نهاد أبوالقمصان مصرية تكسر الصورة النمطية للناشطة النسوية

حقوقية وإعلامية تدخل البيوت بحكايات إنسانية شيقة.
الأحد 2021/09/12
صوت نسوي متزن

هناك اعتقاد خاطئ ينتشر في مجتمعاتنا العربية يتصور أن كل ناشطة نسوية هي بالضرورة زوجة صعبة، وربما منفصلة أو مُطلقة، وباختصار شديد هي إنسانة فاشلة زوجيا، ومثل هذا الاعتقاد يجد له العديد من المُساندين في المناقشات الافتراضية، انطلاقا من أن “الفيمنست” ليست مجرد داعمة لحقوق المرأة، وإنما هي خصم دائم للرجل، وعدوّ مُعلن له على طول الخط.

لكن هناك بعض الشخصيات النسوية التي كسرت الصورة النمطية لـ ”الفيمنست“. فهناك نساء برزن عمليا في مجال دعم قضايا المرأة، وقفن فعليا إلى جوارهن، تحركن في المجتمع بقوة وفاعلية في سبيل إنصافها، ومثّلن في الوقت ذاته نماذج مثالية لزوجات ناجحات يتمتعن باستقرار اجتماعي واضح.

نهاد أبوالقمصان الناشطة والحقوقية المصرية واحدة منهن، فهي تجاوزت تماما الصورة التقليدية الداعمة المرأة، الحادة، المتقدة، عدوة الرجال، ونجحت في الدخول إلى العديد من البيوت بخطاب إنساني رقيق، وحكي واقعي شيق.

 بشكل تصاعدي صار لدى السيدة خفيفة الظل، قوية الحضور، شريحة كبيرة من الجمهور تقترب من مليون شخص، فضلا عن تخصيص برنامج أسبوعي لها في فضائية “القاهرة والناس” بعنوان “حكايات نهاد” يتابعه ويتفاعل معه عشرات الآلاف من النساء والرجال على السواء.

الحب والسياسة

شريحة كبيرة تقترب من مليون متابع، تهتم بما تقدّمه أبوالقمصان في برنامجها "حكايات نهاد"
شريحة كبيرة تقترب من مليون متابع، تهتم بما تقدّمه أبوالقمصان في برنامجها "حكايات نهاد"

لا شك أن ارتباط الناس بالناشطة الحقوقية كصوت نسوي متزن وصاحب رؤية عاقلة توثق أكثر بعد رحيل زوجها الحقوقي البارز حافظ أبوسعدة، الرئيس السابق للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، بمرض كورونا خلال شهر نوفمبر الماضي، وسردها لتفاصيل حبهما وذكرياتهما الجميلة معا، وهو ما مثل نموذجا لقصة حب ملهمة لأجيال جديدة من الزوجات في العالم العربي.

لم تقف شهادة أبوالقمصان بشأن زوجها الراحل عند حد استعراض قصة زواجهما وإنما امتدت لحكي لحظات الألم والانكسار والظروف القاسية التي تعرضا لها، إذ بدأت علاقتهما وهو سجين ومتهم في قضية محاولة قلب نظام الحكم في مصر سنة 1989 فيما عرف بالتنظيم الناصري المسلح، وتزوجا بعد فوزه بالبراءة وإصراره على العمل في المجال الحقوقي رغم المخاطر المترتبة على مثل هذا التوجه.

يبدو أن الاختلاف في التوجه السياسي بين نهاد وحافظ كان دافعا لترسيخ فكرة قبول الآخر والإيمان الحقيقي بالرأي المخالف والتي آمن بها كلاهما، فقد كانت ميول الفتاة المقبلة على الصعود في عالم الحقوق أقرب إلى مبادئ حزب الوفد الليبرالي صاحب التاريخ المعادي للرئيس الراحل جمال عبدالناصر وأفكاره في مصر.

أبوالقمصان تتجاوز الصورة التقليدية الداعمة المرأة، الحادة، المتقدة، عدوة الرجال، ونجحت في الدخول إلى العديد من البيوت بخطاب إنساني رقيق، وحكي واقعي شيق

كان والدها رافضا الزواج من أساسه انطلاقا من رفضه للتوجه السياسي لحافظ، وحرصه على مستقبل ابنته، لكنه رضخ في النهاية أمام إصرارها وتأكيدها أنها لن تتزوج غيره.

انطلق اختيارها لأبي سعدة من فهمه لعقلها واحترامه للمرأة بشكل عام، وهو ما دفعها أن تقول عنه في نعيها له حين وفاته  “حب عمرى وأبو أولادي وأعظم رجل رأيته وعشت معه واستندت عليه الدكتور حافظ أبوسعدة، المحامي والمناضل الحقوقي لبى نداء ربه.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. ادعو له ولنا”.

