هاجس الدولرة يطارد السلطات النقدية في مصر

البنك المركزي يواجه التضخم الجامح ويخشى تحويل المدخرات إلى عملات أجنبية.
الاثنين 2023/02/06
عذرا.. أين ستخزن دولاراتك؟

أخذت فرص شبح “الدولرة” تطل برأسها في مصر من جديد وتتحول إلى ظاهرة، وباتت تمثل هاجسا للسلطات النقدية مع إعلان البنوك إيقاف العمل بشهادات الادخار مرتفعة العائد لأجل عام واحد، ما يدفع البنك المركزي للبحث عن حلول عاجلة لمواجهة المشكلة قبل تفاقمها.

القاهرة- تلوح في أفق المشهد الاقتصادي المصري حالة من الغموض والارتباك بشأن سوق الصرف مع إلغاء الشهادات الادخارية ذات العائد الكبير مع نهاية يناير الماضي، خاصة أن سعر صرف الجنيه واصل الانخفاض أمام الدولار.

ويُنذر هذا الوضع بعودة ظهور قضية “الدولرة” والتي تبرز من خلال اتجاه المواطنين إلى تحويل مدخراتهم بالعملة المحلية إلى العملة الأميركية.

وأعلنت بنوك الأهلي ومصر والقاهرة انتهاء فرصة إتاحة شهادات الادخار التي تم طرحها بداية من يناير بعائد شهري 22.5 في المئة وسنوي 25 في المئة، بعد أن بلغت حصيلتها نحو نصف تريليون جنيه، وهي قيمة مرضية، لأن العائد ذو تكلفة مرتفعة، وكذلك الأرباح.

إيهاب سعيد: إيقاف شهادات الادخار ذات العائد المرتفع يُنذر بعودة الدولرة
إيهاب سعيد: إيقاف شهادات الادخار ذات العائد المرتفع يُنذر بعودة الدولرة

ويضر العائد الكبير بمناخ الاستثمار، ويتسبب في تحويل الكثير من الأموال المباشرة إليها، والرهان حاليا على تفادي الدولرة من قبل البنك المركزي يأتي من قدرته على توفير الدولارات المطلوبة لتخليص البضائع المكدسة في الموانئ، والقضاء تدريجيا على السوق السوداء.

وأكد مجلس الوزراء في ديسمبر الماضي الإفراج عن بضائع بنحو 7 مليارات دولار، ونحو 1.5 مليار دولار في يناير، وتصل القيمة الإجمالية لما تم الإفراج عنه 8.5 مليار دولار، من إجمالي بضائع قدرت بنحو 14.5 مليار دولار.

ويعد نجاح المركزي في تلبية احتياجات المستوردين والمستثمرين من العملة الصعبة داعما لتعزيز استقرار العملة، ووقف اتجاه الدولار نحو الصعود الفترة المقبلة وعدم نشاط السوق الموازية التي تغري الأفراد باللجوء إلى الدولرة.

وقال إيهاب سعيد عبدالرحمن عضو مجلس إدارة البورصة المصرية سابقا لـ”العرب” إن “إيقاف شهادات الادخار الحالية يحمل في طياته مخاطر كبيرة من عودة الدولرة، لأن الفائدة حاليا لن تتناسب مع التضخم، ما يتطلب رفع جديد للفائدة مستقبلا بما لا يقل عن اثنين في المئة.

ووصل معدل التضخم إلى 24.4 في المئة على أساس سنوي في ديسمبر الماضي، مرتفعا من 21.5 في المئة عن نوفمبر، فيما تبلغ أسعار الفائدة لدى المركزي نحو 16.25 في المئة على الإيداع و17.25 في المئة على الإقراض.

وتسعى القاهرة لمواجهة الدولرة بالإسراع في تجهيز الشركات التابعة للدولة لطرحها في البورصة لجذب السيولة المتاحة في الأسواق وضخها في شراء أسهم بعض شركات الجيش وقطاع الأعمال العام.

ووعد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي مؤخرا بالكشف عن خطة طرح الشركات في البورصة هذا العام خلال أسبوعين والإفصاح عن أسماء الشركات.

وتعتزم الحكومة التخارج بالكامل من نحو 79 نشاطا في السنوات الثلاث المقبلة، في إطار خططها لتعزيز دور القطاع الخاص، وفقا لمسودة من وثيقة سياسة ملكية الدولة.

