نهاية أيام الإنذار الرئاسي: غزة بانتظار الخطوة القادمة

السبت 2017/04/29

من المفروض أن يوم 25 أبريل هو اليوم الأخير الممنوح لحركة حماس كي تقدم إجاباتها على إنذار الرئيس محمود عباس، ولا شيء يشي بأن موقف حماس الفعلي هو غير ما تقوله وما قالته في الإعلام وعبر الناطقين باسمها، وملخصه أن ما يفعله الرئيس محمود عباس هو مؤامرة تستهدف غزة وتستهدف المقاومة، وأن غزة لن تركع وأن حماس لديها خطط لمواجهة هذه المؤامرة وإفشالها.

كان من المفروض أيضا أن يلقي الرئيس أبومازن يوم 26 أبريل خطابا هاما، لا نعرف ماذا سيحمل بالتخصيص ولكن ربما نستطيع تخمين ما سيقوله في خطوطه العامة، فقد أصبح لدينا الكثير من المعطيات التي يمكننا البناء عليها، ومن خلالها نستشرف ما سيقول بالمجمل ومن ثم ما ستؤول إليه الأوضاع في قطاع غزة.

في مقابلة مع عضو مركزية فتح حسين الشيخ لخص المطلوب من حركة حماس في الإجابة على سؤال يقول “هل تريدون الشراكة أم الانفصال؟” والذي لخص أيضا بالعبارة الشعبية الفلسطينية “يابنشيل يابتشيلوا”، والحمولة هي بالطبع قطـاع غزة، أي أن المقصود هنا هو المسؤولية عن القطاع المحاصر المحمل بالأزمات والمآسي.

المواطن الغزي سيكون الضحية الأولى في هذا الصراع وهذا ليس بجديد عليه فهو الضحية منذ عشر سنوات، ضحية لكافة أشكال الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية بفعل العدوان الإسرائيلي وبفعـل القهر اليومي الذي يعيش، لذلك المواطن الغزي يحيا بلا أمل ويخشى الغد ويحـن للماضي ويكره الحاضر.

الحفرة التي وقع فيها الفلسطينيون بسبب الانقسام لا حل للخروج منها إلا بالوحدة، والوحدة تعني الشراكة الوطنية، خصوصا في ظل عتمة المشهد العربي والدولي المحيط بالقضية الفلسطينية

حماس وخلال السنوات العشر الماضية لم تستطع إيجاد مخارج ذات قيمة لأزمات القطاع الذي تحكمه، وكان مخرجها الوحيد والذي مازالت تستخدمه عند كل أزمة تصيب القطاع هو اتهام السلطة الفلسطينية بأنها تخلت عن القطاع وسكانه، ومن خلال هذه التهمة منعت الناس من الثورة عليها حتى ولو كانت ثورتهم بأقل الأدوات خطرا على حكمها المدجّج بالسلاح، وهي المظاهرات السلمية، المنادية بالحقوق الأساسية كالكهرباء وتسليم المعابر.

التهم من قبل حماس معلّبة وجاهزة لتقمع بها أي رأي مخالف وأهم هذه التهم هي العمالة لرام الله، أو الخيانة والتآمر على المقاومة، وهي تهم كافية لإدخال صاحبها السجن لفترات طويلة.

ويمكننا القـول إن الفتـرة الطويلة الماضية التي امتدت عشر سنوات (2007- 2017) سمحت لحركة حماس ببناء اقتصاد خاص بها من خلال نظام ضرائبي متشدد أو من خلال تجارة الأنفاق على الحدود مع مصر، بالإضافة إلى المساهمة المالية الكبيرة للسلطـة في تمويل حمـاس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال تحمّل حكومة رام الله العبء الأكبر في غـزة والمتمثل في قطاعي الصحـة والتعليم والكهـرباء، ومواصلتها دفع الرواتب كاملة لموظفي السلطة البالغ عددهم 50 ألف موظف يعيلون في الحـد الأدنى ربع مليـون غـزي، وهـؤلاء هم من يحرك القطـاع الخاص من خلال رواتبهم التي تحرك الاقتصاد الغزي بشكل عام، وهي بالتالي التي تجعل حماس قادرة على تحصيل الضـرائب من التجـار وتحـويلها إلى خزينتها وتدفعها لموظفي حكومتها كرواتب أو كموازنات تُسيّر بها مؤسساتها.

