نواب في البرلمان البريطاني: مواقع التواصل تهدد الصحة العقلية

عملت مجموعة برلمانية بريطانية تضم جميع الأحزاب على إعداد تقرير يتناول مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي على صحة الشباب العقلية، وخلصت إلى اعتبار الإدمان عليها بمثابة مرض، وبالتالي يجب على شركات التكنولوجيا حماية المستخدمين من تأثير منصاتها.
لندن- قال نواب في البرلمان البريطاني إنه يجب اعتبار إدمان وسائل التواصل الاجتماعي كمرض، في إشارة إلى الضغوط التي تواجه شركات التكنولوجيا والقلق المتزايد من احتمال تأثير شبكات التواصل الاجتماعي على صحة مستخدميها العقلية.
ودعا السياسيون إلى إجراء المزيد من البحوث في ما يتعلق بآثار هذه المنصات الاجتماعية، قائلين بأن هناك تقريرا يشير إلى وجود سبب وجيه للاعتقاد في أن مواقع مثل فيسبوك وإنستغرام وتويتر، التي تتنافس باستمرار على جلب المستخدمين وإبقائهم مُتابِعين لها أطول فترة ممكنة، يمكن أن يكون لها تأثير خطير على الأطفال، وفق ما جاء في تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وقال عدد من النواب -الذين يعتقدون أن على الحكومة أن تمول دراسات طويلة الأمد، في أقرب وقت ممكن، لمعرفة ما إذا كان ينبغي إدراج إدمان وسائل التواصل الاجتماعي ضمن قائمة أنواع الإدمان الأخرى وتقديم تعريف طبي له- “من المهم أن نحمي الشباب لضمان الحفاظ على سلامتهم وصحتهم العقلية كلما كانوا متصلين بالإنترنت”.
وعملت مجموعة برلمانية مؤلفة من جميع الأحزاب على إعداد تقرير حول وسائل التواصل الاجتماعي وصحة الشباب العقلية، كما ساعدت الجمعية الملكية البريطانية للصحة العامة في كتابته، وقد أيدت النتائج التي توصلت إليها بعد سلسلة من جلسات الاستماع إلى الأدلة. واقترحت منظمة الصحة العالمية في وقت سابق تضمين إدمان الألعاب في المراجعة القادمة لكتيب التصنيف الدولي للأمراض، وتصنيف هذا الإدمان ضمن الأمراض العقلية التي تؤدي إلى إعطاء أولوية متزايدة لشيء ما على حساب الاهتمامات الأخرى والأنشطة اليومية.
لكي يتم تصنيف أحد ما مدمنًا على الألعاب، تقترح منظمة الصحة العالمية عددا من العوارض مثل إظهار خلل في الحياة الشخصية أو العائلية أو الاجتماعية أو التعليمية، أو في العمل بسبب ألعاب الكمبيوتر لمدة سنة على الأقل. ويقترح النواب أنه يمكن تطبيق تعريف مشابه على الأفراد الذين يعانون من الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، في صورة ما إذا وجدت الأبحاث مبررا لهذه الخطوة.
ويدعو التقرير حكومة المملكة المتحدة إلى إصدار إرشادات صحية رسمية تساعد على تجنب الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي. كما أنه يدعم دعوات تطالب الشركات المسؤولة عن وسائل التواصل الاجتماعي بتبادل بيانات مجهولة المصدر مع الباحثين، للمساعدة في فهم تأثير مواقعها وتطبيقاتها على الشباب.
وأكدت المجموعة، التي يرأسها كريس إلمور من حزب العمال والمحافظ وليام راج، إدراكها أن وسائل التواصل الاجتماعي جلبت للمجتمع الكثير من الفوائد، بما في ذلك تحسين الوصول إلى المعلومات المتعلقة بمجال الصحة العامة. ومع ذلك، يريد النواب فرض ضريبة بنسبة 0.5 بالمئة على أرباح شبكات التواصل الاجتماعي لتمويل البحوث والمبادرات التعليمية ووضع توجيهات أوضح للمستهلكين.
ازدادت المخاوف بشأن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على صحة الأطفال العقلية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، خاصة بعد حملة قادها والدا مولي راسل، البالغة من العمر 14 عاما، والتي انتحرت سنة 2017. وقد أكد والدها أن إنستغرام “ساهم في قتلها”، مما دفع الشبكة الاجتماعية إلى حظر الصور التي تحرض على إيذاء النفس.
