، بعد تكريمه العام الماضي في الرياض، بحضور كبار النجوم الذين اكتشفهم أو شارك في صنع نجاحهم، مثل عمرو دياب ومحمد منير، لكنه يحرص على الاستدراك، موضحا: “صحيح، لكنني قلت أيضا وقتها إنني يمكن تكريمي في أي بلد من بلدان العالم، وأسعد للغاية بهذا، لكن اسم هاني شنودة سيظل صنع في مصر”.
وأضاف مذكرا بالتأثير المعنوي الكبير أيضا لحصوله على جائزة الدولة التقديرية في مصر بعدها. ولمسمى “جائزة الدولة” عنده معنى شخصي، باعتباره تكريما من الدولة بكل ما تعنيه الكلمة، أي من الحكومة والمؤسسات والشعب، ونهر النيل، وأبوالهول، والأهرامات، حيث شعر بأن كل هؤلاء يقولون له باختصار “نحن نقدر رحلتك”.
وأكد هاني شنودة لـ”العرب” أنه حصل بالفعل على القيمة المالية لجائزة الدولة التقديرية، ولم يحصل حتى الآن على ميدالية الجائزة والشهادة الخاصة بها، ويعدان أهم من القيمة المالية بالنسبة إليه”.
وقال: “أتمنى الحصول عليهما قريبا، حتى أرتدي الميدالية في أول حفلة أقيمها، وأوجه رسالة للشباب من خلالها وهي: لا تيأسوا.. اتقنوا عملكم واستمروا في رحلتكم.. بلدنا لا تنسى أحدا”.
والموسيقار المصري هاني شنودة، فنان مبهج وإنسان مبتهج، تعبر موسيقاه عن شخصيته، نقل من خلالها عبر السنين صفاء وجمال نفسه لكن الحزن أيضا لصيق بالبشر في كل عصر، لذا فإن التعبير بالألحان عن آلام الإنسان يضمن لها الخلود أكثر، وليس موسيقى البهجة والفرح.
ويختلف الرجل مع هذه الرؤية، حيث ختم حديثه لـ “العرب” قائلا: “رأيي أن السعادة هي ما يبقى وليس الحزن، فالأصل في الحياة هو السعادة، أما الحزن مؤقت وعارض”.