كل ذلك من المتوقع أن يتم إيقافه عبر خطاب الرئيس المرتقب والذي قد لا يقول ذلك بصراحة بل بعبارات عامة ويترك التنفيذ والإجراءات لمؤسسات السلطة المختلفة بأن تقوم بعملية فصل أنابيب الدم الذي يزوّد قطاع غزة بالأوكسجين الحيوي الذي يُسير عمل أجهزة حماس الحكومية والاقتصاد الغزي بشكل عام.

ماذا ستفعل حماس حال تم ذلك؟ عدا عن تسيير مسيرات ضخمة وامتطاء خطبائها المنابر في أيام الجمع ويتركون العنان لحناجرهم كي تنظم في أبي مازن أفظع أبيات الشعر في الحديث عن سلطة عباس “الخائنة”. ماذا ستفعل حماس غير ذلك بل على ماذا تراهن حماس إذن؟

سؤال يطرحه أكثر من محلل سياسي واقتصادي، هل تراهن على “خيار شمشون”، أي خيار الحرب مع إسرائيل لقلب الطاولة على رؤوس الجميع؟

ربما ولكن هذا الخيار غير محمود العواقب، فالرؤوس التي ستهشم هي جماجم أطفال ونساء وشيوخ وشباب غزة، والبيوت التي ستهدم هي البيوت الغزية. ولن يهبّ أحد في الإقليم المجاور الكاره لحماس بفعل الأيديولوجيا لنجدتها.

يبقى الغموض الذي يكتنف الموقف الإيراني الذي قد يحتاج حماس في معركته مع الأميركان ومع المحور السني، والذي يقول البعض إن موقف قيادة حماس الجديدة في غزة يُحبذ إعادة بناء العلاقة مع الإيرانيين وحلف الممانعة من جديد. ولكن هذا من باب الاحتمالات، أما في باب الثابت فهما الموقفان التركي والقطري فربما هما المفتاح الذي تراهن عليه حماس والذي قد يُفسر تصلب حماس وتحديها للإنذار الصادر عن الرئيس.

حماس وخلال السنوات العشر الماضية لم تستطع إيجاد مخارج لأزمات القطاع الذي تحكمه، وكان مخرجها الوحيد الذي مازالت تستخدمه عند كل أزمة هو اتهام السلطة الفلسطينية بأنها تخلت عن القطاع وسكانه

ما الذي ستمنحه قطر وتركيا لحماس بعد استفحال الأزمة الإنسانية في القطاع؟

هل هي الدولة الموعودة على ما يُظن، دولة غزة التي سيكون لها ميناء بحري ومطار في شمال القطاع؟

قد يكون ذلك وذلك ليس سرا ولم نكتشفه فجأة بل هو واقع موجود ويُعمل عليه منذ سنوات، وقد تحدث عنه الجنرال السعودي أنور عشقي وتحدث عنه مولود جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي، في معرض حديثه عن الإنجازات التركية أمام الأميركيين في واشنطن، حيث ذكر أن حركة حماس “وافقت على الاعتراف بإسرائيل ووافقت على التفاوض معها ووافقت على نزع سلاحها”.

وقد يسأل سائل، لماذا ذلك ومقابل ماذا تفعل حماس؟ بإمكاننا أن نستنتج أنه مقابل الدولة.

وكذلك فإننا ومن خلال قراءتنا لتصريحات قادة حماس في الآونة الأخيرة التي سبقت تشكيل اللجنة الإدارية للقطاع (وهي القشة التي قصمت ظهر البعير)، فعلى سبيل المثال صرح القيادي محمود الزهار “أن المجلس التشريعي هو الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني” (الغريب أن المجلس التشريعي هو نتاج اتفاق أوسلو الذي لا تعترف به حماس) وكذلك ما سبقه من تصريح لنائب رئيس المكتب السياسي موسى أبومرزوق حول الحاجة لتشكيل فيدرالية ما بين الضفة وغزة كحل نهائي لثنائية الحكم في الشطرين.

