نمو غير مسبوق في قروض صندوق النقد الدولي

واشنطن - زاد صندوق النقد الدولي الائتمان المستحق للدول الأعضاء، وهو مقياس أساسي للأموال التي أنفقها، إلى 151 مليار دولار تقريبا في نهاية فبراير الماضي، وهو مستوى قياسي لم تصرفه المؤسسة طيلة مسيرتها على مدار قرابة ثمانية عقود.
وأعلن الصندوق عن هذا الرقم بوصفه 113 مليار وحدة من أصول الاحتياطي النقدي، التي يطلق عليها اسم "حقوق السحب الخاصة”، وفق حسابات وكالة بلومبرغ استنادا على بيانات المؤسسة.
ويبرهن بلوغ الائتمانات هذا الحد على الدور المتنامي لهذه المؤسسة التي تضم مئة بلد، بوصفها أداة أساسية لمساندة الدول في مواجهة المخاطر المالية والسياسية بعد أزمة وباء كورونا.
ونظرا إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض والصراعات اضطر الصندوق إلى التصدي للمزيد من الأزمات الاقتصادية، بما فيها أزمات كبرى في كل من أوكرانيا ومصر وبلدان أخرى في أفريقيا علاوة على الأرجنتين وباكستان.
ومن المرجح أن يزيد مبلغ القروض بدرجة أكبر بعدما ينتهي الصندوق من زيادة حجم دعمه لمصر إلى 8 مليارات دولار، والذي من المرجح أن يتم هذا الشهر، ما يدفع المبلغ الإجمالي صوب تسجيل رقم قياسي جديد خلال أغسطس المقبل.
وذكر مسعود أحمد، رئيس مركز التنمية العالمية للأبحاث والرئيس السابق لقسم الشرق الأوسط في الصندوق، أنه رغم أن حقبة الوباء انتهت “مازالت الدول تتعرض لضغوط وتوترات”. وأضاف “أصبح العالم أشد خطورة من الناحية الجيوسياسية. كما توجد توترات وصراعات أكثر”.
وتستفيد أكثر من 50 دولة من هؤلاء المقترضين من برامج القروض أو الضمانات النشطة، ما يمثل ربع أعضاء الصندوق تقريبا.
ويقارن هذا الرقم بنحو 90 دولة خلال ذروة الوباء، ومعظم تلك البرامج عبارة عن قروض طارئة صغيرة دون فوائد، وهو ما يمثل الرقم الأعلى على الإطلاق في إطار برامج الاقتراض العادية المقدمة من الصندوق.
وحذرت كريستالينا جورجييفا، مديرة الصندوق منذ 2019، من أن اتساع فجوة الدخل بين الدول الغنية والفقيرة عامل أساسي في تغذية حالة عدم الاستقرار إلى جانب الصراعات.
وقالت في خطاب لها الأسبوع الماضي "نشهد تراجعا في الثقة بين البلدان أيضا، مع تصاعد التوترات الجيوسياسية". وأضافت أن "العالم المتشظي سيكون أكثر فقرا وأقل أمنا"، في إشارة إلى آثار الحرب بين روسيا وأوكرانيا والحرب بين إسرائيل وحماس.
وأبرزت جورجييفا ما قدمه الصندوق من أموال لدعم السيولة بقيمة تريليون دولار، من بينها أموال متاحة دون أن تُستخدم. وعلى سبيل المقارنة، فإن المبلغ المستحق حاليا صغير إلى حد ما، وهو أقل من 0.2 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي الذي يتجاوز 100 تريليون دولار.
ومع ذلك يشكل شهادة على الدور المحوري للصندوق في ضبط وإدارة النظام المالي العالمي الذي وضعته الولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
مع أخذ هذه الجذور بعين الاعتبار لا عجب أن تتقاطع ملفات الكثير من الدول المقترضة من الصندوق، بما فيها أكبر المقترضين وهم الأرجنتين ومصر وأوكرانيا، مع كبرى الأولويات الجيوسياسية لواشنطن.
وأوضح مارك سوبيل المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأميركية أن بلاده تنظر إلى الصندوق بوصفه أداة حيوية لتعزيز أمنها القومي ورفاهيتها الاقتصادية ومصالحها في تحقيق الاستقرار المالي عبر كافة أنحاء العالم.
وأضاف المسؤول الذي أمضى عقدين تقريبا مركزا على مجال السياسة الدولية، لاسيما بصندوق النقد، “ينظر المسؤولون الغربيون وبالتأكيد الأميركيون إلى صندوق النقد على أنه آلية الاستجابة الأولى في مواجهة الأزمات”.
ويشكل دعم أوكرانيا نموذجا مهما في هذا الصدد، إذ يصوت الصندوق على إعادة صياغة قواعده بما يسمح بإقراض دولة في حالة حرب، وهو قرار لم يكن ممكنا إلا عن طريق تأييد الولايات المتحدة، التي تحظى بحقوق تصويت 16.5 في المئة تمنحها حق النقض.
وتمثل قروض مصر والأرجنتين معا، وهما أكبر مقترضين، نحو 58 مليار دولار، أي نصف إجمالي الائتمان المستحق تقريبا. وامتنع صندوق النقد عن تقديم شرح لأولوياته أو تفاصيل القروض.