هاري والعربي المسحور

تحول السحر والشعوذة في مواقع التواصل الاجتماعي إلى شيء يمكن أن يستمتع الناس بالترويج له على نطاق واسع، وحتى لو أدركوا أنه نوع من الكذب الخرافي.
الجمعة 2023/01/13
خانها ذراعها قالت مسحورة

سألني قريب لي عندما زرت تونس مؤخرا، عن مدى لجوء الناس إلى السحر والشعوذة في المجتمع البريطاني الذي أعيش فيه، وقد أثار فيّ سؤاله الكثير من الحيرة عن مدى انتشار “لغة السحر” أو انحسار “جين الشعوذة” بين الناس في المجتمعات الغربية، خصوصا أنه لم يسبق لي أن خضت في حديث من هذا القبيل مع بعض الأصدقاء الإنجليز الذين أعرفهم، كما لم يسبق لأحدهم أن قال عن نفسه إنه مسحور أو إنه سيلجأ إلى أحد السحرة ليفك عقدته التي تسبب له فيها فلان أو علان.

لم يكد قريبي ينهي حديثه، حتى قاطعته زوجته لتقول إنها “مسحورة”، وإن من سحرها جعلها تعاني من اعتلال صحي ونفسي، وهي تؤمن إيمانا قطعيا بأن هذا “السحر المعمول لها” حال حتى دون شرائها منزلا، رغم أنها وزوجها يحصلان على راتب جيد‎ من وظيفتيهما.

في الواقع، يؤمن الكثيرون بالسحر والشعوذة حتى في المجتمعات الغربية وإن كان ذلك بشكل أقل وغير علني، وقد يكون من المفاجئ أن يستعين دوق ساسكس الأمير هاري بامرأة أتاحت له الدخول في تواصل روحي مع والدته ديانا التي توفيت عام 1997 في حادث سيارة في باريس. الأمير هاري اعترف بشكل مفاجئ في مذكراته التي أثارت المزيد من الجدل قبل ظهور الكتاب، بأن تلك “العرافة” ساعدته على التواصل الروحي مع والدته المتوفاة، ومع أن هذا الكلام أثار تفاعلا في وسائل الإعلام البريطانية لكنني لم أقرأ لحد الآن من صدقه أو كذبه، العرافون وصلوا إلى بريطانيا، هذا يعني أنهم لا يستقرون في دولنا العربية وحدها.

شرائح كبيرة في المجتمع العربي متورطة في أعمال السحر، سواء كان من عامة الناس أو السياسيين والمشاهير، وتغلغلت الشعوذة في الثقافة الشعبية، وغُرست في النفوس، واكتسب العديد من المشعوذين شهرة أغدقت عليهم الأموال قبل المكانة الشعبية، بعد أن تورطت قنوات تلفزيونية في الدعاية لهم على منابرها، لتشويش معارف الناس ونشر القلق، من أجل توجيههم نحو أكثر حيل النصب والخداع، ويعد ذلك بمثابة صفقات تجارية غير مشروعة من أجل تحقيق مكاسب مادية، بذريعة برامج تلفزيونية.

كما تحول السحر والشعوذة في مواقع التواصل الاجتماعي إلى شيء يمكن أن يستمتع الناس بالترويج له على نطاق واسع، وحتى لو أدركوا أنه نوع من الكذب الخرافي، فإنه يترك لديهم تأثيرا ويسترعي اهتمامهم ويؤثر على مجريات حياتهم، وهذا النوع من الخداع يمكن أن يعطينا نظرة جديدة على نقاط القوة والضعف في العقلية العربية، عندما يتذرع الفاشلون والكسالى وغير الموهوبين بأنه هناك من سحرهم وأوصلهم إلى هذه الحال البائسة.

مثل هذا الأمر يختزله القول التونسي المأثور “خانها ذراعها قالت مسحورة”.

ليس من المرجح أن يختفي السحر والشعوذة في وقت قريب لأن معارف الناس وعقولهم تطورت بمرور الوقت وأصبحوا يعرفون بشكل أفضل الكيفية التي تجري بها مثل هذه الخرافات، وبما أنهم لن يتمكنوا يوماً من التحكم في حياتهم بشكل كامل فسيظلون يؤمنون بالخرافات أكثر من إيمانهم بالعلم.

18