نواكشوط تضيّق الخناق على بوليساريو بمنع التواجد في منطقة البريكة

الرباط - رفضت السلطات الموريتانية طلب جبهة بوليساريو الانفصالية إعادة فتح منطقة البريكة، المتنفس الحدودي الواقع عند المثلث الحدودي بين موريتانيا والجزائر والمنطقة العازلة، وذلك لأسباب وصفت بأنها أمنية وإستراتيجية. وتأتي الخطوة في إطار مواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة في المناطق الحدودية مع المغرب، ونتيجة تكرار توغل عناصر من بوليساريو داخل الأراضي الموريتانية، يشتبه في أنها كانت تهدف إلى التحضير لهجمات ضد المغرب انطلاقًا من التراب الموريتاني.
ونبه الجيش الموريتاني القادمين من مخيمات تندوف إلى إخلاء منطقة البريكة، الواقعة في الحدود الشمالية الشرقية والتي أصبحت مصنفة موقعا مغلقا يمنع فيه وجود المدنيين وممارسة أي نشاط تجاري، في خطوة تهدف إلى تطويق تداعيات الانفلات الأمني، ووضع حد لاستغلال أراضي البلاد في أنشطة تضر بأمنها الداخلي وتُعرض مناطقها الحدودية لمخاطر متزايدة.
والجمعة الماضية تم إبلاغ وفد من بوليساريو إلى نواكشوط، يحمل رسالة من زعيم الجبهة إبراهيم غالي إلى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، بعدم الاستجابة لطلبه، وتم التأكيد على تمسك نواكشوط بقرار الإغلاق الذي نفذته القوات المسلحة الموريتانية بتاريخ 21 مايو الماضي، إذ تشكل منطقة البريكة، المتاخمة لمخيمات تندوف، معبرًا غير رسمي يُستغل في تهريب الوقود والسلع، وأحيانًا البشر.
وتعتبر منطقة البريكة من أبرز النقاط التي تربط مخيمات تندوف بالأراضي الموريتانية، حيث استغلت بشكل مكثف لترويج مواد مهربة كالبنزين والإسمنت والزيوت والسلع المدعمة، يتم نقلها عبر شاحنات تنطلق من المخيمات لممارسة التهريب المنظم والعابر للحدود، وهو ما حسمته السلطات الموريتانية من خلال إجراءات تعكس قرارا سياديا لإحكام السيطرة على حدودها الشمالية.
وأشارت عدة تقارير محلية ودولية إلى إعلان الجيش الموريتاني البريكة منطقة محظورة على المدنيين، وتحركه لردع أي محاولة تسلل من خلال نشر طائرات مسيرة، ما يعكس تطورا ملحوظا في قدراته في مجال المراقبة وتأمين الحدود، وفي هذا الصدد كشفت صحيفة “أنفو موريتانيا” أن جيش نواكشوط قرر إغلاق المنطقة الحدودية من أجل تطويق الانفلات الأمني ومكافحة الأنشطة غير القانونية، وعلى رأسها التهريب المنظم، الذي لطالما استفاد من الطبيعة الجغرافية الوعرة والمساحات الصحراوية المفتوحة التي تُميز المنطقة الحدودية بين البلدين.
وأكد محمد سالم عبدالفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، في تصريح لـ”العرب” أن “الخطوة التي اتخذتها السلطات الموريتانية تهدف إلى ترسيخ سيادتها على كامل ترابها الإقليمي وتأتي في إطار احترام التزاماتها الدولية، ومواجهة التحديات الأمنية المتصاعدة في المناطق الحدودية الشمالية الشرقية، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بوجود الجبهة الانفصالية جنوب غرب الجزائر، وأنشطة الاتجار بالبشر، وتهريب الأسلحة والمخدرات، والجريمة المنظمة التي تنشط فيها جماعات مسلحة في منطقة الساحل، وقطع مصادر تمويل رئيسية للجبهة ولجماعات متطرفة في المنطقة.”
