نمو الاقتصاد التركي ينزلق إلى الركود بفعل التشديد النقدي

الاقتصاد التركي يواجه وضعا حرجا والسياسات المتبعة حاليا من الفريق الجديد لأردوغان لا تزال تنطوي على مخاطر.
السبت 2024/11/30
الأسعار نار

دخلت تركيا في حالة ركود بعدما أدت الفائدة المرتفعة إلى خنق النمو من خلال تثبيط الإنتاج الصناعي والاستثمار في الاقتصاد الذي يبلغ حجمه 1.3 تريليون دولار، وسط حالة ترقب من المحللين ممزوجة بضغوط قطاع الأعمال لتخفيف السياسة النقدية المشددة.

أنقرة - انكمش الاقتصاد التركي بنسبة 0.2 في المئة على أساس ربع سنوي خلال الفترة بين يوليو وسبتمبر الماضيين، مسجلاً بذلك الانخفاض الثاني على التوالي ويؤكد بداية الركود الفني، وفقًا للبيانات الصادرة عن وكالة الإحصاء الحكومية.

وسجلت تركيا نموا سنويا بنسبة 2.1 في المئة خلال الربع الثالث من العام الحالي. وكان خبراء الاقتصاد الذين استطلعت آراءهم وكالة بلومبيرغ يتوقعون توسعًا بنسبة 2.5 في المئة.

وانخفض معدل النمو السنوي بشكل حاد مقارنة بالربع الأول القوي ومتوسط ما قبل وباء كورونا الذي تجاوز 5 في المئة. وقالت سيلفا بحر بازيكي من بلومبيرغ إيكونوميكس في مذكرة قبل البيانات “بالنظر إلى المستقبل، من المرجح أن يظل النمو ضعيفًا.”

وتظهر البيانات أن إنفاق الاستهلاك المنزلي زاد بنسبة 3.1 في المئة على أساس سنوي، بينما انخفض الناتج الصناعي بنسبة 2.2 في المئة خلال الربع الثالث.

وعانت تركيا خلال العقد الماضي وضعا اقتصاديا متذبذبا، ازدادت حدته في السنتين الأخيرتين، وفق ما يقول محللون إنه كان جراء السياسات الاقتصادية الخاطئة التي انتهجها الرئيس رجب طيب أردوغان.

سيلفا بحر بازيكي: بالنظر إلى المستقبل، من المرجح أن يظل النمو ضعيفا
سيلفا بحر بازيكي: بالنظر إلى المستقبل، من المرجح أن يظل النمو ضعيفا

ويحذر مراقبون من أن الاقتصاد يواجه الآن وضعا حرجا، فالسياسات المتبعة حاليا من الفريق الجديد لأردوغان لا تزال تنطوي على مخاطر، في حين أن أي حلّ سيتطلب اتخاذ إجراءات مؤلمة.

وقال أوكان إرتيم، كبير الاقتصاديين في بنك ترك إيكونومي أي.أس “يظل الاستهلاك المساهم الأقوى في نمو الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من انخفاضه على أساس ربع سنوي لربعين متتاليين.”

ويكافح البنك المركزي للسيطرة على التضخم الذي بلغ نحو 49 في المئة من خلال سياسة نقدية متشددة، حيث أبقى الأسبوع الماضي على سعر الفائدة الرئيسي لمدة ثمانية أشهر متتالية، مع الإشارة إلى بدء دورة التخفيف النقدي قريبا، وربما بحلول اجتماع ديسمبر.

وتركت لجنة السياسة النقدية سعر إعادة الشراء لأسبوع واحد ثابتاً عند 50 في المئة، وفق المنصة الإلكترونية للمركزي، وهو ما جاء موافقاً للتوقعات التي رجحت الإبقاء على تكاليف الإقراض عند هذا المستوى.

وأشار المحللون إلى تحول المركزي نحو كفة التخفيف النقدي بحلول 2025، ويعتقد اقتصاديو غولدمان ساكس ومورغان ستانلي أن أولى بشائر خفض الفائدة ستظهر في يناير.

