نموذج المغرب قادر على امتصاص صدمة الحرب التجارية العالمية

الرباط- يواجه المغرب مثل غالبية دول العالم رسوماً جمركية بنسبة 10 في المئة على صادراته إلى الولايات المتحدة، عقب القرار الذي اتخذه الرئيس دونالد ترامب في إطار سعيه لخفض العجز التجاري لبلاده.
ورغم أن المغرب من الدول التي فُرض عليها الحد الأدنى من الرسوم وهو ما يضعه بين الدول الأقل تضررا منها، لكن القلق يُساور المصدرين بشأن القرار خاصة أن البَلَدين يرتبطان باتفاقية تبادل تجاري حر، وبينهما علاقات دبلوماسية تمتد لحوالي 250 عاما.
ويسجل المغرب عجزاً تجارياً مع الولايات المتحدة بنحو 5 مليارات دولار، وبلغت الصادرات في عام 2023 نحو 1.24 مليار دولار، بينما ناهزت الواردات 5.96 مليار دولار، بحسب بيانات مكتب الصرف، الجهاز الحكومي المعني بالتجارة الخارجية.
وكنتيجة لتواضع التجارة بين البلدين، فإن التأثير الضخم والمباشر لهذه الرسوم مستبعد. ولكن التداعيات غير المباشرة تبرز بالنظر لارتباط المغرب تجارياً بالأسواق الدولية، واعتماده على استيراد عدد من المواد والسلع من الخارج.
وفي أول تعليق رسمي على الرسوم الأميركية الجديدة قال مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، إن “الولايات المتحدة والمملكة المغربية تربطهما شراكة إستراتيجية قوية ومتعددة الأبعاد.”
وأضاف في مؤتمر صحفي عقب اجتماع مجلس الحكومة الخميس “كما تعرفون المغرب هو الدولة الوحيدة في أفريقيا التي لديها اتفاق تبادل حر مع أميركا، وهو أساس قوي لهذه العلاقة.”
وتابع “نحن مستعدون دائماً لتعزيز هذا الاتفاق في إطار دور المغرب كبوابة للتجارة والاستثمار في أفريقيا والعالم العربي.”
وبين البلدين اتفاقية تبادل حر دخلت حيز التنفيذ عام 2006، ويشمل نطاق تطبيقها تجارة المنتجات الزراعية والصناعية وتجارة الخدمات، كما تتضمن جوانب متعلقة بالعمل والسياسة البيئية والصفقات الحكومية وحقوق الملكية الفكرية.
وتشمل الصادرات المغربية نحو السوق الأميركية بالأساس الحوامض والخضار والفواكه، بينما تستورد الرباط أساسا القمح والمشروبات الكحولية والحيوانات الحية والذرة.
ويرى يوسف كراوي، الباحث في الاقتصاد ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، أن النسبة المفروضة على المغرب تبقى غير مرتفعة، ولذا لن يكون هناك تأثير كبير على الصادرات، مقارنة بالرسوم الأعلى التي تواجهها دول أخرى مثل الجزائر وتونس وليبيا.
وقال في تصريح لبلومبيرغ الشرق إن “حجم التجارة بين المغرب وأميركا ليس كبيراً، مُقارنة بالتجارة مع الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الرئيسي للمغرب.”
لكنه أشار إلى أنه يجب على بلاده اتباع الوضع الاقتصادي العالمي، لأن هناك ارتباكاً على مستوى الأسواق الدولية، ما سينعكس على الاقتصاد المحلي مستقبلاً.
ولمواجهة العجز التجاري تسعى الرباط لإعادة تقييم اتفاق التجارة مع واشنطن. فقد سبق أن دعا وزير الصناعة والتجارة المغربية رياض مزور، خلال الحفل السنوي لغرفة التجارة الأميركية بالدار البيضاء العام الماضي، إلى تحقيق توازن تجاري.
وهذا النهج اعتمده المغرب في السابق مع كل من مصر وتركيا بسبب تفاقم العجز التجاري معهما، بغية تحقيق مكاسب ومنافع متبادلة تحمي أعمال القطاعات المحلية.
وتنشط في السوق المغربية أكثر من 150 شركة أميركية، باستثمارات تناهز الملياري دولار، بحسب أرقام للسفارة الأميركية في الرباط. ومن أبرز الشركات فايزر وميرك وكوكا كولا ولير أوتوموتيف وإيتون.
ويعتقد حسن السنتيسي رئيس الجمعية المغربية للمصدرين، أن قرار فرض رسوم على المغرب بالحد الأدنى يحمل إشارة إيجابية وأخرى سلبية.
وقال “تفاجأنا بهذا القرار، لكن الإشارة الإيجابية تتمثل في أن المغرب من الدول التي فُرض عليها الحد الأدنى، أما الإشارة السلبية فتتمثل في اعتماد هذه الرسوم على الرغم من العلاقات الدبلوماسية القوية مع واشنطن منذ الولاية الأولى لترامب.”
وأوضح أن “ما يفعله الرئيس الأميركي أمر طبيعي لأنه يدافع عن اقتصاد بلاده،” مضيفا “لدينا اتفاقية تبادل حر، وبإمكاننا زيادة التصدير إلى السوق الأميركية بشكل كبير من دون أن نتأثر كثيراً بالرسوم الجديدة لأنها غير مرتفعة.”
ومع ذلك لفت السنتيسي إلى أن الإنتاج لا يزال متواضعاً، في وقت يتم فيه التركيز على التصدير إلى الأسواق الأوروبية.
ولدى البلد اتفاقيات تجارة حرة مع أكثر من 50 بلداً، لكنها تسجل في أغلبها عجزاً. ويستحوذ الاتحاد الأوروبي على الحصة الأكبر من الصادرات المغربية بنسبة 66 في المئة، تليه الولايات المتحدة، ثم تركيا، وفقاً للأرقام الرسمية.
وسجل البلد عجزا في الميزان التجاري بنحو 30 مليار دولار خلال العام الماضي، أي بارتفاع قدره 7.3 في المئة على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى منذ 2022 بحسب بيانات مكتب الصرف.