نقطة تحول للإمارات مع تشغيل محطتها النووية بطاقتها القصوى

يفتح دخول محطة براكة النووية مرحلة التشغيل الكامل، الباب أمام الإمارات لتنفيذ خطوتها التالية، والمتمثلة في دعم إنتاج الكهرباء من هذا المصدر النظيف، ببناء محطة ثانية كانت قد تحدثت عنها قبل فترة، لتكرس انفرادها العربي بمثل هذه النوعية من المشاريع.
أبوظبي - يشكل إعلان مؤسسة الإمارات للطاقة النووية الخميس عن تشغيل المفاعل الأخير لمحطة براكة للطاقة النووية في إنجاز غير مسبوق، نقطة تحول للبلد في ترجمة تطلعاته لمسح بصمته الكربونية.
ويتصف المشروع الذي استغرق إنجازه 10 سنوات بأنه أحد أنجح استثمارات القطاع في العقود الثلاثة الأخيرة، باعتباره نموذجا عالميا في إدارتها، كما يعد مرجعا للدول التي تسعى لتطوير مشاريع طاقة سلمية.
ويقول المسؤولون إن المشروع الذي يضم 4 مفاعلات بقدرة 5.6 غيغاواط يؤكد التزام البلد بأعلى معايير السلامة والأمن والشفافية.
وتنتج المفاعلات الآن 40 تيراواط في الساعة من الكهرباء سنويا، أي 25 في المئة من احتياجات البلد من الكهرباء من دون انبعاثات، وهو ما يكفي 16 مليون سيارة كهربائية.
وفي ضوء ذلك، باتت براكة أكبر مساهم في خفض البصمة الكربونية في الدولة والمنطقة العربية، حيث تحد من 22.4 مليون طن من الانبعاثات سنويا، وهو ما يعادل إزالة 4.6 مليون سيارة سنويا.
كما أن المحطة توفر عوائد اقتصادية كبيرة، حيث انخفض استهلاك الغاز لإنتاج الكهرباء في إمارة أبوظبي إلى أدنى مستوى منذ 13 عاما، رغم الطلب المتزايد.
واعتبر خلدون المبارك، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الإمارات للطاقة النووية تشغيل المحطة بطاقتها القصوى "يعزز المكانة الريادية للدولة فيما يتعلق بتطوير الطاقة النووية السلمية على مستوى العالم".
ونسبت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية إلى المبارك قوله إن “الطاقة النووية من القطاعات الجاذبة للصناعات العالمية التي تتطلب كميات ضخمة من الكهرباء". ويأتي اكتمال التشغيل التجاري للمشروع، وسط تنامي الإدراك العالمي للدور المحوري للطاقة النووية لتحقيق الحياد المناخي.
وترجح وكالة الطاقة الدولية ارتفاع الطلب العالمي على الكهرباء بمعدل أسرع على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وبما يصل إلى 3.4 في المئة سنويا حتى 2026.
وفي مؤتمر المناخ (كوب 28) الذي استضافته دبي العام الماضي، أطلقت 25 دولة، بما في ذلك الإمارات، تعهدا بالعمل على مضاعفة الطاقة النووية ثلاث مرات عالميا بحلول 2050.
وسيكون للخطوة التاريخية حافزا للإماراتيين لتعزيز مساهمتهم العالمية، فقد قال حمد الكعبي سفير البلد لدى النمسا والمندوب الدائم للدولة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في يوليو الماضي إن بلاده "تدرس بناء محطة طاقة نووية ثانية".
وقد تصل قيمة أي عقد لإنشاء محطة جديدة إلى المليارات من الدولارات، ويمكن أن يجذب عروضا من الصين وروسيا والولايات المتحدة من بين دول أخرى.
وقال محمد الحمادي، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي للمؤسسة إن المحطة "أضافت مزيدا من نصيب الفرد من الكهرباء النظيفة خلال السنوات الخمس الماضية أكثر من أي دولة أخرى".
◙ 5.6 غيغاواط قدرة إنتاج محطة براكة بعد دخول المفاعل النووي الرابع مرحلة التشغيل
وأوضح أنه تم إنتاج 75 في المئة من الكهرباء من المحطة، ما يؤكد أن إضافتها إلى مزيج الطاقة في البلد إلى جانب المصادر المتجددة كان قرارا إستراتيجيا، يعزز أمن الطاقة ويرسخ الدور الريادي الإقليمي للدولة في هذا القطاع المتنامي.
