نواب كويتيون يهددون بإسقاط الحكومة بسبب قانون ضريبي في طور النوايا

الحكومة الكويتية الحالية لا تختلف عن سابقاتها في العجز عن الدفع بإصلاحات ضرورية لكنّها غير شعبية في بعض جوانبها، وذلك في ظلّ استمرار قوة الممانعة لتلك الإصلاحات التي يمتلكها البرلمان الحالي على غرار البرلمانات السابقة وفي غياب أي أفق لتقليص سلطات النواب.
الكويت - تسير الحكومة الكويتية على خطّ مشدود بين ضرورة الإصلاح الذي لم يعد يحتمل التأجيل بفعل الظروف الاقتصادية والمالية الضاغطة من جهة، ومسايرة البرلمان ذي التوجهات الشعبوية الواضحة والمستفيد من سلطته الواسعة وتركيبته الميالة دائما إلى المعارضة والتي لم تُمكّن الانتخابات المتعاقبة والكثيرة من تغييرها، رغم ما أدخل على القانون الانتخابي من تعديل.
وبمجرّد تسلّمه مهامه وزيرا للمالية، اصطدم فهد الجارالله بمعضلة وجوب تنويع مصادر دخل الدولة والتخفيف من الارتهان للإيرادات النفطية دون المساس بأي من المكتسبات الاجتماعية الكبيرة والامتيازات المالية الممنوحة للمواطنين وذلك تجنّبا للدخول في صراع مع نواب مجلس الأمّة المتحفّزين لإطلاق جولة جديدة من المناكفات مع الحكومة مع بداية الدورة البرلمانية القادمة.
وقال الجارالله إن بلاده تعمل على إيجاد وسائل تعزز من الإيرادات غير النفطية ليس من ضمنها ضريبة القيمة المضافة والانتقائية، ودون التأثير على الحالة المعيشية للمواطنين.
وجاء كلام الوزير بمثابة ردّ على تهديدات للحكومة أطلقها نواب في البرلمان بعد رواج أنباء بشأن توجّهها نحو إقرار ضريبة القيمة المضافة وضريبة انتقائية في إطار ملاءمة الوضع الجبائي للكويت مع أمثاله في باقي بلدان مجلس التعاون الخليجي.
وذهبت تلك التهديدات نحو وقف تعاون مجلس الأمّة مع الحكومة ما سيعني انسدادا سياسيا قد يسارع بإسقاط البرلمان والحكومة اللذين لم تمض على تشكيلهما سوى بضعة أشهر.
وقال النائب مهند الساير إنّ عدم تراجع الحكومة عن مسار فرض الضرائب هو بمنزلة المسمار الأخير في نعشها، موجها التهديد المباشر إلى رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد نواف الأحمد الصباح بأنّه ليس بمنأى عن المساءلة.
ومنذ سنوات يروج خطاب سياسي في الكويت بشأن ضرورة الإصلاح مسايرة لما هو جار في بلدان الخليج المجاورة واستجابة للصعوبات الاقتصادية والمالية التي مسّت الكويت بشكل مباشر خلال السنوات الأخيرة وصولا إلى طرح إمكانية العجز عن دفع رواتب الموظّفين مثلما حدث في عهد وزير المالية الأسبق برّاك الشيتان.
ولا يرى المراقبون كيف يمكن للكويت أن تفتح ملف الإصلاح الاقتصادي دون التقليص ولو بشكل جزئي من التقديمات الاجتماعية السخية والامتيازات المالية الممنوحة للمواطنين والتي تجعلها من آخر دول العالم تطبيقا لنموذج دولة الرفاهية الذي تخلّت عنه معظم الدول نظرا إلى طبيعته غير المنتجة.
وما يجعل الكويت رهينة ذلك النموذج هو السدّ المنيع التي يقيمه نواب البرلمانات المتعاقبة ضدّ أي مساس بتلك الامتيازات، وذلك لأسباب لا تخلو من شعبوية ومن أهداف انتخابية.
وقال الجارالله في بيان صحفي إن وزارته بصدد دراسة حلول وخيارات للتغلب على أزمة السيولة التي قد تواجه الحكومة من خلال طرح حلول استباقية لتجنب وقوع أي خلل في التدفقات النقدية.
