هاجس غذاء العراقيين يحتم الإسراع في تغيير النموذج الزراعي

منظمات أممية تحث السلطات العراقية على الإسراع في وضع جدار دفاع حقيقي لاجتياز محنة نقص الأمطار.
الثلاثاء 2022/10/18
اليوم حصدنا وغدا لا ندري

بغداد - تكشف أحدث التوقعات حول قضية الأمن الغذائي في العراق عن واقع صادم ينتظر مستقبل البلد نتيجة موجة الجفاف، والتي يرى خبراء أنها ستؤدي إلى قضم الآلاف من الهكتارات الصالحة للزراعة سنويا ما لم يتم التحرك على عجل لتفادي كارثة محتملة.

وحثت المنظمات الأممية السلطات العراقية على الإسراع في وضع جدار دفاع حقيقي لاجتياز محنة نقص الأمطار، وتأثيراتها الهائلة على قطاع الزراعة باعتباره مهما لسلة غذاء سكان البلد النفطي.

ويأتي ذلك بينما تتصاعد مطالبات أوساط الزراعة في البلاد يوما بعد يوم من أجل مراجعة النموذج المتبع من قبل السلطات في إدارة القطاع الذي يفترض أنه بمثابة العمود الفقري للاقتصاد إلى جانب قطاعات حيوية أخرى في مقدمتها السياحة.

ودعت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) وبرنامج الأغذية العالمي (دبيلو.أف.بي) في بيان مشترك الاثنين إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة الأسباب الجذرية لأزمة الغذاء العالمية حيث يواصل العالم مواجهة تحديات بلا حدود، بما في ذلك العراق.

علي رضا قريشي: المستقبل لن يكون واعدا ما لم يتأقلم العراق مع الجفاف
علي رضا قريشي: المستقبل لن يكون واعدا ما لم يتأقلم العراق مع الجفاف

ويواجه العراق أزمة جفاف كغيره من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جراء الاحتباس الحراري. وقد أدى ذلك إلى تقلص منسوب الأمطار مما انجر عنه انحسار مناسيب المياه بالأنهار الفرعية في محافظات البلد، الذي يعد من أكثر الدول تضررا من الجفاف.

وقال ممثل برنامج الأغذية العالمي في العراق علي رضا قريشي “لا يزال العراق من أكثر البلدان تأثرا على مستوى العالم بالآثار الضارة لتغير المناخ”.

وأوضح أنه ما لم يتم تنفيذ برامج للتخفيف والتكيف مع الوضع، قد لا يكون المستقبل واعدا للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة والفئات الهشة في العراق.

وأضاف “يجب اتخاذ إجراءات جادة على الفور من قبل الحكومة العراقية والمجتمع الدولي لاعتماد أنظمة غذائية ذكية مناخيا وبناء القدرة على الصمود على المدى الطويل من أجل ضمان أن العراق وسكانه قادرون على التكيف في هذه الأوقات العسيرة”.

وشهد العراق موجة جفاف متزايدة خلال العامين الماضيين، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض هطول الأمطار وهو الأدنى منذ أربعة عقود، بالإضافة إلى انخفاض تدفق المياه في دجلة والفرات والأنهار.

وأدى ذلك إلى تدهور الأراضي الصالحة للزراعة، وزيادة ملوحة المياه والتربة، ما يسهم في خسارة كبيرة لسبل العيش وزيادة الضغط على الميزانية العامة للدولة، التي تستورد الحبوب لضمان توافر الغذاء الكافي للسكان.

وتكافح السلطات العراقية من أجل الإسراع في وضع خطط استباقية لمواجهة هذه الأزمات، التي يبدو أنها مسألة شديدة التعقيد، وذلك استنادا على كلام المسؤولين الذين أكدوا مرارا أن قضية التصحر لا توجد لها معالجات حقيقية وجذرية حتى الآن.

وكانت بغداد قد وضعت هدفا في المخطط الخماسي للتنمية الذي ينتهي بنهاية 2022 يقضي بزيادة مساهمة القطاع الزراعي من نحو 5.2 في المئة إلى قرابة 8.4 في المئة مع إمكانية تخفيض الطلب السنوي على المياه بمقدار نصف مليار متر مكعب سنويا.

العراق شهد موجة جفاف متزايدة خلال العامين الماضيين، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض هطول الأمطار وهو الأدنى منذ أربعة عقود

وتأتي هذه المخاوف رغم أن العراق تمكن منذ العام 2019 من تحقيق الاكتفاء الذاتي في الكثير من المحاصيل الزراعية، وشجع ذلك الحكومة على إيقاف استيرادها من الدول المجاورة وخاصة إيران وتركيا.

ولكن الجفاف كان قاسيا وشديدا في الموسمين الماضي والحالي إلى حدّ غير مسبوق وخاصة بالنسبة إلى مزارعي نينوى، والتي تعدّ سلة خبز العراق كونها تضم مساحات زراعية شاسعة تصل إلى 6 ملايين دونم (600 ألف هكتار) وتعتمد الزراعة فيها على مياه الأمطار.

وإن كانت الأزمة تطال العراق بأكمله، فإن هذه المحافظة المشهورة بزراعة الحنطة كانت “الأكثر تضررا”، وفق تصريحات المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف.

وفي مايو الماضي قال عبدالوهاب الجرجري مدير شركة الحبوب الحكومية في نينوى لوكالة الصحافة الفرنسية “في 2020 أنتجت المحافظة 92 ألف طن من الحنطة محققة الاكتفاء الذاتي”، لكن “في 2021 انخفضت الكمية إلى 89 ألف طن لانحباس الأمطار”.

ويعمل قرابة 20 في المئة من القوى العاملة في العراق في القطاع الزراعي، وهو ثاني أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بعد قطاع النفط، ويمثل خمسة في المئة من إجمالي الناتج المحلي السنوي للبلاد.

Thumbnail

وجاء في بيان المنظمتين الأمميتين أن التنمية الزراعية “أمر بالغ الأهمية للسماح للعراق بتحقيق رؤيته لاقتصاد أكثر تنوعا، بالإضافة إلى توفير فرص العمل وتعزيز مشاركة القطاع الخاص”.

وكانت الأمم المتحدة قد أصدرت تقريرا في أوائل العام الماضي أشارت فيه إلى أن العراق العضو البارز في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) يفقد سنويا قرابة 100 ألف دونم من أراضيه الزراعية بسبب التصحر.

وتعليقا على التقرير، أشارت لجنة الزراعة بالبرلمان العراقي في صيف 2021 إلى أن “التصحر أدى لارتفاع درجات الحرارة لتصل الى معدلات عالية جدا، بسبب انعدام الغطاء النباتي والقضاء على المساحات الخضراء في البلد”.

ونسبت وكالة الأنباء العراقية الرسمية حينها إلى عضو اللجنة النائب السابق علي البديري قوله إن “هناك رؤى وأفكارا لإنشاء سدود من أجل الاستفادة من المياه في أوقات الوفرة واستثمارها في فترات الشحّ”.

وأكد أن “العراق مازال يستخدم الطرق البدائية في الري، ما يسبب هدرا مائيا كبيرا”.

10