نقل الأدب العربي إلى اللغات الآسيوية خطوة ضرورية اليوم

الترجمة جسر عبور إلى الآخر ووسيلة لدحض الصور المغلوطة عن العرب.
الثلاثاء 2022/03/29
اللغة قوة ناعمة وجسر حضاري (لوحة للفنان يحيى زكي محمد)

لا تتوقف أهمية ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى على نقل تصورات وخصوصيات جمالية أو فكرية، بل هي طريقة لنقل وجوه حضارية متنوعة بشكل سلس إلى الآخر ودحض الصور النمطية أو المغلوطة التي رسخها الجهل بالمجتمعات العربية، كما تمثل الترجمة فرصة لتشبيك العلاقات وتحقيق التكامل ونبذ الصراعات.

خميس خاطر

مسقط - يؤكد العديد من المختصين والمشتغلين على الترجمة على أهمية نقل صنوف الأدب العربي إلى القارئ في جنوب وشرق آسيا على وجه الخصوص، عن طريق اللغات الآسيوية غير العربية، تلك الصنوف، بما فيها على سبيل المثال لا الحصر، الوثائق، أدب الرحلات، الشعر والروايات الأدبية، ولما لهذا الأدب من تأثير معرفي مغاير في تلك المناطق الجغرافية المهمة، فهم يرون أن ترجمتها لها فوائد كبيرة أهمها التفاهم والوعي بالآخر، بالإضافة إلى التقارب الاجتماعي والفكري.

في هذا الشأن يقول الأكاديمي رشدي طاهر، من كلية العلوم الإسلامية بجامعة الأمير سونكلا فرع فطاني بتايلاند “التراث الأدبي ونتاجه ذاكرة الأمم والشعوب وتاريخها، ورمز حضارتها ورقيها، ورسالتها إلى الأجيال المتعاقبة والأمم المتسابقة، والترجمة واسطة العقد بين التاريخ والحاضر”.

دحض الصورة الخاطئة

ترجمة الروايات العربية بمختلف مجالاتها الحديثة والقديمة سوف تحقق نجاحًا بين أوساط القراء في جنوب وشرق آسيا

يضيف طاهر “لا يمكن الوصول إلى الحاضر إلا عن طريق الذاكرة، إن المجتمعات الإنسانية كانت ولا زالت تثبت أحقيتها في الحياة من خلال ممارستها لفنون لغتها؛ فاللغة هي العابرة للزمن، ونتاجها من صنوف الأدب هو الشواهد على حياة تلك المجتمعات”.

ويتابع “ما أجمل أن يكون تلاقح الأفكار، وتبادل الخبرات والمنافع، ونقل العلوم والتجارب هي السمة الغالبة في مسيرة الأمم والملوك عوضًا عن التباغض والتصارع، كما هو الحال بين المجتمعات العربية ومجتمعات جنوب شرق آسيا بمختلف لغاتها وثقافاتها وانتماءاتها، التي ما فتئت وما انفكت تقتبس من صنوف الأدب العربي، من رواياتها وأدب رحلاتها، والفضل يعود إلى الترجمة التي أقامت جسور التواصل بين هذه الأمم والشعوب، في ماضيها وحاضرها، كي تضرب أروع الأمثلة في تاريخ مسيرة الحضارة الإنسانية على مر العصور”.

ويقول همّل بن صالح البلوشي، وهو مترجم ومحاضر لغة إنجليزية بقسم اللغة الإنجليزية وآدابها بكلية الآداب بجامعة السلطان قابوس “مما لا شك فيه أن اللغة هي وعاء للفكر تحتوي في طياتها ثقافة وهوية المتحدثين بها وهي نافذةٌ يمكن من خلالها التعرّف على أهلها وما يميّزهم عن غيرهم”.

ويشدد على أنه في ظل تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا حول العالم وربط كل الأفعال والصفات السلبيّة بالمسلمين والعرب خصوصًا، فإنه من الضروري الآن أكثر من أيّ وقت مضى أن يكون هناك حراك ثقافي عربي يعرّف الآخر بنفسه ويواجه هذه الدعاية المغلوطة حول كل ما هو عربيّ.