وأشار إلى أن المشروع أصبح نموذجا عالميا جديدا، يؤكد أن الطاقة النووية مُجدية اقتصاديا، ويمكن تطويرها بكفاءة. ىوأضاف "بفضل الخبرات التي لدينا الآن، أصبحت المؤسسة في وضع يمكنها من المضي نحو المرحلة التالية من النمو لتحقيق أهداف البرنامج النووي السلمي الإماراتي".
وتطرق في تصريحاته لوكالة الأنباء الإماراتية إلى عقد الشركات وتطوير المزيد من مشاريع الطاقة النووية الجديدة والاستثمار فيها محلياً وخارجيا.
وتقوم براكة بدور رئيسي في مساعدة الشركات على تقليص الكربون، خاصة أن 85 في المئة من الكهرباء في برنامج شهادات الطاقة النظيفة التابعة لشركة الإمارات للمياه والكهرباء تُنتجها المحطة.
وتدعم المحطة شركات مثل أدنوك وحديد الإمارات أركان والإمارات العالمية للألمنيوم من خلال تمكينها لتصنيع منتجات تم إنتاجها بالطاقة النظيفة ويمكن بيعها بأسعار تنافسية للشركات التي تتخذ من أبوظبي مقرا لها.
وساهم المشروع الذي كلف قرابة 24.4 مليار دولار في تطوير قطاع متقدم وجديد في الإمارات، وتعزيز الدراسات في العلوم النووية.
كما أتاح الفرصة لمشاركة أكثر من ألفي شخص من الكفاءات الإماراتية، إضافة لمنح عقود للشركات المحلية تجاوزت 6.7 مليار دولار، مما ساهم في تعزيز القيمة المحلية المضافة.
وقال ناصر الناصري الرئيس التنفيذي لشركة براكة الأولى، التي تشرف على الشؤون المالية والتجارية للمحطة إن المشروع "سيوفر إمدادات مستقرة من الطاقة لمدة 60 عاما، ويحد من تقلبات الأسعار".
ولفت إلى أن ذلك يعد منصة مهمة لمنتجي الطاقة في الإمارات لبناء خططهم المستقبلية، ويسلط الضوء على إحدى الفوائد الرئيسية للمحطات النووية الحديثة.
وإلى جانب أحد أعلى معدلات العائد على الاستثمار من بين مصادر الطاقة الأخرى، تضمن براكة توفير عوائد كبيرة للأجيال القادمة، بحسب الناصر.
ومن المتوقع أن تعزز الخطوة من مكانة المؤسسة النووية الإماراتية، فيما يخص الجهود الرامية إلى مضاعفة الإنتاج ثلاث مرات.
وسيكون ذلك ضروريا لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء النظيفة، الناتج عن النمو المستمر في مجال الذكاء الاصطناعي والبنية الأساسية لمراكز البيانات المطلوبة للتقنيات المتقدمة، إلى جانب مرافق أشباه الموصلات.
وقال علي الحمادي، الرئيس التنفيذي لشركة نواة للطاقة، التابعة لمؤسسة، إن "انضمام المحطة الرابعة في براكة إلى المحطات الثلاث الأخرى، يعد إنجازا تاريخيا يوفر الكهرباء النظيفة والموثوقة لدولة الإمارات".
وأكد الالتزام بمواصلة تطبيق اللوائح والمعايير كأولوية قصوى، مع التركيز بالكامل على التشغيل والصيانة على نحو موثوق وآمن سعياً لتحقيق التميز التشغيلي.
وخضعت محطات براكة وفرق العمل لنحو 496 عملية تفتيش من قبل الهيئة الاتحادية للرقابة النووية، و84 مراجعة من قبل المنظمة الدولية للمشغلين النوويين، و15 مهمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأشار الحمادي المكلفة بتشغيل وصيانة محطات براكة بشكل آمن أن هذا يدل على "التزامنا بأعلى المعايير والتميز التشغيلي، وفقًا للوائح المحلية ومعايير السلامة العالمية. ولقد أصبحت محطات براكة بذلك نموذجاً عالمياً في قطاع الطاقة".