نهاية دار الصيّاد تجهض الآمال في انفراج أزمة الصحافة اللبنانية

الأزمة المالية جزء من مشكلة أكبر نتجت عن غياب المهنية، والحكومة تكتفي بدعوة الصحف إلى الاستسلام لواقعها الرقمي.
السبت 2018/09/29
المطبوعات اللبنانية تختفي من المشهد واحدة تلو الأخرى

بيروت – أعلنت دار الصيّاد المالكة لصحيفة “الأنوار” وعدد من المجلات الفنية والمنوعة، التوقف عن الصدور بدءاً من الاثنين المقبل، في خطوة تأتي بعد سلسلة قرارات مماثلة اتخذتها صحف أخرى في لبنان جراء أزمات مالية.

وأوردت صحيفة الأنوار في إطار نشرتها على الصفحة الأولى من عددها الجمعة “قررت دار الصياد أن تتوقف الأنوار عن الصدور اعتباراً من الاثنين المقبل، إضافة إلى توقف جميع المجلات الصادرة عن الدار”.

وبررت الصحيفة التي تأسّست في العام 1959 القرار بـ”الخسائر المادية” التي قالت إن “كل من يتابع أوضاع الصحف الحرة المستقلة” يعلمها.

وجاء إعلان الصحيفة ليؤكد مخاوف الموظفين في دار الصيّاد الموزّعين بين تقنيين وصحافيين، وعددهم قرابة 80 موظفاً، بعد أن تناقلوا في المدة الأخيرة خبراً يفيد بأنّ الدار ستقفل أبوابها خلال أيام.

وكان الخبر قد انتشر بين العاملين بشكل سريع، من دون أن يؤكّده آل فريحة القائمون على الدار ولم توزّع رسالة إلكترونية للموظفين تنفي الخبر أو تؤكّده.

وتأسّست دار الصيّاد على يد الكاتب والصحافي سعيد فريحة. وتصدر عنها حالياً تسع مطبوعات أبرزها جريدة الأنوار ومجموعة مجلات هي: الصياد وفيروز والفارس والدفاع العربي، ومجلة الشبكة التي تعنى بأخبار الفن والمجتمع والموضة وكانت من بين المجلات الرائدة في لبنان حتى الأمس القريب.

مبيعات دار الصياد تراجعت بموت سعيد فريحة، وكانت تصدر عنها تسع مطبوعات أبرزها جريدة الأنوار ومجلة الشبكة

ووصف بعض العاملين الخبر بـ”أنه مؤسف وحزين لأن الدار لها مكانة تاريخية مهمّة في الذاكرة الإعلامية اللبنانية وخرّجت أجيالاً من الصحافيين، وهي أشبه بإمبراطورية”.

ويشهد قطاع الصحافة في لبنان أزمة متمادية ترتبط أساسا بتوقف التمويل الداخلي والعربي إلى حد كبير، فضلا عن ازدهار الصحافة الرقمية وتراجع عائدات الإعلانات، حسب ما يؤكده اختصاصيون وعاملون في المجال، ما دفع مؤسسات عدة إلى الاستغناء عن صحافيين وموظفين يعملون فيها منذ عقود.

ويأتي قرار دار الصيّاد التوقف عن إصدار مطبوعاتها بعد أربعة أشهر من إقفال صحيفة “الحياة” العريقة مكتبَها في بيروت حيث تأسست قبل أكثر من سبعة عقود، جراء أسباب مالية.

وتوقفت صحيفة “السفير” اللبنانية الواسعة الانتشار في لبنان والعالم العربي نهاية العام 2016 جراء مصاعب مالية بعد 42 عاماً على تأسيسها.

وقال طلال سلمان مؤسس ورئيس تحرير السفير قبل أشهر من توقف جريدته عن الصدور “لم تمر الصحافة في لبنان الذي لطالما كان رائداً على الساحة الإعلامية العربية، بأزمة بهذه الشدة من قبل. إنها أسوأ الأزمات على الإطلاق”.

وتعاني صحيفة “النهار” الأعرق في لبنان (تأسست عام 1933) من أزمة مالية كبرى، وكذلك صحف ومحطات تلفزيون، بينها مؤسسات تابعة لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.