ويتابع البلوشي “بالإضافة إلى ذلك، فإنّ اللغة هي جزءٌ مما يعرف بالقوة الناعمة وقد أدركت الكثير من الأمم أهمية هذه القوة فنرى إقامتها للمراكز الثقافية في مختلف الدول ونشرها للغات وثقافات بلدانها للتعريف بها وإيجاد تقارب فكري بينها وبين هذه الدول، ومن هذا المنطلق علينا كعرب أن ندرك أهمية نشر اللغة العربية عن طريق الترجمة وتعليم اللغة لغير الناطقين بها حتى يتسنّى لهم التعرّف على الثقافة العربيّة والإسلاميّة ويمكن من خلالها تغيير الصورة النمطية المغلوطة حول العالم للعرب والمسلمين”.

ويؤكد البلوشي أن الجهود الترجميّة هي إحدى الوسائل التي يمكن الاعتماد عليها لتعريف الآخر باللغة والثقافة العربية وتقريبه من الحقيقة التي تم تحريفها للأسف الشديد في الإعلام العالمي بسبب دوافع سياسية لا تخفى على أحد.

همّل بن صالح البلوشي: من الضروري الآن أن يكون هناك حراك ثقافي عربي يواجه الدعاية المغلوطة حول كل ما هو عربيّ

ويمكن، في رأيه، ترجمة مختلف المواد في هذا الصدد من العربية حسب الهدف واهتمامات المتلقي حتى تتحقق من ذلك النتيجة المرجوة. فعلى سبيل المثال، إذا ما أردنا التواصل الثقافي مع الشعوب في جنوب وشرق آسيا فيمكن ترجمة أدب الرحلات والوثائق التاريخية التي تحكي عن العلاقات والصلات بين العالم العربي والمجتمعات في جنوب وشرق آسيا لمد جسور المعرفة وجذب القارئ.

وكون هذه المناطق مهمة للتجارة العالمية فمن الضروري أيضًا إبراز وترجمة أي وثائق أو كتب تتعلق بالتجارة والتعامل معها منذ القدم حتى يعرف القارئ أن العلاقات مع العالم العربي ليست وليدة اليوم وصورة العربي والمسلم لم تكن قاتمة مثل ما يتم تصويره لمختلف المجتمعات اليوم، بالإضافة إلى ذلك من الضروري أيضا ترجمة الروايات العربية التي تعكس واقع المجتمع العربي بشكل عادل وتبيّن مظاهر الحياة والعلاقات الاجتماعية فيه وتظهر منظومة القيم والأخلاق العربية الإسلامية حتى يتعرّف القارئ على المجتمع العربي عن قرب ويفهم طبيعة المجتمع والإنسان العربي.

في السياق ذاته يشير الدكتور راسخ الكشميري وهو باحث ومترجم ومتتبع للأدبين العربي والأردي، ومهتم بالعلاقات الباكستانية – الخليجية، إلى أن أهمية نقل صنوف الأدب العربي كبيرة، لأنها تساعد في فهم الطرفين، بالإضافة إلى التقارب الاجتماعي والفكري بين الناطقين بالأردية والعربية، ولا ننسى أن هناك الكثير من الكتّاب من شبه القارة الهندية زاروا البلدان العربية ونقلوا رحلاتهم إلى الأردية، وكتبوا عن العادات والتقاليد السائدة، خصوصا رحلاتهم نحو الحجاز والبلدان التي مروا بها خلال رحلاتهم تلك.

ويضيف الكشميري “من جهة أخرى نجد قلة من العرب ممن كتبوا رحلاتهم إلى باكستان، أو الهند أو دول شبه القارة الهندية، وأجزم أن عدم نقل ما كتبه الكتاب الناطقون بالأردية إلى العربية، وعدم تناول الكتّاب العرب عن هذه المنطقة بشكل كبير أوجد فجوة آثارها السلبية لا زالت تخرج بين الفينة والأخرى، منها الاختلافات الفكرية، كذلك الشعور بعدم التقارب بين الناطقين بالأردية والعربية”.

ويضيف “لهذه الفجوة -في ظل الطفرة المعلوماتية وكذلك التضليل الإعلامي- انعكاسات على العلاقات بين البلدان من خلال المواقف الاجتماعية أو السياسية التي تطفوا على السطح من وقت إلى آخر، حيث يتناولها العامة ويقعون في اللغط والقيل والقال في دولة ما مما يؤثر على الشعوب سلبا، أما إن كانت هناك جهود في نقل صنوف الأدب، وحركة أدبية يصل أثرها إلى النخب والعامة يمكن أن يمثل ذلك قوة اجتماعية وثقافية وأدبية بين الأدب المترجم منه، والأدب المترجم إليه”.

