"نكتة" الرد الإيراني

واهم كل من يعتقد أن إيران ستشن حرباً مباشرة ضد إسرائيل انتقاماً لاغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية، أو حتى رداً على إهانة كرامتها السياسية وانتهاك سيادتها.
في الواقع، طالما عملت إيران على تجنب أيّ مواجهة مباشرة مع إسرائيل. فهناك قواعد اشتباك متعارف عليها كسرتها إسرائيل أكثر من مرة دون أن تعترف بذلك. من جانبها لا تجرؤ إيران على الاعتراف علناً أنها وراء الأزمات الكبرى في المنطقة، كما في أحداث السابع من أكتوبر 2023 عندما نفى المرشد الأعلى في طهران أيّ علاقة لبلاده بهذه العملية حتى لا تنتقل ساحة المعركة إلى إيران.
الموقف الإيراني يختلف تماماً عن موقف بعض العرب، سواء زعماء التنظيمات والميليشيات وبعض المحللين السياسيين الذين ابتليت بهم الدول العربية مثل حركة حماس أو ميليشيا حزب الله وحتى الحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن، وكذلك بعض أصحاب الخطابات الإعلامية ممّن يتبنون الخطاب السياسي الإيراني، ليس فكرياً فقط كما يفعل بعض المحللين الإعلاميين العرب، ولكن حتى في القيام نيابة عن إيران بشن هجمات، كما فعل حزب الله مؤخراً.
سيطول انتظار العرب “الواهمين” بصدق نوايا إيران على الرد، فتاريخ العداء الإيراني – الإسرائيلي لم يسجل مواجهة مباشرة إلا بالصوت العالي، وكأن “الظاهرة الصوتية” العربية التي نظّر لها عبدالله القصيمي تشمل إيران أيضاً.
سيطول انتظار هؤلاء كثيرا لأن النظام الإيراني لديه حساباته السياسية الدقيقة التي لا يجازف بها لصالح ميليشيات تبرعت لموالاتها فكرياً وعسكرياً وحرصت على أمنها أكثر من حرصها على أوطانها واستقرارها.
◄ إيران لا تجرؤ على الاعتراف علناً أنها وراء الأزمات الكبرى في المنطقة، كما في أحداث السابع من أكتوبر 2023 عندما نفى المرشد الأعلى في طهران أيّ علاقة لبلاده بهذه العملية
وإذا افترضنا أن إيران قررت أن ترد على إسرائيل من خلال الحرس الثوري، فإن ردها سيكون في إحدى دول الجوار كما يحدث عادة مع كردستان العراق، أو إطلاق صواريخ على قاعدة عسكرية في العراق فيها بعض الجنود الأميركيين، أو أنها ستقوم باختطاف سفينة في المياه الإقليمية العربية، لإيجاد مبرر ليس للشعب الإيراني الذي أصبح واعياً لخداع النظام، وإنما لإيجاد مادة إعلامية للمحللين والسياسيين الذين ينتشرون في مواقع “بودكاست” الذين يشرّعون للعبث الإيراني في الدول العربية.
لديّ سببان اثنان لقناعتي بعدم رد إيران. السبب الأول: لن يكون دم إسماعيل هنية أغلى من دم قاسم سليماني قائد فيلق القدس ومهندس كل مشروعات إيران في المنطقة، ولا حتى أغلى من دم العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده. على الأقل هؤلاء ينطبق عليهم صفة مسؤول إيراني لا يقل حجمهما السياسي عن حجم هنية.
والسبب الثاني: أن انتهاك السيادة الإيرانية مسألة مطاطة كما في تعريف الدبلوماسي لنظرية “الشرف والعلف”. فكل ما حدث من انتهاكات للسيادة الإيرانية بالنسبة إلى أصحاب تلك النظرية لا علاقة له بـ”انتهاك الشرف” الإيراني، وبالتالي الرد ليس ضرورياً، للإبقاء على ورقة تفاوضية مع الغرب لتحقيق المصالح الإيرانية على حساب العرب.
النقطة المهمة هنا، أن يدرك العرب بعد مرور أكثر من أربعة عقود، أن إيران لم ولن تخدم قضايا الآخرين، وليس قضايا العرب فقط. بل هي تستغل العرب وقضاياهم وعلى رأسها القضية الفلسطينية لتحقيق أهدافها الإستراتيجية. وتمارس كل مواجهاتها السياسية مع الآخرين في الساحة العربية لوجود تنظيمات سياسية توالي إيران باسم الدين، ولوجود بعض الشخصيات ذات العقليات التي تشرّع لإيران ما تفعله في الدول العربية، وكأن نيتها الحقيقية تخريب هذه الدول.
بالنسبة إلى عقلاء العرب، إيران واضحة وتمثل تحدياً لاستقرار المجتمعات العربية، ولم تفِ بوعودها للعرب الموهومين بها ولم تهبّ للدفاع عنهم ولو مرة، ولم تفاوض الولايات المتحدة أو إسرائيل من أجل المصلحة العربية، بل تتباهى بكل صلافة ووقاحة أنها تحتل أربع عواصم عربية.
وفق منطق أبو السياسة ميكافيلي المعروف بمقولته الشهيرة “الغاية تبرر الوسيلة”، من حق إيران الاستفادة من الميليشيات ومن الأبواق طالما وجدت عقولاً عربية يقبل أصحابها أن يكونوا خدمًا لمشروعها السياسي ضد أوطانهم، وطابورًا خامسًا يعمل ضد بلدانهم.