وأدى تشديد السياسة النقدية إلى كبح جماح الإنتاج الصناعي، على الرغم من أن الطلب المحلي لا يزال صامدا جزئيا بسبب قيام الأتراك بتقديم مشتريات بعض السلع لتجنب ارتفاع الأسعار.

◙ 0.2 في المئة نسبة الانكماش في الربع الثالث من 2024 ليبلغ النمو حوالي 2.1 في المئة

وكان أداء الصناعات التحويلية في تركيا ضعيفاً في الربع الثالث، كما تأخر نشاط الأعمال، ولم يتمكن مؤشر مديري المشتريات في قطاع التصنيع بالبلاد من الوصول إلى المستوى الذي يشير إلى التوسع منذ مارس الماضي.

وإلى جانب تباطؤ أحجام الواردات سنويا وربع سنوي يشير هذا إلى أن تركيا تقترب من مستوى الناتج الذي قد يدعم عملية خفض التضخم. وتتوقع بازيكي أن يتباطأ المعدل السنوي لنمو الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 3 في المئة هذا العام والعام المقبل من أكثر من خمسة في المئة خلال عام 2023.

ولا تزال الأسر، التي ساهم إنفاقها بنصف نسبة النمو السنوي البالغة 2.5 في المئة خلال الربع الثاني هذا العام، تبدو إلى حد كبير غير متأثرة بارتفاع تكاليف الاقتراض. وشهدت مبيعات التجزئة نمواً بلغ 4.7 في المئة خلال الربع الثالث بعد تعديلها موسميا.

وقال إركين إيشيك، كبير الاقتصاديين في بنك قطر الوطني، لبلومبيرغ “لم نصل بعد إلى مستوى يدعم خفض التضخم بشكل كبير. ولتحقيق ذلك نحتاج إلى رؤية المزيد من التباطؤ في الاقتصاد.” ويتوقع المركزي التركي أن ينتهي التضخم هذا العام عند 44 في المئة، قبل أن يتباطأ إلى حوالي 21 في المئة بحلول نهاية عام 2025.

أوكان إرتيم: الاستهلاك يظل المساهم الأقوى في دفع النمو رغم انخفاضه
أوكان إرتيم: الاستهلاك يظل المساهم الأقوى في دفع النمو رغم انخفاضه

وألمح المركزي في وقت سابق من هذا الشهر إلى أن خفض أسعار الفائدة قد يكون مبررا قريبًا بسبب تباطؤ التضخم. ومن المرجح أن يكون لسرعة التيسير النقدي المتوقع تأثير حاسم على النمو في الأرباع المقبلة.

واعتبرت سيلفا دميرالب، الأستاذة في جامعة كوتش بمدينة إسطنبول، أن النظرة المستقبلية للتضخم لا تبرر دورة تخفيض مكثفة، وبالتالي من غير المرجح حدوث زيادة كبيرة في النمو العام المقبل “بسبب التخفيض المحدود من قبل البنك المركزي.”

ومع استمرار معدلات الفائدة عند 50 في المئة يزداد سخط الشركات، فقد انضمت مؤخرا مجموعة الضغط المؤثرة موسياد إلى الأصوات المطالبة بخفض الفائدة، داعية إلى خفض “رمزي” الشهر المقبل، مشيرة إلى أن كلفة ممارسة الأعمال أصبحت مرتفعة للغاية.

وقبل أيام تحدث أردوغان، المعروف بمعارضته لارتفاع تكاليف الاقتراض، أيضا عن السياسة النقدية بعد أشهر من الصمت، وبعث رسالة غامضة مفادها أن “كلاً من التضخم وتكاليف الاقتراض سينخفضان.”

وفي الماضي دفع الرئيس التركي البنك المركزي إلى خفض الفائدة، بغض النظر عن التضخم لتعزيز النمو الاقتصادي، وأقال من لم يلتزم بهذا النهج.

ولكن مع اقتراب النقاش حول زيادة الحد الأدنى للأجور للعام المقبل، يتركز الاهتمام بشكل متزايد على الخطوات المالية التكميلية للمساعدة في خفض التضخم.

وأقر وزير الخزانة والمالية محمد شيشمك، الذي يتولى ملف إصلاح الاقتصاد، بأن الأسعار أعلى من المتوقع وأن هناك حاجة إلى خطوات إضافية.

11