ويملك الجيش الموريتاني قدرات لوجستية وكفاءة عالية، خاصة في قوات الكوماندوز، تمكنه من تأمين حدوده الشمالية، وخاصة منطقة البريكة والشوم وكلتة زمور، إضافة إلى التنسيق الأمني والاستخباراتي بين الجيشين المغربي والموريتاني. كما شكلت الزيارات المتتالية التي تقوم بها قيادات عسكرية موريتانية وازنة إلى المغرب انعكاسا إيجابيا للتعاون بين المغرب وموريتانيا والذي يتضمن تعزيز أمن الحدود ومكافحة الهجرة غير النظامية والأنشطة غير المشروعة العابرة للحدود، وقد أعرب البلدان عن طموحهما لتعميق هذا التعاون في المستقبل، خصوصاً في ظل التهديدات الأمنية المتزايدة في منطقة الساحل والصحراء.
وأفاد الخبير الأمني والإستراتيجي محمد الطيار في تصريح لـ”العرب” بأن “التعاون العسكري والأمني بين المغرب وموريتانيا يشهد تطورا متواصلا، لاسيما في تأمين الحدود المشتركة بين البلدين الذي يستهدف وضع حد لاستباحة ميليشيات بوليساريو للأراضي الموريتانية، والتصدي لأنشطة الجريمة المنظمة والمجموعات الإرهابية.”
وأوضح أن “ميليشيات بوليساريو استغلت طيلة العقود الماضية الأراضي الموريتانية كنقطة انطلاق لاستهداف الصحراء المغربية من أجل التزود بالمواد الغذائية والمياه وقطع الغيار، بحكم تمركزها في مواقع إما داخل الأراضي الموريتانية أو في المنطقة العازلة بعيدا عن مخيمات تندوف.”
وسجل التنسيق الأمني والعسكري والسياسي والدبلوماسي بين نواكشوط والرباط خلال الفترة الأخيرة مستوى غير مسبوق يعكس رغبة البلدين في التصدي للتحديات الأمنية المشتركة على مستوى المنطقة، وقد زاد منسوبه بعد استقبال العاهل المغربي الملك محمد السادس، الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في ديسمبر الماضي، تعزيزا لعلاقات الثقة والتعاون القوية بين البلدين، حيث ثمن قائدا البلدين التطور الإيجابي الذي تعرفه الشراكة المغربية – الموريتانية في جميع المجالات.
وأكد الشرقاوي الروداني، الخبير في الدراسات الجيو-إستراتيجية والأمنية، أن "المغرب وموريتانيا أسسا معا لتعاون يقوم على شراكة إستراتيجية متعددة الأبعاد، وعلى المستوى الأمني تتقاطع مصالح البلدين في مجالات حيوية تعكس التحديات المشتركة التي يواجهانها،” لافتا إلى أن “الموقع الجغرافي للبلدين، الذي يربط بين منطقة الساحل والصحراء وشمال أفريقيا، جعلهما في قلب التحديات الأمنية التي تشمل الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية.”
وقال في تصريح لـ”العرب” إن “هذه التحديات تفرض تعاونًا مستمرًا بين البلدين لتعزيز الأمن الإقليمي، خاصة في ظل تنامي نفوذ الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل. والمغرب بخبرته في مجال مكافحة الإرهاب وموقعه كمرجع دولي في إدارة التهديدات الأمنية يقدم نموذجًا للتعاون مع موريتانيا التي تواجه تحديات مشابهة في تأمين حدودها الشاسعة. كما أن التنسيق الاستخباراتي بين البلدين، إلى جانب التدريب المشترك وتبادل الخبرات، يعزز قدرتهما على التصدي لهذه التهديدات بشكل فعال ومستدام."
وتقوم موريتانيا بإعادة تنظيم انتشارها في المناطق الحساسة وتحويلها إلى مناطق عسكرية محظورة على بوليساريو، كانت تستخدمها منصة لشن الهجمات أو دعم الجماعات الإرهابية في دول الساحل.