هاجس منع التصعيد في المنطقة يرفع اهتمام السعودية بنجاح المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن

الرياض حثت الإيرانيين على المرونة إزاء ترامب وحذرتهم من مغبة فشل الحوار معه.
السبت 2025/05/31
خبايا الزيارة التاريخية تتكشف تباعا

اهتمام السعودية بإنجاح المفاوضات النووية بين إيران وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتحذيرها لطهران من خطورة فشل هذا المسار وانتكاسه جاءا انعكاسا لرغبة سعودية قوية في بسط الاستقرار الإقليمي اللازم لاستكمال برنامجها التنموي الطموح وامتدادا لجهود عملية بذلتها بالفعل لتجسيد ذلك المنظور على أرض الواقع.

الرياض- عكس تحذير وجهته القيادة السعودية لنظيرتها الإيرانية من خطر نشوب صراع مسلّح في المنطقة في حال فشل المسار التفاوضي الذي بدأ مع الولايات المتحدة بشأن البرنامج النووي الإيراني، مجدّدة المنظور السعودي القائم على بسط أكبر قدر ممكن من الاستقرار في المنطقة بما يهيئ الأرضية لتنفيذ البرنامج التنموي الضخم للمملكة والذي يتطلب هدوءا فريدا شرعت الرياض بالفعل في العمل على تحقيقه من خلال تصفير المشاكل مع مختلف خصومها بدءا بتركيا ووصولا إلى إيران نفسها وذراعها في اليمن جماعة الحوثي التي أبدت الرياض حرصا وإصرارا على دفعها للدخول في حلّ سلمي للصراع اليمني.

وحمل وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان الشهر الماضي رسالة صريحة للمسؤولين الإيرانيين في طهران مفادها أن يقبلوا عرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتفاوض بجدية على اتفاق نووي لأنه يمثل السبيل لتجنب خطر الحرب مع إسرائيل.

ووفقا لمصدرين خليجيين مقربين من الدوائر الحكومية ومسؤولين إيرانيين أوفد العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز ابنه الأمير خالد لتحذير الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي.

مهند حاج علي كارنيغي: ضعف إيران منح السعودية فرصة استخدام نفوذها الدبلوماسي

وذكرت المصادر أن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ورئيس أركان القوات المسلحة محمد باقري ووزير الخارجية عباس عراقجي حضروا الاجتماع المغلق الذي عقد يوم 17 أبريل في المجمع الرئاسي بطهران.

ورغم أن وسائل الإعلام غطت زيارة الأمير خالد لطهران، إلا أن مضمون رسالة الملك سلمان السرية لم يعلن عنها من قبل.

وأفادت المصادر الأربعة بأن الأمير خالد الذي كان سفير السعودية في واشنطن خلال ولاية ترامب الأولى، حذر المسؤولين الإيرانيين من أن صبر الرئيس الأميركي لا يدوم كثيرا خلال المفاوضات المطولة.

وأعلن ترامب بشكل مفاجئ قبل ذلك بحوالي أسبوع عن إجراء محادثات مباشرة مع إيران بهدف كبح برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها. وأعلن ذلك في حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي سافر إلى واشنطن أملا في الحصول على دعمها في شن هجمات على المواقع النووية الإيرانية.

وقالت المصادر الأربعة إن الأمير خالد أبلغ مجموعة من كبار المسؤولين الإيرانيين بأن فريق ترامب يريد التوصل بسرعة إلى اتفاق، وأن نافذة الدبلوماسية ستغلق سريعا.

وذكر المصدران الخليجيان أن وزير الدفاع السعودي قال إن من الأفضل التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بدلا من مواجهة احتمال التعرض لهجوم إسرائيلي إذا انهارت المحادثات.

وقال المصدران الخليجيان ودبلوماسي أجنبي رفيع المستوى مطلع على المناقشات إن الأمير خالد أكد أن المنطقة، التي مزقتها بالفعل الصراعات الأخيرة في غزة ولبنان، لا يمكنها تحمل تصعيد آخر للتوتر.

وكانت زيارة الأمير خالد، الشقيق الأصغر لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هي الأولى لعضو كبير في الأسرة الحاكمة السعودية إلى إيران منذ أكثر من عقدين.

وتتنافس الرياض وطهران على النفوذ في المنطقة منذ فترة طويلة وغالبا ما يدعمان أطرافا متضادة ومتنافسة، إلى أن ساعدت الصين في عام 2023 في تخفيف التوترات بينهما ليستأنفا العلاقات الدبلوماسية.

وعلى مدار العامين الماضيين، تعرض النفوذ الإقليمي لإيران إلى هزة كبيرة بفعل الضربات العسكرية القاسية التي وجهتها إسرائيل لحليفتيها حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس في غزة وجماعة حزب الله في لبنان، إلى جانب الإطاحة بحليفها المقرب الرئيس السوري السابق بشار الأسد. وفي الوقت نفسه، أثرت العقوبات الغربية بشدة على اقتصاد إيران المعتمد على النفط.

وقال مهند حاج علي الخبير في الشؤون الإيرانية بمركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت إن ضعف طهران منح السعودية الفرصة لممارسة نفوذها الدبلوماسي سعيا لتجنب صراع إقليمي.