ودعاها ذلك أيضا أن تذكره كثيرا في حكاياتها وهي تقدم نصائح للزوجات والأمهات فتقول مثلا عنه في إحدى المرات “عشت معه ألف حياة. متُّ على صدره آلاف المرات، عانقته عناق الأطفال. انفعلت، فهدّأ روعي. تمردت كثير وأعطاني مساحتي“.

وهي في الوقت ذاته مثال ناجح لأم استطاعت التوفيق بين متطلبات عائلتها، وطموحاتها الذاتية فكثيرا ما تشير إلى مواقفها مع أبنائها الثلاثة إياد، جميلة، وسهيلة، الذين صاروا صورة جيدة لعائلة عصرية راشدة.

لذلك تقول في إحدى الحوارات الصحافية عنهم “هناك فارق في السن بين أبنائي الثلاثة، ما منحني فرصة لتربيتهم بشكل جيد إلى جانب خططي العملية، وعلاقتي معهم دائماً في إطار من الصداقة، لكن هناك قواعد لا يمكن تخطيها. أوّلاً: تخطينا المفهوم الشائع  بأن الأم هي التي تقوم بكل الأعمال المنزلية بمفردها، لذا فلكل فرد من أفراد الأسرة أن يساهم في هذه المسؤوليات، وثاني قاعدة هي أن الرياضة أساس في حياة الأسرة، ولهذا مارس الأولاد كل أنواع الرياضة منذ دخولهم المدرسة، إلى أن تخصص كل منهم في رياضة بعينها، مع التزام الجميع بمبادئ الصدق والوضوح والاحترام المتبادل”.

حضور دولي

نجاح أبوالقمصان وراء حصولها على وسام الاستحقاق الإسباني الذي قلدتها إياه الوزيرة آرنشا غونزاليس لايا
نجاح أبوالقمصان وراء حصولها على وسام الاستحقاق الإسباني الذي قلدتها إياه الوزيرة آرنشا غونزاليس لايا

سارت أبوالقمصان المولودة في أسرة متوسطة متعلمة سنة 1971 في طريق مواز لطريق زوجها إثر تخرجها في كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1992، إذ شاركت في تأسيس مشروع المساعدة القانونية للنساء سنة 1994 ثم تأسيس ملتقى الهيئات لتنمية المرأة في العام التالي، وفي عام 1996 شاركت في تأسيس المركز المصري لحقوق المرأة والذي تترأسه حاليا.

التحقت مبكرا إلى جانب ممارسة مهنة المحاماة، بالعمل في برامج ومبادرات للبنك الدولي والأمم المتحدة، وهي المرأة المصرية الوحيدة التي جمعت في العمل بين المؤسستين الدوليتين في آن واحد وعمرها لم يتجاوز 27 عاما.

كانت تُدرك أن نظرة المجتمع الذي مهما بدا متطورا ومتمدنا مازال محكوما بتصورات شرقية تغلب عليها الذكورية، تجاه أيّ سيدة تعمل في دعم حقوق المرأة، وهي نظرة استنكارية، شديدة السلبية. لكنها بوعي وفهم وقدرة على استيعاب الآخر وممارسة التأثير التدريجي في المجتمع خاضت التجربة مُسلحة بثقافة دينية واسعة، واطلاع ناضج على مدارس الفقه المتنوعة، وسعت إلى مواجهة طروحات الذكورية برؤية حضارية مستندة إلى جوانب من التراث الديني. فكما استخدم المعادون للمدنية بعض نصوص الدين، بتفسيراتهم الذكورية لقهر المرأة، فقد مارست نهاد اللعبة ذاتها بتقديم تفسيرات أخرى للنصوص الدينية تتفق مع حقوق المرأة.

وبدا نشاط الحقوقية المصرية مؤثرا وفعالا مع تحولها لكاتبة رأي من خلال مقالات دورية ثابتة في الصحف، انطلقت جميعها من مقاومة كافة الظواهر المُسيئة للمرأة من تحرش، ختان، إجبار على الزواج، وأي ممارسات تمييز جندرية في العمل والحياة. وفي زمن الميديا المتطورة، والأكثر تأثيرا سعت للإطلال عبر منصات أخرى، أبرزها الإذاعة من خلال برنامج شيق قدمته سنة 2016 بعنوان “هي وأخواتها”.

مع تحول صفحات التواصل الاجتماعي إلى جزء يومي في حياة الناس بدأت نهاد تستقبل آراء الأسر والنساء وأطياف مختلفة من المجتمع ومشكلاتهم، وترد عليها وتستعرض المتكرر منها لتقديم وصايا مجتمعية تستهدف تحقيق الاستقرار الاجتماعي.

