هاجس تأمين الغذاء يدفع سوريا للتوسع في استزراع الأسماك

تدفع هواجس تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء سوريا إلى مطاردة الجدوى من وراء توسيع قطاع الاستزراع السمكي على الرغم من كثرة التحديات التي تواجهها من حيث توفير التمويلات والإمكانيات اللازمة لتجسيد طموحها بالنظر إلى الظروف الصعبة.
اللاذقية (سوريا) - اجتمعت محن الجفاف وتداعيات الحرب والظروف الاقتصادية العالمية المتقلبة لتبني جدارا أمام توفير الغذاء للسوريين الذين يكابدون لتوفير مستلزماتهم اليومية في ظل التضخم القياسي وتآكل رواتبهم بسبب ضعف قيمة الليرة.
ولئن كانت التقلبات المناخية أحد أسباب تأخر الأمطار مما أضر بشدة بالإنتاج الزراعي في السنوات الأخيرة، إلا أن الحكومة تفكر في تنمية الثروة البحرية عبر توسيع رقعة مزارع الأسماك في المناطق الخاضعة لسيطرتها حتى مع قلة الإمكانيات والتمويلات.
ولا يزال البلد يكافح للاستفادة من ثرواته البحرية من ساحله الذي يمتد من مدينة رأس البسيط شمالا بمحافظة اللاذقية حتى محافظة طرطوس جنوبا بطول يبلغ 180 كيلومترا، وهي مسافة قصيرة قياسا بدول أخرى في المنطقة العربية.
وكشفت وزارة الزراعة أنها تعتزم التوسع تدريجيا في مزارع تربية الأحياء البحرية لتلبية الطلب المتنامي وتوفيرها بشكل مستدام في الأسواق المحلية مع الحفاظ على المخزون السمكي في مواجهة آثار التغير المناخي المدمر.
وأكد وزير الزراعة محمد حسان قطنا خلال اجتماع الهيئة العامة للثروة السمكية الخميس الماضي على ضرورة وضع دليل شامل لآليات الترخيص وطرق التربية والأعلاف الواجب تقديمها وكل ما يتعلق بذلك سواء للمزارع الأسرية أو الأقفاص العائمة.
وبهدف تشجيع الاستثمار في هذا المجال، قامت دمشق في مارس من العام الماضي بإحداث الهيئة العامة للثروة السمكية ومقرها محافظة اللاذقية، والتي تهدف إلى تطوير وحماية الثروة السمكية والأحياء المائية وتنمية مواردها وتنظيم الاستثمار فيها.
ونسبت وكالة الأنباء السورية إلى قطنا قوله إن “الهيئة قامت بدراسات خاصة للمزارع البحرية والأقفاص العائمة، وهناك نتائج إيجابية كبيرة في استثمار المياه العذبة”.
وأشار إلى أن ثمة تعاونا مع الباحثين في جامعة تشرين وتتم دراسة الأعلاف المناسبة وإمكانية التفريخ لإنتاج الإصبعيات المناسبة للتربية في المياه المالحة.
وأكد قطنا أنه تم رصد الاعتمادات اللازمة لإقامة معمل متخصص في الأعلاف في موقع السن بمدينة جبلة شمال غرب البلاد، لكنه لم يكشف عن كلفة المشروع.
وتعاني صناعة الأسماك وتجارتها من الإهمال وعدم التطوير، ما انعكس على الكميات المتوفرة في الأسواق، وحصة الفرد الواحد من الأسماك، علاوة على عوامل جغرافية إدت إلى تراجع القطاع بشكل لافت.
ويؤكد المهتمون بالشأن السوري أن واقع إنتاج الأسماك في القطاع العام يساوي الصفر بعدما حل فرع للمؤسسة العامة للأسماك في 2005 والتي كانت تتولى الإشراف على عمليات الصيد البحري.
أما إنتاج القطاع التعاوني فيصل في المتوسط إلى 281 طنا من الصيد البحري، في حين يسير الإنتاج من استزراع الأسماك البحرية في القطاع العام والخاص والتعاوني بخطى متثاقلة.
وتشير إحصاءات الهيئة إلى أن الإنتاج الكلي للبلاد من الأسماك لا يتجاوز العشرة ملايين طن من مختلف المصادر البحرية والمياه العذبة من المزارع والبحيرات والسدود.
وقال وزير الزراعة إن “إنتاج سوريا من الأسماك ارتفع من 3 آلاف إلى 10 آلاف طن كما ارتفع إنتاج الإصبعيات من مليون ونصف المليون إلى خمسة ملايين إصبعية سمكية”.
ووفق المعطيات الرسمية، فإن مناطق سيطرة النظام السوري تضم قرابة 682 مزرعة سمكية، من بينها 402 مزارع غير مرخصة أغلبها في منطقة الغاب.
في المقابل، فإن الانتاج البحري يبلغ ثلاثة آلاف طن، ويملك الذين يمتهنون هذه الحرفة قرابة 1850 مركبا للصيد، منها سبعة مراكب دولية للصيد في المياه الإقليمية.
10
آلاف طن الحد الأقصى لإنتاج مزارع الأسماك بينما لا يتعدى الصيد البحري 3 آلاف طن
ولكي تعدل السوق تقوم دمشق بتوريد ما بين 13 و15 ألف طن سنويا من مختلف دول العالم، أي ما يعادل كمية الإنتاج المحلي البحري وفي المياه العذبة.
ويقول مدير عام الهيئة العامة للثروة السمكية عبداللطيف علي إنه تم التخطيط لإنتاج 6.5 مليون إصبعية هذا العام وهي قيد التنفيذ، كما تم استزراع حوالي مليوني إصبعية في السدود من الخطة المقررة باستزراع نحو 2.2 مليون إصبعية.
واستنادا إلى الأرقام المنشورة على المنصة الإلكترونية للهيئة يبلغ عدد المزارع الأسرية المنفذة هذا العام نحو 1341 مزرعة بعدد إصبعيات بلغ نحو 198.8 ألف إصبعية في محافظات حمص وحماة واللاذقية وطرطوس والقنيطرة وريف دمشق ودرعا وحلب.
في المقابل، فإن عدد الإصبعيات المستخدمة للتجارب البحثية يصل إلى 51 ألف إصبعية، كما بلغ عدد الإصبعيات المباعة للمربين من أصحاب المزارع الخاصة ومستثمري السدود قرابة 841 ألف إصبعية.
ولفت علي إلى أن فوائض الإنتاج السمكي يتم بيعها بنسبة 70 في المئة بأسواق القطاع الخاص، والباقي عبر منافذ الهيئة يقول إنه “بأسعار تنافسية”.
لكن ثمة تذمرا كبيرا بين الأوساط الشعبية ولاسيما سكان المناطق الساحلية بسبب ارتفاع الأسعار جراء التضخم الذي تتكتم السلطات عنه بشكل كامل منذ أكثر من ثلاث سنوات، حيث تظهر تقديرات أن حصة الفرد لا تتعدى الكيلوغرام كل عام.
وحتى تتم زيادة وتنويع الإنتاج أكد مدير الهيئة أنه تم في وقت سابق من هذا العام إدخال نوع جديد من الأسماك يطلق عليه اسم “الكارب الفضي والعاجي” إلى جانب أسماك المشط بأنواعها الأخرى.