ولوّح النائب بمجلس الأمة عبدالكريم الكندري باستخدام الأغلبية المعارضة في المجلس لوقف أي توجه حكومي لفرض الضرائب، مذكّرا بأن الأغلبية “ليست حكومية بل أغلبية شعبية ولن تسمح بتمرير القوانين التي رفضها المجلس في السنوات العشر الماضية”، مضيفا أنّ استعجال الحكومة مناقشة تلك القوانين المتعلقة بإقرار ضرائب معناه انتهاء التنسيق النيابي – الحكومي.
وقال النائب ماجد المطيري إنّه لن يوافق على فرض أي نوع من أنواع الضرائب على المواطنين، معتبرا أن واجب الحكومة أن تجد “مصادر دخل أخرى بعيدا عن جيب المواطن”، بينما اعتبر محمد الرقيب أنّ “استعجال القوانين التي تزيد من عبء المواطن يقابله استعجال رحيل الحكومة غير مأسوف عليها”.
كما نقل عن النائب فهد بن جامع قوله إن التعاون مع الحكومة يكون عندما تلبي تطلعات الشعب، فيما قال النائب بدر سيار إنه في “الوقت الذي كنا ننتظر فيه قانونا يهتم بمعاناة الشعب تقدمت الحكومة باستعجال مناقشة قوانين الضريبة والدين العام، ويبدو أن سلوكها لا يتغير مهما تغيرت مخرجات الشعب”.
واختارت الحكومة الانحناء للعاصفة النيابية حرصا على تجنّب عودة برلمانية ساخنة تعيد المشهد الكويتي سريعا إلى متوالية حل الحكومات وإبطال البرلمانات التي طبعت الحياة السياسية الكويتية على مدى السنوات الماضية.
ونفى وزير المالية ما تناقلته وسائل الإعلام من أن أولويات الحكومة هي قانون الدين العام والضريبة، مشيرا إلى أن الأولويات الحكومية مذكورة في برنامج عملها الذي عرضته في جلسة خاصة، ومبينا أن قانون الدين العام مرسل إلى المجلس منذ 2017 ويعتبر من أحد الخيارات وليس الخيار الوحيد.
منذ سنوات يروج خطاب سياسي في الكويت بشأن ضرورة الإصلاح مسايرة لما هو جار في بلدان الخليج المجاورة واستجابة للصعوبات الاقتصادية والمالية التي مسّت الكويت
وأضاف قوله “نقوم حاليا بإعداد تصورات فنية تعالج المشكلة إن وقعت، دون الاستعجال في خيار قانون الدين العام”، وذلك في إشارة إلى إمكانية ندرة السيولة وعجز الدولة جرّاء ذلك عن النهوض بأعبائها الأساسية.
وكانت جهات نيابية كويتية قد شكّكت في أن يكون ما تناقله الإعلام بشأن الضرائب وقانون الدين العام لم يأت من فراغ، معتبرة أن ما راج هو بالون اختبار حكومي لجس نبض النواب قبل العودة البرلمانية المرتقبة.
وشدّد الوزير على التزام الحكومة بإطار التعاون والأولويات مع المجلس، مؤكدا على أن كل الخيارات والتصورات التمويلية البديلة سوف تعرض على اللجان الفنية في مجلس الوزراء ومجلس الأمة للتباحث والنقاش واختيار الأفضل.
وأكد الجارالله أن هذه القوانين تحتاج توافقا حكوميا نيابيا وأن نقاشها فني وليس سياسيا. كما تهدف هذه التصورات قيد الدراسة إلى إرسال رسائل إيجابية تعكس قوة الاقتصاد الكويتي وحيويته وتعزز النظرة إليه من ناحية رفع ناتج الدخل القومي والناتج المحلي ومعدلات النمو المستهدفة للاقتصاد مما يعزز التصنيف الائتماني للدولة.
غير أن تلك الأهداف تبدو بحسب الخبراء الاقتصاديين مغالية في طموحها في ظل انسداد أفق الإصلاح في الكويت بسبب السطوة الشديدة للسياسة على الاقتصاد.