نكسة انتخابية تضع ماكرون أمام خيارات معقدة في مهمة تشكيل الحكومة

وضعت نتائج الانتخابات التشريعية التي شهدتها فرنسا الأحد الرئيس إيمانويل ماكرون في موقف صعب، وذلك بعد أن فقد أغلبيته المطلقة في الجمعية الوطنية ما يجعله يواجه خيارات صعبة في مهمة تشكيل الحكومة وهي مهمة تحتم عليه التفاوض مع بقية الأحزاب التي دخلت الجمعية من أجل التوصل لاتفاق.
باريس – فقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية (البرلمان) ما يجعله مُرغما على التفاوض مع بقية الأحزاب السياسية التي اكتسحت البرلمان من أجل الحكومة، فيما بدأ اليسار بزعامة جون لوك ميلونشون في الحديث عن سحب الثقة من حكومة ماكرون الحالية.
وبعدما انتخبوه في أبريل الماضي رئيسا لولاية ثانية من خمس سنوات في مواجهة منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان، اختار الفرنسيون الأحد حرمان ماكرون من الغالبية في الجمعية الوطنية لينهوا بذلك رئاسة كانت شديدة المركزية في الولاية الأولى، بحسب محللين. ومع عدد مقاعد يضع الائتلاف الرئاسي بعيدا عن المقاعد الـ289 المطلوبة لتولي غالبية مطلقة، “نال الفرنسيون ما كانوا يرغبون به جماعيا” كما قال إيمانويل ريفيير مدير الدراسات السياسية في معهد كانتار.
ويقول ريفيير إن “استطلاعات الرأي أجمعت بالواقع على الرغبة في عدم منح ماكرون الغالبية المطلقة، ولا لميلونشون” زعيم تحالف اليسار الذي دعا الفرنسيين إلى “انتخاب رئيس الوزراء”.
ويرى جان – دانيال ليفي مدير عام “هاريس انترآكتيف” أن الناخبين وجهوا رسالة واضحة إلى رئيس الدولة.
حكومة إليزابيت بورن التي وصفت نتائج الانتخابات بالخطر ستواجه تعديلا بعد هزيمة ثلاثة من أعضائها في الانتخابات
وقال دانيال ليفي “بشكل عام، نحن نواجه مواطنين لديهم الشعور بأنه لم يتم الاستماع إليهم كما كانوا يرغبون، بأنه لم يتم الاستماع إليهم بشكل كاف من قبل ماكرون وهم يريدون تعبيرا آخر من جانب السلطة التنفيذية”. وماكرون، أول رئيس أعيد انتخابه منذ اعتماد الولاية من خمس سنوات في 2002، هو أيضا أول رئيس يجد نفسه مع أقلية منذ قلب البرنامج الزمني الانتخابي الذي وضع الانتخابات التشريعية بعد الانتخابات الرئاسية والذي كان يعطي حتى الآن غالبية واضحة لرئيس الدولة المنتخب حديثا.
ويقول ريفيير “لم تكن هناك عواقب لفوز ماكرون في الانتخابات الرئاسية على الانتخابات التشريعية”، مضيفا “حدث كل شيء كما لو كنا في استمرارية لمدة عشر سنوات، وانتهى الأمر بالانتخابات التشريعية أن تكون انتخابات وسيطة تكون صعبة عادة للحكومة وليس كانتخابات تشريعية تلي الانتخابات الرئاسية”.
وأضاف ريفيير أن مسألة القدرة الشرائية لاسيما سعر البنزين كان لها تأثير قوي على نتيجة التصويت، موضحا “كانت مشاكل الحياة اليومية حاضرة في أذهان الفرنسيين أكثر مما هي في النقاش”.
وهذه المخاوف جعلها حزب التجمع الوطني بزعامة لوبان موضع حملته الرئيسية ويمكن أن تفسر تقدمه التاريخي الذي أتاح له أن يصبح بلا شك القوة الثالثة في الجمعية الوطنية مع 67 إلى 102 مقعد.
