نهاد السامرائي لـ"العرب": حولت لوحات نصير شمه إلى أزياء عالمية تجسد نسيج ثقافات

هناك خيط سري يربط بين مختلف الفنون وقليلون هـم مـن يدركون سره ويستطيعـون التحكم به وتوجيهه لإنتاج أعمال تتشابك فيها الفنون وتتكامل حتى تلك التي تبدو متباعدة، الكاتبة ومصممة الأزياء العراقية نهاد السامرائي تمكنت من ذلك عبر اشتغالها على لوحات الموسيقي العراقي نصير شمه. "العرب" تحاورها في استكشاف لتلك العوالم وخفاياها.
بخطوات واثقة، تبدع الكاتبة ومصممة الأزياء نهاد السامرائي، بالتعاون مع الفنان والموسيقار العالمي نصير شمه في مشروع استثنائي غير مسبوق، في تحويل 70 لوحة فنية من أعماله إلى قطع أزياء فريدة تنبض بجمالية الشرق وسحره وتعكس تنوع ثقافاته في تصاميم مبتكرة تحمل روح العصر بلمسة أنثوية مبدعة تنسج خيوط الأصالة في أبهى صورها.
ولا يقتصر هذا المشروع على عالم الموضة والأزياء فحسب بل يمتد ليشمل تصميم قطع أثاث فنية ومجوهرات مستوحاة من لوحات الفنان نصير شمه في تناغم جمالي يمزج بين التراث والحداثة بانسيابية وذوق رفيع من خلال لغة بصرية جديدة تجسد الهوية الثقافية الشرقية بروح معاصرة.
في هذا الحوار الحصري، تكشف نهاد السامرائي عن تفاصيل هذه التجربة متعددة الأبعاد، التي تمثل محطة مهمة في مسيرتها الفنية، كما تستعرض رؤيتها الطموحة لفتح آفاق جديدة للتواصل بين الفنون الجميلة وفن الأزياء، والثقافات المختلفة، عبر مشروع يعيد قراءة الفن التشكيلي بوصفه تعبيرا بصريا حيا ينبض بالألوان والرموز والمعاني، ويترجم الموسيقى كنبض روحي يتجاوز الزمن، يصوغ اللحظات عبر الإيقاع والنغم، فيما يقدم تصميم الأزياء كفن تعبيري يجمع بين الشكل والملمس والوظيفة، ليحمل رسالة ثقافية وجمالية عالمية.
تكامل الفنون
السامرائي لا تقدم مجرد عرض أزياء بل رسالة تسلط الأضواء على العراق وفنه وثقافته لتعيد إبرازها في المشهد العالمي
تقدم نهاد السامرائي نفسها لـ”العرب” قائلة، “أنا نهاد واثق السامرائي، مصممة أزياء وكاتبة عراقية. درست الترجمة الفورية وتخصصت فيها في المملكة المتحدة. أنا ابنة الفنان المسرحي والمعماري الراحل واثق السامرائي، أحد رواد الحركة المسرحية في دولة الإمارات العربية المتحدة. ولدت في 13 سبتمبر 1974 في إمارة أبوظبي، بدأت مسيرتي المهنية في قطاع النفط، حيث عملت مع شركة أدنوك وشركة الاستثمارات البترولية الدولية (IPIC) في أبوظبي. لاحقا، انتقلت إلى عالم تصميم الأزياء، وأسست في المملكة المتحدة دار بلاك كراون ليبل (علامة التاج الأسود) في عام 2020، التي تعنى بتقديم تصاميم أزياء متفردة تجمع بين الأصالة والحداثة.”