◄ رغم أن وسائل الإعلام غطت زيارة الأمير خالد لطهران، إلا أن مضمون رسالة الملك سلمان السرية لم يعلن عنها من قبل

وأضاف لوكالة رويترز “إنها تريد تجنب الحرب لأن الحرب والمواجهة مع إيران ستكون لهما آثار سلبية عليها وعلى رؤيتها الاقتصادية وطموحاتها.”

وقالت المصادر الأربعة إن بزشكيان رد أثناء الاجتماع بأن إيران تريد اتفاقا لتخفيف الضغوط الاقتصادية من خلال رفع العقوبات الغربية.

ومع ذلك، أضافت المصادر أن المسؤولين الإيرانيين عبروا عن قلقهم من نهج إدارة ترامب “الذي لا يمكن التنبؤ به” في المفاوضات، والذي تحول من السماح بتخصيب محدود لليورانيوم إلى المطالبة بتفكيك برنامج التخصيب بشكل كامل.

كما هدد ترامب أيضا باستخدام القوة العسكرية إذا أخفقت الدبلوماسية في كبح الطموحات النووية الإيرانية.

وقال أحد المصدرين الإيرانيين إن بزشكيان أكد حرص طهران على التوصل إلى اتفاق، لكنها في الوقت نفسه ليست مستعدة للتضحية ببرنامج التخصيب لمجرد أن ترامب يريد اتفاقا.

وخاضت المحادثات الجارية بين واشنطن وطهران بالفعل خمس جولات لحل أزمة برنامج إيران النووي المستمرة منذ عقود، لكن لا تزال هناك عدة عقبات قائمة بما في ذلك قضية التخصيب الرئيسية.

وذكرت رويترز الأربعاء نقلا عن مصدرين إيرانيين مطلعين على المحادثات أن طهران قد توقف تخصيب اليورانيوم مؤقتا إذا أفرجت الولايات المتحدة عن أموالها المجمدة واعترفت بحقها في تخصيب اليورانيوم للاستخدام المدني بموجب “اتفاق سياسي” قد يؤدي إلى اتفاق نووي أوسع نطاقا.

ونقلت وكالة أنباء فارس شبه الرسمية عن متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية نفيه للتقرير. وقالت كارولاين ليفيت المتحدثة باسم البيت الأبيض في بيان “أوضح الرئيس ترامب الأمر: إبرام اتفاق، أو مواجهة عواقب وخيمة، ومن الواضح أن العالم كله يأخذه على محمل الجد، كما ينبغي أن يفعل.”

◄ الأمير خالد حث إيران في الاجتماع على إعادة النظر في سياساتها الإقليمية

وقال ترامب الأربعاء إنه حذر نتنياهو من اتخاذ أي إجراءات يمكن أن تعطل المحادثات النووية مع إيران، وأضاف أن الجانبين “قريبان جدا من الحل الآن.”

وخلال زيارة ترامب لمنطقة الخليج التي استمرت أربعة أيام هذا الشهر رسخت السعودية مكانتها كأبرز عضو في محور جديد من الدول السنية في الشرق الأوسط يملأ الفراغ الذي خلفه تفكك المحور الإيراني.

وخلال الزيارة، توسط ولي العهد الأمير محمد في مصالحة بين ترامب وأحمد الشرع الرئيس السني الجديد لسوريا. وفي الوقت نفسه، تضاءل نفوذ طهران في المنطقة بسبب الانتكاسات العسكرية التي مُنيت بها إيران وحلفاؤها في “محور المقاومة” الذي يهيمن عليه الشيعة، والذي يضم حركة حماس الفلسطينية وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن وفصائل مسلحة عراقية.

وقالت المصادر إن الأمير خالد حث إيران في الاجتماع على إعادة النظر في سياساتها الإقليمية، مشيرا إلى أن مثل هذا التحول سيكون موضع ترحيب خاصة من الرياض.

ورغم أنه لم يلق باللوم مباشرة على إيران، عبر الوزير السعودي عن قلقه من احتمال تكرار هجمات بطائرات مسيرة على منشآت شركة أرامكو النفطية الحكومية في عام 2019، وهي الهجمات التي حملت المملكة مسؤوليتها لإيران وحلفائها الحوثيين، رغم نفي طهران.

وأوضح المصدران الإيرانيان أن المسؤولين الإيرانيين أكدوا أنه رغم أن طهران تتمتع ببعض النفوذ على الحوثيين، لكنها لا تتحكم بشكل كامل في تصرفاتهم.

وكانت الانفراجة في العلاقات السعودية-الإيرانية عام 2023 مدفوعة جزئيا بالطموحات الاقتصادية للمملكة ورغبة قيادتها في الاستقرار.

ويقول دبلوماسيون وخبراء إقليميون إن السعودية والقوى الإقليمية الأخرى لا ترى في إيران شريكا موثوقا في تحقيق السلام وتخشى أن تعرض تصرفاتها طموحاتها في التنمية الاقتصادية للخطر.

وناشد الأمير خالد الإيرانيين أن يتجنبوا هم وحلفاؤهم أي أفعال قد تستفز واشنطن، مؤكدا أن رد ترامب سيكون على الأرجح أكثر حدة من سلفيه جو بايدن وباراك أوباما.

وذكرت المصادر أن الأمير أكد لطهران أن الرياض لن تسمح للولايات المتحدة أو إسرائيل باستخدام أراضيها أو مجالها الجوي في أي عمل عسكري ضد إيران.

3