وبعد فترة بين الدورتين أعطت فيها الدعوة إلى صد اليمين المتطرف رسائل متناقضة لاسيما ضمن الغالبية، كان أداء التجمع الوطني أفضل بكثير من هدفه بلوغ المقاعد الـ15 اللازمة لإنشاء تكتل.
وقال مارسيال فوكو مدير “سوذيبوف Cevipof” في حديث لشبكة أل.سي.بي الفرنسية “لدينا تأكيد أنه في طريقة التصويت الخاصة هذه التي كانت تشكل عائقا حتى الآن أمام التجمع الوطني، حصل تفكك في الجبهة الجمهورية بالكامل، أو حتى ضاعت في طي النسيان في الجمهورية الخامسة”.
وأضاف “هذه إحدى النقاط التي خلفت فيها استراتيجية ماكرون عواقب لم يسيطر عليها بالكامل: هذا الخطاب القائل إنه ‘بصرف النظر عني، لا يوجد سوى التطرف’ كان مدمرا بعض الشيء”.
ومع وجود أغلبية نسبية في البرلمان، لن تكون ولاية ماكرون الثانية شبيهة بالأولى حيث سيتعين عليه خوض مفاوضات شاقة بشأن الحكومة.
ويقول دومينيك روسو أستاذ القانون الدستوري في جامعة بانثيون – سوربون “ليس هناك تجديد لرئاسة قوية جدا”.
ويضيف “بالنسبة إلى ماكرون، ستكون هذه الولاية المؤلفة من خمس سنوات، ولاية مفاوضات وتسويات برلمانية. لم يعد الأمر حكم رجل مهيمن إنما رئيس يعاني من نقص في الغالبية في الجمعية الوطنية”.
وتابع “نحن نتجه نحو ولاية مدتها خمس سنوات ستتم فيها إعادة تأهيل دور البرلمان. هذه هي ممارسة كل الدول الأوروبية الأخرى”.
ومع نتيجة قريبة من 289 مقعدا، يمكن للرئيس أن يحكم عبر أقلية “تسعى للحصول على دعم على أساس كل حالة على حدة وفقا للقوانين” لاسيما لدى الأحزاب الصغيرة، كما أوضح روسو. لكن التوقعات تشير إلى فجوة أوسع، ما يترك مارسيال فوكو متشككا حيال التحالفات، قائلا “الصعوبات ستكون عديدة جدا في الساعات المقبلة لتحديد ما إذا كنا نتحدث عن اتفاق، ائتلاف حكومي”.
وتواجه حكومة إليزابيت بورن التي سارعت الاثنين إلى وصف نتائج الانتخابات التشريعية بالخطر على فرنسا، تعديلا خاصة بعد هزيمة ثلاثة من أعضائها في الانتخابات بينهم وزيرا الانتقال البيئي والصحة.
وقال تحالف اليسار إنه يعتزم طرح تصويت من أجل سحب الثقة من حكومة الرئيس ماكرون في الخامس من يوليو.
وقال أحد قادة “فرنسا الأبية” مانويل بومبار “حتى بورن يجب أن ترحل”، مضيفا لشبكة “بي.أف.أم.تي.في” الاثنين أن “الحكومة كما شكلت من قبل ماكرون لا يمكن أن تستمر في الحكم كما وكأن شيئا لم يحصل”.
وتشكلت حكومة بورن في العشرين من مايو الماضي، لكنها تواجه انتقادات واسعة النطاق من قبل منافسي ماكرون.
واعتبر لوي أليو المسؤول في التجمع الوطني بزعامة لوبان أن بورن “أضعفت كثيرا لكي تتمكن من البقاء في ماتينيون. هناك خيار حاسم لرئيس وزراء يتيح استمرارية سياسية واستقرارا سياسيا هي اليوم لا تملكه”.
وأبدى أليو في تصريح لـ”فرانس انتر” تأييده “نظرا للصعوبات في البلاد وغضب عدد” من الفرنسيين “لحكومة وحدة وطنية للتحضير لاستحقاقات كبرى في مجال القدرة الشرائية والأمن أو التقاعد”، لكنه قال إنه لا يعتقد بأن ماكرون سيلتزم بهذه الطريق.