وتضيف “في عام 2024، أصدرت كتابا بعنوان ‘رحلة الواثق‘ بجزئيه الأول والثاني، الذي يوثق سيرة والدي واثق السامرائي وتجربته الرائدة في تأسيس المسرح الإماراتي في الستينات. جرى توقيع الكتاب في مكتبة محمد بن راشد في دبي، بحضور شخصيات ثقافية وإعلامية بارزة، كما شاركت في إعداد كتاب ‘المسرح في الإمارات.. تجربة واثق السامرائي في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين‘، الصادر عن الهيئة العربية للمسرح، والذي يوثق سيرة والدي منذ وصوله إلى دبي في 22 أبريل 1963، ودوره البارز في تأسيس وتطوير الحركة المسرحية في الإمارات من خلال عروضه في إماراتي الشارقة ودبي. بهذا المسار، أحرص على توثيق إرث عائلتي الثقافي والفني، وأسعى إلى إظهار التزامي العميق بالفن والثقافة في كل من الإمارات وبلدي الأم العراق.”
تتحدث السامرائي عن تعاونها مع الفنان والموسيقار نصير شمه في إعادة تعريف العلاقة بين الفن التشكيلي، والموسيقى، وتصميم الأزياء، تقول، “هي تجربة فريدة تعد الأولى من نوعها عربيا وعالميا، حيث شهد عالم الموضة عرض أزياء غير مسبوق، يعتمد بالكامل على لوحات فنية كمصدر وحيد للإلهام والتصميم. سبعون لوحة فنية تحولت إلى سبعين فستانا، في احتفاء استثنائي باللون باعتباره حياة، وحركة، وثقافة. العرض كان بمثابة جسر بصري يربط بين ثقافات متعددة، كالعربية والهندية واليابانية والكردية وغيرها، يتوسطها اللون كرمز إنساني وجمالي يتجاوز الحدود، ما يميز هذه التجربة حقا هو أنها المرة الأولى التي يقام فيها عرض أزياء يعتمد كليا على أعمال فنان واحد، فتحولت اللوحات إلى أقمشة تنبض بالحياة. هذا العرض لم يكن مجرد حدث للأزياء، بل ولادة وعي جديد يوسع وظيفة اللوحة ويعولم جمالياتها، لتصبح الأزياء وسيلة تعبير عن جوهر المرأة وإبراز قيمتها الإنسانية والثقافية.”
وتواصل حديثها عن نوع الأقمشة التي اخترتها لتحمل طبعات ألوان وزخارف لوحات الفنان نصير شمه، تقول “اخترنا بعناية أقمشة التفتا والشيفون، والحرير الطبيعي، بالإضافة إلى أنواع مبتكرة من الخامات، لأنها تمتاز بمرونتها وقدرتها على إبراز التفاصيل الدقيقة للألوان والزخارف وتضفي على التصاميم لمسة فنية تليق بقيمة الأعمال التي استلهمناها.”
أما عن المراحل الأولى لتقديم العروض الخاصة بتصاميم الأزياء وأمكنتها، فتلفت المصممة إلى أن أول حدث وعرض أزياء لمجموعة مختارة من الشخصيات العالمية سيقام في جزيرة العالم يوم 11 يونيو، يليه بعد أيام العرض الأكبر في قاعة أجندة بدبي يوم 15 يونيو، بحضور نخبة من الفنانين والمثقفين الكبار من العالم العربي ودول عديدة أخرى.
وتضيف “يعد هذا العرض الأول من نوعه عالميا، سواء من حيث عدد القطع المعروضة أو لكونه عرض أزياء يقام في جزيرة بعد ذلك، سينتقل العرض إلى محطات عالمية، بدءا من مدينة العلمين الساحرة، ثم إلى لندن، وباريس، وميلانو، ومتحف اللوفر في أبوظبي، إضافة إلى قطر، وطوكيو. ومن بين أهم هذه المحطات، سيكون العراق، حيث ستكون هذه المرة الأولى التي أزور فيها العراق وسيقام هناك أكبر وأضخم عرض أزياء في العالم، وهو حدث استثنائي سأشارك فيه إلى جانب الموسيقار العالمي نصير شمه، في تجربة تجمع بين الفن والموسيقى والموضة في آن واحد.”