الحياة والإخوان

الناشطة النسوية السياسية ترى أن جماعة الإخوان المسلمين حاولت السيطرة على المجتمع من خلال النساء تحت لافتات ظاهرها ديني مثل “الحجاب فريضة“ الذي تحوّل في تصورها إلى رمز سياسي في المنطقة العربية

هي ممن يؤمنون بأن الشدة تزيد الإنسان صلابة، وتقول عن ذلك “كل تجربة سيئة في حياتي خرجت منها أقوى، فتجربة اعتقال زوجي وتجربة استقالتي من مناصب كبيرة، وأنا مدينة لكل من عرقل مسيرتي في حياتي لأنه أفادني ولم يضرّني”.

من آراء الناشطة النسوية السياسية أن جماعة الإخوان المسلمين حاولت السيطرة على المجتمع من خلال النساء تحت لافتات ظاهرها ديني مثل “الحجاب فريضة”، وفي تصورها أن الحجاب تحول إلى رمز سياسي في المنطقة العربية وشكل من أشكال هيمنة التيارات الدينية على المجتمع، لذا فقد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة محاولات مستميتة لفرض الحجاب بشكله الإخواني على النساء، لكن النساء وضعن تصورا مختلفا وطبقنه فصار الحجاب أشبه بزينة توضع على الرأس فقط.

في اعتقادها أن إنصاف المرأة من مهام الدولة في الأساس، لأن القانون في أيّ مجتمع يضبط الحقوق وينتصر للضعيف، وهو دور منوط للدولة ومؤسساتها القيام به، ومثل هذا الدور لا بد أن تكون معه آليات تحكم وتنفيذ عملية وواقعية، وإذا تم تطبيق القانون بصرامة فسوف تنضبط ثقافات الناس وسلوكياتهم، فمن أمن العقاب أساء الأدب.

جرائم ناعمة

Thumbnail

 ترى أن الزواج المبكر للنساء جريمة ناعمة، تتعرض فيها حيوات بعض الناس للخطر، ويتسبب في مشكلات كبيرة للغاية بين الأسر، خاصة حال الانفصال والطلاق، إذ لا تحصل المرأة على حقوقها في الوقت الذي لا تكمل فيه تعليمها نتيجة الزواج المبكر. وهي من نصيرات عدم إخفاء الجرائم المشينة تجاه المرأة، لأن مصلحة المجتمع تكمن في التعريف بما يدور في طبقاته السفلى من ظواهر وجرائم، لذا فهي تعتبر أن جريمة التحرش تنضج وتتسع حال الصمت عليها، وتخفت وتنحسر مع التصريح والإعلان بها وملاحقة الجناة دون خجل.

وتكرر أن التحرش لا يجب أن يثير خجل الضحايا، إنما هو يشين المرتكبين للإثم وحدهم، “الجرائم ذات الطابع الجنسي مبنية على صمت الضحايا، والمجرمون فيها جبناء يفرضون السلطة ويراهنون على أن الضحايا لن يتحدثوا”.

ممارسة مهنة المحاماة قدّمت أبوالقمصان إلى العالم، فعملت في برامج ومبادرات للبنك الدولي والأمم المتحدة، وكانت المرأة المصرية الوحيدة التي جمعت في العمل بين المؤسستين الدوليتين في آن واحد وعمرها لم يتجاوز 27 عاما

تطرح أبوالقمصان آراءها دوماً في قضايا أسرية تشغل الناس، مثلما هو الحال في موضوعات المهر والمؤخر وقائمة المنقولات التي صارت “تريند” على صفحات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة بمصر، مستعينة في ذلك بآراء الفقهاء مع طرح رأيها وفق الاجتهاد العصري، فتقول مثلا “إن الأصل عند الأئمة الأربعة في الزواج الشرعي حصول الزوجة على المهر، وهو ركن أساسي من أركان الزواج عند الأئمة، فالزوجة تحصل على المهر لها، والزوج يؤسس البيت بأكمله، وفي بعض المجتمعات تتم مبادلة المهر بكتابة قائمة منقولات”. وتقترح أن يضمن عقد الزواج حال الخلاف تقسيم الممتلكات الزوجية بالنصف بين الزوج والزوجة باعتبار أن قائمة المنقولات من المهر.

وربما كان النجاح والتألق الذي حققته أحد الحيثيات المهمة وراء حصولها على وسام الاستحقاق الإسباني في الخريف الماضي، حيث قلدتها آرنشا غونزاليس لايا وزيرة خارجية إسبانيا الوسام الملكي باسم فيليب السادس ملك إسبانيا، وجاء في نص التكريم أنه يأتي تقديرا للدور الكبير الذى تقوم به لإبراز حقوق الانسان والدفاع عن قضايا المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة السياسية، وأيضا انخراطها في القضايا المناهضة للعنف ضد المرأة والختان، وتأكيدها على أهمية الدور الذي يقوم به المجتمع المدني في مصر.

8