وقالت شيرلي كرامر -الرئيسة التنفيذية للجمعية الملكية البريطانية للصحة العامة- “يبرز هذا التحقيق بوضوح المخاوف الجدية والحقيقية لمجموعة متنوعة من الخبراء والشباب. تتمثل النتيجة الشاملة في ضرورة أن تحمي شركات وسائل الإعلام مستخدميها المعرضين للخطر، والحاجة إلى تنظيم المحتوى”.
كما أكدت على ضرورة إعطاء أولوية إضافية للبحث “لتحسين فهمنا للأضرار الصحية والفوائد، المتأتية من وسائل التواصل الاجتماعي على جيلنا من المواطنين الرقميين، وأن على هذه الشركات نفسها أن تدعم هذا”. ويعترف التقرير أيضا بتزايد الوعي بالأساليب التي تستخدمها شركات التكنولوجيا للتشجيع على الاستخدام المتكرر لتطبيقاتها. وقال النواب إنه ينبغي للحكومة أن تنظر في تصميمات منصات التواصل الاجتماعي التي من شأنها أن تضر بصحة الشباب العقلية.
وقالت وزارة التكنولوجيا الرقمية والثقافة والإعلام والرياضة في بريطانيا “ستنشر الحكومة قريبا ورقة بيضاء تحدد مسؤوليات المنصات على الإنترنت، وكيف ينبغي الوفاء بهذه المسؤوليات وما الذي سيحدث إذا لم تفعل ذلك. كما ينبغي فرض رسوم على شركات التواصل الاجتماعي. كلها إجراءات نراعيها كجزء من عملنا”.
كما تواجه شركات الإنترنت تحديا كبيرا بعد انتشار فيديو للهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجدين في نيوزيلندا راح ضحيته 49 شخصا، وهي مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى باتخاذ الاحتياطات اللازمة إزاء انتشار رسائل الكراهية والعنف على منصاتها. ودعا وزير الداخلية البريطاني، ساجد جاويد، شركات التواصل الاجتماعي إلى “تنظيف منصاتها” من المحتويات الحاضة على العنف والإرهاب والكراهية وإلا سيتم اتخاذ إجراءات قانونية بحقها.
النواب البريطانيون يريدون فرض ضريبة بنسبة 0.5 بالمئة على أرباح شبكات التواصل الاجتماعي لتمويل البحوث
وكتب جاويد في صحيفة ديلي اكسبريس “يجب على شركات التكنولوجيا فعل المزيد لوقف بث رسائله” في إشارة إلى منفّذ الهجوم. وشدد جاويد على أن منصات الإنترنت تقع عليها مسؤولية ضمان ألا تكون منصات يستخدمها الإرهابيون في الترويج لأعمالهم. وقال إن الحكومة بصدد مجابهة هذا النوع من السلوك “غير القانوني”. وكان المسلح، الذي بث وقائع الهجوم مباشرة على موقع فيسبوك الجمعة عبر كاميرا مثبتة فوق رأسه، قد عرف نفسه بأنه يدعى برينتون تارانت، وظهر في البث، وهو يطلق النار على رجال ونساء وأطفال.
وأرسلت كل شركات مواقع التواصل الاجتماعي رسائل تعاز عبرت فيها عن تعاطفها مع ضحايا الحادث الإرهابي، وأكدت على أنها تعمل بسرعة على حذف المحتوى غير المناسب. وقالت شركة فيسبوك “نبهتنا الشرطة النيوزيلندية إلى فيديو على فيسبوك، بعد بدء البث الحي بقليل، وقمنا بحذف الحساب من على فيسبوك، وكذلك الفيديو”.
ورد جاويد على تغريدة من شركة يوتيوب، قالت فيها إنها “تعمل بيقظة” من أجل حذف أي فيديوهات عنيفة، قائلا إن الشركات الرقمية بحاجة إلى أن “تمارس نوعا من حق الملكية” على المواد التي تنشر فيها، في إشارة إلى أن الموقع مجرد منصة لا تنشر محتوى معينا بل تعتمد دائما على ما ينشره المستخدمون الذين لهم حقوق الملكية الأدبية في ما يقدمونه.
وقال جاويد إنه “شعر بغضب شديد، إزاء قتل 49 شخصا بريئا كانوا يصلون”، وفق ما نقلت “بي.بي.سي”. وكتب “لقد استُهدفوا ببساطة لأنهم مسلمون، ولأنهم يحترمون الله”. وأضاف “والدي الراحل لم تفته صلاة الجمعة قط، وكثيرا ما رافقته، وأتذكر بسعادة لحظات السلام تلك التي شاركنا فيها”.