حول تأثير عرض هذه التصاميم في عواصم الموضة العالمية مثل لندن، وباريس، وميلانو، وطوكيو، تتوقع السامرائي أن يكون إيجابيا جدا سواء من حيث الفكرة أو التنفيذ. فالمشروع، كما تؤكد، يعد سابقة في عالم الموضة، حيث يترجم إبداع فنان واحد وهو الفنان والموسيقار نصير شمه إلى تصاميم أزياء كاملة، بشكل دقيق يعكس روحه وأفكاره. وتصفه بأنه سيكون بمثابة “صرخة” جديدة في عالم الموضة، خاصة عندما تأتي من شخصيتين عراقيتين، تحملان هذه الرؤية للعالم.
نسأل نهاد السامرائي ماذا يعني لها تقديم أول عرض أزياء لها في العراق، وطنها الأم برفقة الفنان نصير شمه؟ فتجيبنا، “أنا متحمسة جدا، لأن العودة إلى العراق وتقديم هذا المشروع العالمي يحمل بالنسبة إلي معنى خاصا. سيكون العرض استثنائيا بكل المقاييس في عالم صناعة الأزياء، حيث سيكون العراق، وتحديدا عاصمته بغداد، أول بلد في العالم يستضيف عرضا يضم 100 قطعة فنية مصممة بأسلوب عالمي، مستوحاة بالكامل من أعمال فنان واحد هو الموسيقار والفنان القدير نصير شمه، لتتحول لوحاته إلى تصاميم أزياء تنبض بالإبداع، والفن، والجمال، بالنسبة إلي، ستكون تلك اللحظة استثنائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فهي ليست مجرد مشاركة في عرض أزياء، بل رسالة تسلط الأضواء على العراق، والفن والثقافة فيه، لتعيد إبرازها في المشهد العالمي بشكل يليق بتاريخ العراق وإبداعاته.”
مرآة للقيم
ما يميز هذه التجربة حقا هو أنها المرة الأولى التي يقام فيها عرض أزياء يعتمد كليا على أعمال فنان واحد
في ظل التطور التكنولوجي المتسارع والاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي، نسأل المصممة العراقية كيف ترى تأثير هذه التقنيات على فن تصميم الأزياء وابتكار الألوان وأشكال الأقمشة، وكذلك في رسم اللوحات وتأليف الألحان الموسيقية؟ وهل تعتقد أن هذه الأدوات قد تشكل تهديدا للأصالة واللمسة الإنسانية التي تعبر عن مشاعر الروح في هذه الفنون الراقية؟ فتقول “أنا مع فكرة الاستفادة من الذكاء الصناعي، لكنني أرى أن له حدودا معينة. الذكاء الصناعي لن يدخل بنسبة كبيرة في الأعمال الفنية، لأن الفن يتطلب دائما تلك اللمسة الإنسانية التي تعبر عن روح الفنان ومشاعره وأفكاره، الذكاء البشري هو الذي يسخر الذكاء الصناعي لخدمة الإبداع، وليس العكس. أؤمن أن الذكاء الصناعي أداة، لكنه لا يمكن أن يحل مكان الإنسان بالكامل.”
أما عن مشروعها المستقبلي لتوظيف لوحات الفنان نصير شمه في تصميم الأثاث؟ فتقول لـ”العرب”، “بدأنا بالفعل العمل على توظيف رسومات الفنان نصير شمه في تصميم الأثاث. أعمل حاليا على تصميم قطعة أثاث تجمع بين التراث والحداثة، إلى جانب مشروع لتصميم الأواني والخزفيات والمجوهرات. جميع هذه التصاميم مستوحاة بالكامل من أعمال الفنان نصير شمه، لتعكس روح إبداعه في أشكال فنية جديدة.”
وعن الرسالة الجمالية والثقافية التي تسعى لإيصالها من خلال هذا المشروع، تقول نهاد السامرائي “رسالتي هي إبراز الهوية الثقافية والفنية للمرأة العربية في قالب معاصر، وإحياء التراث بروح متجددة، مع تقديم صورة متكاملة تعبر عن الحشمة، والجمال، والقيافة، والأناقة التي تحملها المرأة العربية. أسعى لأن تكون تصاميمي مرآة لهذه القيم وأن تمثل المرأة العربية بكل ما تحمله من أصالة، وعزة، وفخر، ورفعة وجمال.”