نواب التغيير في برلمان لبنان: فرصة للحل أم تعقيد للأزمة؟

استحواذ القوى التقليدية على رئاسة أهم اللجان النيابية يثير جدلا.
السبت 2022/06/11
نواب التغيير لا يزالون خارج التأثير التشريعي

يعكس تصويت نواب التغيير في البرلمان اللبناني خلال جلسة انتخاب رئيس البرلمان ونائبه وكذلك خلال انتخابات رئاسة اللجان التشريعية تشرذما واضحا في توجهاتهم وعدم التنسيق في ما بينهم، ما انعكس إيجابيا لصالح القوى الرئيسية التقليدية. ويحذر مراقبون من أن عدم توحد النواب المستقلين في كتلة برلمانية واحدة سيهمش دورهم.

بيروت – أثار استحواذ القوى السياسية التقليدية على رئاسة أهم اللجان النيابية تساؤلات بشأن مدى تأثير نواب التغيير على الخارطة التشريعية ودورهم في رسم التحالفات وتطبيق شعاراتهم الانتخابية، كما أثار أيضا تساؤلات بشأن توجهات تصويتهم ولصالح من يهبون أصواتهم ليبقوا بذلك خارج المعادلة التشريعية.

ولأول مرة في لبنان استطاعت قوى غير تقليدية اختراق البرلمان بعد فوزها بـ14 مقعداً من أصل 128، إلا أن تساؤلات عديدة تُطرح حول ما إذا كان هؤلاء سيتوحدون ضمن كتلة وبرنامج محدد أم لا.

وقوى “التغيير” هو الاسم الذي يطلق على الوافدين الجدد إلى البرلمان نظراً إلى كونهم يحملون أفكار انتفاضة 17 تشرين 2019 ومطالبها، والتي يعتبر أبرزها التخلّص من الفساد ومحاسبة المسؤولين عن الأزمات الاقتصادية والسياسية.

ووفق نتائج الانتخابات لم تعد الأغلبية البرلمانية محصورةً بيد فريق سياسيّ معين، إنما بات الثقل موزّعاً في عدة اتجاهات، مع وجود 3 تكتلات أساسية ونواب آخرين مستقلين.

عماد شدياق: من المبكر الحسم بأنهم سيكونون موحّدين أم لا

والتكتلات الثلاثة هي تحالف حزب الله وحركة أمل (شيعة) مع التيار الوطني الحر (مسيحي) وحلفائهم، وتحالفٌ يضم حزب القوات اللبنانية (مسيحي) والحزب التقدمي الاشتراكي (دروز) ونوابا كانوا سابقا مع تيار المستقبل (سنّة) الذي قاطع الانتخابات رسميا، أما التكتل الثالث فيضمّ نواب قوى “التغيير” وبعض المستقلين.

وكان حزب الله والتيار الوطني الحر وحلفاؤهما يستحوذون على الأغلبية النيابية المنبثقة عن انتخابات 2018. إلا أنهم فقدوا تلك الأغلبية في انتخابات 2022، حيث تراجع عدد نوابهم من 71 إلى نحو 60 نائبا، فيما تتوزّع المقاعد المتبقية على قوى قريبة من واشنطن والرياض، فضلا عن عدد آخر من النواب المستقلين.

وكانت احتجاجات شعبية انفجرت في لبنان في 17 أكتوبر 2019 واستمرّت عدة أشهر، حيث حمّل المتظاهرون الطبقة السياسية مسؤولية الفساد وطالبوها بالرحيل.

ومع أن القوى الجديدة تمثل شريحةً واسعة من اللبنانيين وتشكل ترجمةً للاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد بين عامي 2019 و2020، إلا أن خبراء رجّحوا صعوبة توحيد موقفهم حول قضايا عدة وهو ما تترجمه نتائج التصويت في انتخاب نائب رئيس البرلمان واللجان النيابية.

وقال المحلل السياسي أمين قمّورية إن الاقتراع الكثيف لصالح نواب “التغيير” أخذ بعداً وطنياً وليس حزبياً، وبعيداً عن الطائفية والمذهبية، مشيراً إلى أن الشعار الرئيسي لهؤلاء كان “محاربة الفساد”.

ويضع قمّورية فوز هؤلاء النواب ضمن سياقٍ اعتراضيّ واسع على أداء السلطة السياسي والاقتصادي، وليس على أساس برامجهم وخلفياتهم التي تختلف بين نائب وآخر.

وشكّل دخول قوى “التغيير” إلى البرلمان كسراً للتمثيل التقليديّ لقوى السلطة الذي كان محصوراً طيلة عقدين بين فريقي “8 آذار” و”14 آذار”.

ورجّح قموّرية أن تبرز في صفوف نواب “التغيير” تياراتٌ واتجاهات متباينة بشأن الملفات الاقتصادية، والموقف من نفوذ حزب الله وسلاحه، والقضايا المجتمعية كمسائل الزواج المدني وحقوق المرأة.