وقررت صحيفة النهار الاستثمار في موقعها الإلكتروني لانتشال الصحيفة من أزماتها، فأطلقت في أبريل 2017 تصميما للموقع إلى جانب خدمة “بريميوم” التي تؤمّن محتوى ومواد متنوعة للقراء مقابل رسم اشتراك مالي من أجل التمكّن من الإطلاع عليها وقراءتها. وتوفّر هذه الخدمة للمشتركين قراءة مقالات النسخة الرقمية من جريدة النهار، وتصفّح نسخة الصحيفة بصيغة “بي.دي.أف”، وقراءة التحليلات والملفات الخاصة في الموقع، والاستفادة من محتوى الجريدة كافة.

ويرى متابعون أن أزمة الصحافة اللبنانية لا تتعلق فقط بتراجع التمويل والإعلانات، إذ أن مسألة التوريث وضعت صحفا عريقة في أيدي أشخاص لا علاقة لهم بالإعلام، وآخر العراقيل إطار قانوني هش لا يضمن حقوق الصحافيين بقدر ما يحمي حقوق المالكين.

وتراجعت مبيعات دار الصياد بموت سعيد فريحة، ونفس المصير وصلت إليه “الحوادث”و”الكفاح العربي”.

Thumbnail

وهذا ما حدث لمجموعة المؤسسات الإعلامية “ألف ليلة و ليلة” التي كانت تابعة لنقيب المحررين الراحل ملحم كرم الذي اختلف ورثة مؤسساته بعد وفاته وأقفلوها دون دفع مستحقات العاملين والصحافيين وهو ما كان سببا في تشريدهم إلى حدّ أن أحد الصحافيين -وهو نصري العكاوي- أقدم على الانتحار.

ويدفع الصحافيون الثمن الأبهظ جراء أزمة تمويل وأزمة توريث الصحافة المكتوبة في لبنان فالمئات من الصحافيين وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل و المئات الآخرون يعيشون على وقع التهديد بنفس المصير في غياب هيئات أو منظمات مهنية تدافع عن حقوقهم وتضمن عدم ابتزازهم من قبل أصحاب مؤسسات إعلامية يتصرفون فيها على أنها شركات تجارية ربحية.

ومن غير المتوقع حدوث انفراج للصحافة اللبنانية، بل على العكس يزداد الوضع تدهورا منذ سنوات، وجاء اليوم نبأ إقفال دار الصياد ليؤكد حتمية مصيرها، فحتى لو تم تجاوز الأزمة المالية لن تعود الصحف إلى سابق عهدها جراء ضعف المحتوى الإعلامي الذي تقدمه، فعمليات التسريح التي تطال القيادات الإعلامية بدعوى ارتفاع رواتبها، واستبدالها بعديمي الخبرة وذوي الرواتب المنخفضة ستكون نتيجتها الحتمية انخفاض مستوى الأداء وتراجع قيمة المضمون لصحف صمدت أمام الأزمة المالية لكنها لن تصمد أمام عزوف القارئ اللبناني.

وأمام هذا الواقع تقف الحكومة اللبنانية الغارقة في الأزمات السياسية والاقتصادية، عاجزة عن إيجاد حلول لانهيار الصحافة، بل وصل الأمر إلى دعوة وزير الشؤون الاجتماعية ​بيار بوعاصي، الصحف الورقية إلى الاستسلام ومواجهة مصيرها بإلغاء النسخ الورقية مكتفية بالمواقع الإلكترونية.

وقال​ بوعاصي في تصريحات سابقة، إن “موضوع الصحافة الورقية ليس أزمة لبنانية فقط بل عالمية، وفي لبنان لطالما افتخرنا طيلة عقود بصحافتنا وبنوعية صحافيينا الذين دفعوا ثمن الحرية، ولكن علينا أن نطرح السؤال التالي، إلى متى يمكن أن يستمر الدعم المالي للصحافة الورقية؟ ولذلك يجب إعادة النظر بطبيعة عمل الصحافة والانتقال إلى الصحافة الإلكترونية”.

18