79

نشاطا تعتزم الحكومة التخارج بالكامل منهم في السنوات الثلاث المقبلة

وتعزز خطوة طرح الشركات جذب المستثمرين الأجانب لشراء حصص في الشركات المزمع طرحها، ما يعد نافذة جديدة لتدفق الدولار للسوق المحلية والمساهمة في وفرة المعروض من العملة الصعبة.

وتكافح الحكومة لتقليل الضغط على الدولار في التعاملات الدولية وآخرها موافقة البنك المركزي الروسي على التداول بالجنيه، وهي خطوة تنتظر التفعيل في مصر، وربما تتبنى القاهرة الخطوة ذاتها مع بلاد مثل الصين الفترة المقبلة.

ويوضح سعيد أن إيقاف الشهادات ذات العائد السنوي 25 في المئة، خطوة من البنوك لتخفيف أعباء مراكزها المالية التي لازالت تصرف فوائد شهادات الادخار بنسبة 18 في المئة، وهي تقوض أيضا مناخ الاستثمار وفرص اقتراض الشركات من البنوك.

ويعد وجود شهادات الادخار ذات العائد المرتفع أداة فاعلة لدى البنك المركزي لمواجهة التضخم، إذ تلعب دورا مهما لمواجهة الدولرة، ومع إلغائها سيضطر البنك المركزي للبحث عن بدائل في مقدمتها أسعار الفائدة التي قد تشهد ارتفاعًا قريبا.

وأصبح الوضع الاقتصادي غير مقتصر على أزمة العملة فقط، بل أضحت قضية التضخم السريع من أكبر المشاكل أيضا، والمعروف اقتصاديا بـ”التضخم الجامح”، والذي يحدث عندما ترتفع الأسعار بشكل شبه يومي، وهو من الكوارث التي تصيب اقتصادات الدول وتقع فيها مصر بالفعل.

ولا بد أن تعي السلطات أن مواجهة التضخم لا تكون عبر رفع الفائدة أو من خلال المركزي فقط لأن سعر الفائدة ليس أداة سحرية لارتفاع الأسعار، لكن يتم ذلك عبر التنسيق والعمل في إطار منظومة من التصورات التي تضم السياسات النقدية والمالية والتجارة الخارجية والاستثمار.

علي الإدريسي: استقرار الدولار والقضاء على السوق الموازية يوقفان الظاهرة
علي الإدريسي: استقرار الدولار والقضاء على السوق الموازية يوقفان الظاهرة

ويمثل المركزي طرفا واحدا في منظومة مواجهة التضخم الجامح عبر تحكمه في السياسات النقدية، بينما بقية الأطراف في المنظومة تسير ببطء.

ولم تظهر حتى الآن آثار إيجابية للخطوات المالية والاستثمارية وغيرهما، ولذلك يمكن أن تدخل الأوضاع الاقتصادية نفقا مظلما تترتب عليه زيادة العوز ومعدلات الفقر بالبلاد.

وأكد الخبير الاقتصادي علي الإدريسي أن مواجهة الدولرة تتطلب نجاح السلطات في الحفاظ على سعره عند المستويات الحالية مع ضمان عدم ارتفاع سعره مستقبلا.

وبرر ذلك قائلا لـ”العرب” إنه “في حال أدرك المضاربون والراغبون في اعتبار العملة الأميركية وسيلة استثمار وأن المركزي نجح في الحفاظ على استقرار الدولار فلن يقبلوا على تحويل مدخراتهم من العملة المحلية إلى دولار”.

وإذا نجحت الحكومة في القضاء على أزمة تكدس البضائع في الموانئ وعدم تكرارها، لن تحدث أزمة دولارية بشرط ضمان تدفق العملة الصعبة من الخارج حتى يزداد المعروض، وهو ما تراهن عليه الحكومة من بيع حصص في شركاتها سريعا.

واقتصاديا يجب أن يكون سعر الفائدة في البنوك مساويا لمعدلات التضخم أو قريب منها، وهذا غير حاصل في مصر، ويعد ورطة جديدة للبنك المركزي، ما بين مواجهة الدولرة والتضخم من ناحية برفع الفائدة، لكن ذلك يقيد الاستثمار من الاتجاه الآخر.

وأوضح الإدريسي أنه ربما يفاجئ المركزي الأوساط الاقتصادية ويثبت الفائدة على أمل إنعاش الاستثمار، لكنه يقارن ذلك بالسيولة الدولارية المتاحة لديه أو المؤكد تدفقها إلى مصر.

ويمكن أن يتعامل المركزي مع تلك الأزمة برفع الفائدة على أنها من الضرورات التي تبيح المحظورات لمواجهة الانفلات الحالي بأسعار السلع.

11