أمين قمّورية: برامج وخلفيات التغييريين تختلف بين نائب وآخر

وأما الملفات المرجّح أن يتوافقوا عليها فتتعلق بحسب قمّورية، بالتعديلات القانونية المرتبطة بالقضاء واستقلاليته أو اللامركزية الإدارية مثلاً.

ومنذ سنوات يطالب حقوقيون لبنانيون البرلمان بإقرار مشروع قانون يرمي إلى استقلالية القضاء، وإخراجه من هيمنة السلطة السياسية، من خلال فرض إصلاحات جوهرية وهيكلية على السلطة القضائية.

ورأى قمّورية أنه في حال عدم نجاح نواب “التغيير” في إنشاء تكتل كبير بسبب عدم التوافق على الأمور الاقتصادية والمالية والاجتماعية، فمن المرجح أن يكونوا ضمن كتل عدة تتعاون في بعض الملفات وتختلف في أخرى.

وبدوره رأى الكاتب السياسي عماد شدياق أن النواب الـ14 “يشكلون حالة فريدة في لبنان”، لكن من المبكر الحسم بأنهم سيكونون موحّدين أم لا.

وقال شدياق إن المعطيات تشير إلى أن البلاد مقبلةٌ على عدة استحقاقات، حيث قد يتقاطع هؤلاء عند بعضها، ويفترقون عند بعضها الآخر.

لكن “القلق الأكبر” الذي يشكله هؤلاء النواب للسلطة بحسب شدياق هو عدم وجود مرجعية موحّدة لديهم، وعدم تبعيّتهم لأي جهة خارجية، ما يصعّب على أحزاب السلطة التعاطي معهم.

وأشار شدياق إلى أن هذه الكتلة أو الكتل الجديدة ستشكل أسلوباً جديداً في التعاطي البرلمانيّ، ما سيجعل الحكومة حذرةً جداً من المساءلة والمحاسبة.

والملاحظ أن نواب “التغيير” يُبدون اندفاعةً وحماسة لتحسين الواقع الاقتصاديّ والسياسي الذي تعاني منه البلاد.

ويستمد النواب الجدد زخماً من الاحتجاجات الشعبية لإحداث خرق للوضع السائد في البلاد منذ عقود.

وفق نتائج الانتخابات لم تعد الأغلبية البرلمانية محصورةً بيد فريق سياسيّ معين، إنما بات الثقل موزّعاً في عدة اتجاهات

واعتبر المحلل السياسي فيصل عبدالساتر أن “نواب التغيير يشكلون قوةً ثالثة في البرلمان الجديد، كونهم جاؤوا من خارج لوائح الأحزاب التقليدية”، لكن السؤال “هل سيكون هؤلاء معاً أو منفردين أو كتلاً متعددة؟”.

ولفت عبدالساتر المقرّب من حزب الله إلى أن “أيّاً من القوى السياسية لم يفُز بالغالبية النيابية” التي تشكل 65 نائباً من أصل 128 “لكن النواب التغييريين أثبتوا وجودهم وفق التقسيم الجديد للقوى البرلمانية”.

وأضاف أن البلاد ستكون أمام “مشهد معقّد” خلال الفترة المقبل، متسائلاً “هل سيكون رئيس الحكومة المقبلة من داخل الكتل النيابية أم خارجها، وهل ستكون حكومة تكنوقراط أم سياسية؟”.

لكن عبدالساتر رأى أن التصريحات الأخيرة لمساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد هيل “كانت ملفتة” عقب صدور نتائج الانتخابات، حيث قال إن “الانتخابات النيابية لن تكون خلاصاً للبنان من مشكلاته”.

وقال عبدالساتر إن “ما يعنيه هيل ربما يوحي بأن واشنطن كانت تريد شيئاً ما من الانتخابات ولم يتحقق، مثل أن تكون الأكثرية النيابية بيد جهاتٍ تدعمها واشنطن كحزب القوّات وبعض قوى التغيير، إلا أن الأميركيين خرجوا خائبين ونحن أمام مشهدٍ معقد”.

وفي السابع عشر من مايو الماضي قال هيل في مقال نشره موقع “ويلسون سنتر” الأميركي، إن ما ينتظر لبنان في الأيام المقبلة هو حالةٌ من الشلل، مشيراً إلى أنه من الخطأ الاعتقاد أن الانتخابات اللبنانية يُمكن أن تُنتج الحكومة اللازمة لاستعادة الثقة بالحكم وبالشؤون المالية وغير المالية للبلاد.

ومنذ عام 2019 يعاني لبنان من أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، حيث سجلت عملته المحلية الليرة انهياراً كارثياً تزامناً مع شحّ في الدولار انعكس شحاً في السلع الأساسية التي تراجعت القدرة على استيرادها، إضافةً إلى هبوط حاد بالقدرة الشرائية لدى اللبنانيين.

2