نوبل للاقتصاد تكافئ إثبات دور البنوك في تعميق الأزمات المالية

ستوكهولم - كللت جائزة نوبل للاقتصاد في موسم هذا العام أعمال ثلاثة خبراء أميركيين لمساهمتهم الكبيرة في تفسير معارك القطاع المصرفي خلال وقت الأزمات المالية العالمية ودوره في إحلال التوازن في الاقتصادات بالنظر إلى أساليبه في تنظيم أسواق المال.
وتوج موسم جوائز نوبل 2022 والذي اختتم الاثنين بالعاصمة السويدية ستوكهولم كلا من بن برنانكي الحاكم السابق للاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي)، ومواطنيه دوغلاس دايموند وفيليب ديبفيغ، تقديرا لأعمالهم على صعيد الأزمات المالية والبنوك.
ووضع هؤلاء العلماء في علم الاقتصاد الأساس لكيفية تعامل القوى العالمية الآن مع الأزمات العالمية مثل الوباء الأخير أو الركود العظيم في عام 2008.
وأعلنت لجنة نوبل أن الخبراء الثلاثة “حسّنوا بدرجة كبيرة فهمنا لدور البنوك في اقتصادنا، خصوصا خلال الأزمات المالية، وأيضا طريقة تنظيم الأسواق المالية”.
جون هاسلر: تم إظهار أن البنوك حولت أي ركود صغير إلى عظيم
وأشارت اللجنة إلى أن “اكتشافا مهما في بحوثهم” التي أطلقوها اعتبارا من ثمانينات القرن الماضي، “تمثّل في إظهار سبب الأهمية الحيوية التي يرتديها تفادي انهيار البنوك”.
وقالت إن “الإجراءات التي اتخذتها البنوك المركزية والهيئات التنظيمية المالية في جميع أنحاء العالم في مواجهة أزمتين رئيسيتين أخيرتين أي الركود الكبير والانكماش الاقتصادي الذي نتج عن الجائحة كانت مدفوعة إلى حد كبير ببحوث الفائزين”.
وأنقذت الحكومات البنوك في عامي 2008 و2009، مما أثار موجة من الانتقادات حيث عانى المستهلكون العاديون من فقدان الكثير لمنازلهم حتى مع إنقاذ البنوك، وهي الجاني الرئيسي للأزمة، لكن أبحاث الفائزين تشير إلى أن المجتمع ككل استفاد.
وشغل بن برنانكي البالغ 68 عاما حاكمية الاحتياطي الفيدرالي بين عامي 2006 و2014، في فترة طبعتها خصوصا الأزمة المالية سنة 2008 وانهيار مصرف ليمان براذرز الأميركي.
وشملت تحليلاته الاقتصادية على وجه الخصوص مرحلة الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي، وهي أسوأ أزمة اقتصادية في التاريخ المعاصر.
وقد أثبت تحليلات برنانكي كيف أن التهافت الكبير على سحب الأموال من البنوك يشكل عاملا حاسما في إطالة أمد الأزمات وتفاقمها.
وأظهر برنانكي في ورقة بحثية في 1983 من خلال التحليل الإحصائي والمصادر التاريخية، أن تدفقات البنوك أدت إلى فشل القطاع المصرفي.
وكانت هذه هي الآلية التي حولت الركود العادي نسبيا إلى ركود في ثلاثينات القرن الماضي، الأكثر دراماتيكية في العالم.
وقال جون هاسلر عضو لجنة جائزة نوبل للاقتصاد إنها “أزمة حادة شهدناها في التاريخ الحديث”. وأضاف أن “ما فعله برنانكي هو إظهار أن البنوك لعبت دورا مركزيا في تحويل فترات الركود الصغيرة نسبيا إلى ركود في الثلاثينات.. كانت تلك أسوأ أزمة اقتصادية يشهدها العالم منذ ذلك الحين”.
أما دوغلاس دايموند وفيليب ديبفيغ فقد طورا نماذج نظرية تظهر سبب وجود البنوك وكيف أن دورها في المجتمع يجعلها عرضة للشائعات بشأن انهيار وشيك لها.