وكذلك من ضمن ما يقود إلى دولة غزة هو ما تضمنته وثيقة حماس الجديدة التي تؤكد قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967.

كل ذلك إذا تم جمعه يصب في قبول حماس الدخول في تسوية لها علاقة ببقاء حكمها في قطاع غزة.

ومع أن هذه التصريحات كانت محل استنكار من قبل الفصائل الفلسطينية، إلا أن ذلك لم يغيّر من قناعات حماس بتجاوز مؤسسة الحكومة الشرعية ومنظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني. إذ كيف يمكن أن تقام دولة فيدرالية تحت الاحتلال؟ وكيف يكون المجلس التشريعي هو الممثل الشرعي والوحيد وهذا التمثيل في معناه البعيد أن حماس هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني فكلمة المجلس ليست إلا غلافا للمعنى الأبعد؟

بالطبع لا يمكن تصور حل كهذا يقينا إلا وفق مفهوم الدولة المؤقتة الإسرائيلي والمتضمن دولة في قطاع غزة وحكما ذاتيا في الضفة، وهو ما نصح الجنرال السعودي أنور عشقي الأطراف الفلسطينية بالقبول به كحل مؤقت، وقد صرح به علنا في عدة لقاءات، وهو ما يعني أن الرباعية العربية أو بعضها تقبل بهذا الحل وتضمر غير ما تبطن.

وما يضيف إلى هذا التحليل مصداقية هو أن صحيفة هآرتس سرّبت خبرا مفاده أنه إذا نفذ أبومازن تهديداته لحماس وانفصل عن غزة فعليا ووصلت الأمور فيها إلى وضع كارثي، فإن إسرائيل تدرس تحويل أموال المقاصة إلى جهة ما سيادية في غزة؟ وهذا يشير إلى أن إسرائيل ستدخل على خط الأزمة لأن الانفجار الغزي سيكون في وجهها.

ولكن أين القيادة الفلسطينية والرئيس أبومازن من كل هذا؟ ولماذا هذه الاستفاقة المتأخرة؟ وماذا سيفعل في مقابل ذلك؟ كيف سيُطلق قطاع غزة عن الضفة الغربية؟ وهل تمكن إقامة دولة في الضفة التي زرعتها إسرائيل بالمستوطنات وبأكثر من سبعمئة ألف مستوطن وتسميها يهودا والسامرة حال الانفصال عن غزة؟

بالطبع لا، إلا إذا قبلت القيادة بمشروع دولة الـ38 كانتون اليهودي العربي في فلسطين التاريخية باستثناء قطاع غزة، وهذا مستحيل.

أين سيكون مصير المشروع الوطني الفلسطيني بعد كل هذا؟ وكيف تتوقع القيادة انهيار حكم حماس خلال السنة الحالية التي سماها الرئيس محمود عباس بعام الدولة الفلسطينية؟

الكل الفلسطيني في مأزق، رغم اختلاف المسميات السياسية ومواقع الجغرافيا.

ما لم يُحل خلال عشر سنوات مضت لا يكفي إنذار متأخر لحله، سيبقى الفلسطينيون يراوحون مكانهم، وستبقى الاجتهادات، ولكن كل يوم يمر يتبدد الأمل لدى قطاعات أكبر من الشعب الفلسطيني.

الحفرة التي وقع فيها الفلسطينيون بسبب الانقسام، لا حل للخروج منها إلا بالوحدة، والوحدة تعني الشراكة الوطنية، الشراكة في المأزق الحالي يجب أن تقود إلى التعاون في إيجاد مخرج منه، خصوصا في ظل عتمة المشهد العربي والدولي المحيط بالقضية الفلسطينية.

المطلوب أن تمر هذه الأيام دون أن تتنازل القيادة الفلسطينية أكثر ودون أن ننحني حد الركوع. فدونالد ترامب لا يقدم حلا بل يُقدم شروطا استسلامية لا يمكن لأي قائد فلسطيني القبول بها.

كاتب وباحث وأكاديمي فلسطيني

9