ويرى أنه يمكننا من خلال هذه الحركة نقل القضايا التي تهمنا، على سبيل المثال يمكن نقل القضية الكشميرية إلى العالم العربي من خلال الأدب، كذلك يمكننا نقل العادات والتقاليد والثقافة المحلية إلى الأردية، وكذلك العكس منها إلى العربية.

وفي ختام حديثه يقول الكشميري “مختصر القول إن نقل الأدب العربي إلى الأردي، أو الأردي إلى العربي أراه ضرورة ملحة للتقارب بين البلدان العربية والناطقة بالأردية، هذا سيؤثر إيجابًا على العلاقات العربية على المستوى القيادي والشعبي والنخبوي، ويمهد لوفاق فكري على المدى الطويل”.

ترجمة الأدب العربي

Thumbnail

تتحدث المترجمة إيمان الراشدية عن تجربتها مع الترجمة وما نتج عنها من إيجابيات، وتشير قائلة “أسهمت دراستي للترجمة من اللغة الصينية إلى العربية والعكس في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، والأعوام الطويلة (أكثر من سبع سنوات) التي عشتها في جمهورية الصين الشعبية للتعرف بعمق على التراث الإنساني والحضاري للشعب الصيني وعلى الآداب والفنون الصينية بمختلف أنواعها. في المقابل كثيرا ما تلقيت الأسئلة التي تنم عن فضول الشعب الصيني والطلبة الأجانب هناك حول العادات والتقاليد العمانية والتي فتحت لي بابا للتعريف بثقافتي وهويتي العمانية”.

ومما لاحظته الراشدية في الدارسين الصينيين للغة العربية سعيهم الحثيث للسفر إلى الوطن العربي بهدف النهل من معين اللغة ومن جذورها الأصلية لإيمانهم العميق بأن تعلمها في الصين فقط غير كاف لإجادتها، وأن اللغة هي ثقافة، لذلك الانغماس في الثقافة العربية هدف لا يفارق كل طالب منهم. أما الأساتذة الصينيون فهم على مستوى عالٍ من الفصاحة والبلاغة وقد تخرجوا من أعرق الجامعات في وطننا العربي ويجيدون بحرفية كل علوم اللغة العربية.

وتضيف الراشدية “لم أجد للأدب العربي أصداء في حوارات عامة الشعب الصيني لكنه حاضر في نقاشات الصينيين الذين يتحدثون اللغة العربية والطلاب الدارسين لها. السؤال الذي يتبادر إلى ذهني في هذا السياق، لماذا لم يصل الأدب العربي بعد إلى كافة شرائح المجتمع الصيني وبقي محصورا بين المتحدثين بالعربية؟ أعتقد بأن عملية الترجمة من العربية مهمة ويمكن أن تتكفل بمهمة نقل صنوف الأدب العربي من شعر ونثر وغيرها من جماليات الثقافة العربية إلى القارئ في جنوب وشرق آسيا بمختلف لغاته المكتوبة وفي مدة زمنية قياسية”.

لذلك فالمترجم، في رأيها، هو جسر مهم لنقل صنوف العلوم الأدبية بين الشعوب المختلفة. والأدب العربي والصيني كلاهما يعكسان حضارات أمم عريقة تستحق الترجمة كوسيلة تخاطب وتعارف في ما بينها.

وتتابع “إن عملية ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى من متطلبات النماء في عصرنا، خاصة كون الأدب العربي يمتلك خصائص فريدة تعكس الثقافة العربية التي تميزه عن غيره، ونقله بالترجمة إلى القارئ الآسيوي بالتحديد سوف يفتح آفاقا من التعارف بين القطاعات الأدبية والثقافية بين الدول، وسوف يسهم أيضا في التعريف برواد الأدب والكُتاب والمدارس الأدبية في الوطن العربي وجنوب وشرق آسيا، وسيتيح فرصة لعرض مؤلفات الكاتب العماني الذي يستعرض في أعماله هوية وثقافة بلده التي أعتقد بأنها ستنال حضورا بين أوساط المجتمع الصيني والآسيوي لندرة ما ترجم حولها”.

وتختتم الراشدية بقولها “من وجهة نظري، أرى أن ترجمة الروايات العربية بمختلف مجالاتها الحديثة والقديمة سوف تحقق نجاحًا بين أوساط القراء في جنوب وشرق آسيا وذلك لما تحتويه من أبعاد تاريخية وإنسانية حول الوطن العربي مترامي الأطراف جغرافيا، الثري بتنوع عادات وتقاليد الإنسان الذي يعيش فيه”.

13