وقال دايموند الأستاذ في جامعة شيكاغو، في مؤتمر صحافي بالأكاديمية السويدية “رغم أن عمليات الإنقاذ هذه تنطوي على مشاكل، إلا أنها يمكن أن تكون مفيدة للمجتمع”، مجادلا بأن منع انهيار بنك الاستثمار ليمان براذرز كان سيحقق النجاح.
وأضاف “ربما كان من الأفضل لو لم ينهار بنك ليمان براذرز بشكل غير متوقع”. وتابع “لو وجدوا طريقة أعتقد أن العالم كان سيواجه أقل من أزمة حادة”.
ومن المفارقات أن بيرنانكي كان رئيسا لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في وقت انهيار بنك ليمان في 2008، والذي أصبح أحد العوامل المحفزة الرئيسية لأكبر اضطراب مالي في العالم منذ الثلاثينات.
وجادل برنانكي، وهو الآن زميل في معهد بروكينغ، في ذلك الوقت بأنه لا توجد طريقة قانونية لإنقاذ بنك ليمان، لذا فإن أفضل شيء تالي هو تركه يفشل واستخدام الموارد المالية للحكومة لمنع حدوث إخفاقات منهجية أوسع نطاقاً.
وجزء من هذه الاستجابة، بما في ذلك أسعار الفائدة المنخفضة للغاية وعمليات شراء الأصول الضخمة للبنك المركزي، يتم عكسها الآن حيث بلغ التضخم أعلى مستوياته منذ حوالي نصف قرن في أجزاء كثيرة من العالم.
ويمكن بسهولة أن تصبح عمليات إدارة البنوك محققة لذاتها مما يؤدي إلى انهيار مؤسسة وتعريض القطاع المالي بأكمله للخطر.
وقالت الأكاديمية “يمكن منع هذه الديناميكيات الخطيرة من خلال توفير الحكومة للتأمين على الودائع والعمل كمقرض الملاذ الأخير للبنوك”.
وجادل ديبفيغ الأستاذ في جامعة واشنطن في سانت لويس، ودايموند بأن البنوك التي تأخذ ودائع قصيرة الأجل وإقراض هذا النقد على المدى الطويل هو الترتيب الأكثر كفاءة.
وكانت هذه وظيفة قيمة للمجتمع ولكن الترتيب جعلها أيضا عرضة للجري ثم يتم تقليل المخاطر من خلال “المراقبة المفوضة” حيث تعمل البنوك كوسطاء بين المدخرين والمقترضين.
وقالت الأكاديمية إن هذا ينشر المخاطر ويضمن الكفاءة لأن البنوك أكثر ملاءمة لتقييم الجدارة الائتمانية ومراقبة استخدام الأموال.
وينضم هذا الثلاثي إلى شخصيات بارزة مثل بول كروغمان وميلتون فريدمان، الفائزين السابقين بالجائزة.
وغالبية الفائزين السابقين بالجائزة كانوا من الولايات المتحدة. وفازت سيدتان فقط بنوبل للاقتصاد، وهما إلينور أوستروم في عام 2009 ثم إستير دوفلو في عام 2019.
وعلى غرار سائر جوائز نوبل، تُرفق هذه الجائزة بمكافأة مالية قدرها عشرة ملايين كرونة سويدية (حوالي 920 ألف دولار)، يتم تقاسمها بين الفائزين في الفئة عينها.
وكانت جائزة نوبل للاقتصاد، واسمها الرسمي جائزة بنك السويد للاقتصاد تكريما لذكرى ألفريد نوبل، أضيفت سنة 1969 إلى المكافآت الخمس التقليدية وهي الطب والفيزياء والكيمياء والآداب والسلام.
وجاء ذلك بعد أكثر من ستة عقود على إطلاق هذه الجوائز، ما دفع بالبعض إلى وصف جائزة الاقتصاد بأنها “نوبل مزيفة”.