نقص الغاز يُعرّض الاقتصادات الهشة لجنوب آسيا للمزيد من الألم

نقص واردات الغاز الطبيعي المسال أدى إلى خفض إنتاج الطاقة وألحق الضرر بالاقتصاد الباكستاني.
الثلاثاء 2023/02/21
الحطب أفضل من لا شيء

يراقب المحللون ومسؤولون حكوميون وحتى القطاعات الإنتاجية التأثيرات الكبيرة التي يخلفها نقص الغاز على الاقتصادات الهشة في جنوب آسيا في مقدمتها باكستان وبنغلاديش، والتي يجعلها تتعرض لمزيد من الألم في ظل غياب حلول جذرية للمشكلة.

لندن - يتنقل طارق محجوب رئيس هيئة صناعة التجزئة الباكستانية مع اقتراب ذروة موسم التسوق خلال شهر رمضان بين الاجتماعات، ويضغط على المسؤولين لتخفيف الطلبات التي أجبرت مراكز التسوق على إغلاق أبوابها مساء لتوفير الطاقة.

وقال محجوب الرئيس التنفيذي لامتياز رويال تاج الباكستاني للملابس الرجالية في رسالة إلى الحكومة، إن “أكثر من 40 في المئة من مبيعات التجزئة السنوية تحدث في هذا الشهر”.

وكتب أن “الإغلاق المبكر قد يؤدي إلى فقدان الوظائف لقرابة 4 ملايين شخص”، بينما كانت مراكز التسوق في العادة تزدحم ليلا بين الساعة الثامنة والعاشرة ليلا.

بورنا راجيندران: نتوقع أن يتفاقم انقطاع الكهرباء هذا العام في تلك الدول
بورنا راجيندران: نتوقع أن يتفاقم انقطاع الكهرباء هذا العام في تلك الدول

ويسلط الخوف في قطاع التجزئة الضوء على الكيفية التي أدى بها نقص الغاز المستورد إلى خفض إنتاج الطاقة وإلحاق الضرر بالاقتصاد في باكستان، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من ارتفاع معدلات التضخم وانحدار العملة. كما تواجه بنغلاديش نفس القضايا.

ويسعى كلا البلدين لتجنب تكرار انقطاع الكهرباء الهائل الذي واجهاه العام الماضي، لكن مسؤولي الصناعة والمحللين يقولون إن الأزمة من المرجح أن تتفاقم هذا العام بسبب الانخفاض الحاد في واردات الغاز الطبيعي المسال.

وتعتمد باكستان وبنغلاديش بشكل كبير على الغاز لتوليد الطاقة، لكنهما اضطرتا إلى خفض وارداتهما من الغاز الطبيعي المسال بعد أن قفزت الأسعار بشدة مع زيادة طلب أوروبا لاستبدال الإمدادات الروسية في أعقاب حرب أوكرانيا.

وقال بورنا راجيندران استشاري الغاز في شركة أف.جي.إي إن “ارتفاع أسعار الغاز وتضاؤل الإنتاج المحلي سيعنيان أن باكستان ستستمر في مواجهة مشاكل تتعلق بتكثيف توليد الطاقة”. وتوقع أن يتفاقم انقطاع التيار الكهربائي هذا العام.

ورغم انخفاض أسعار الغاز عن المستويات المرتفعة القياسية في العام الماضي، لا يزال الوقود مكلفا بالنسبة إلى المشترين من جنوب آسيا حيث تراجعت عملاتهم بشكل حاد، مما يجعل من الصعب عليهم زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال هذا العام.

وتعتمد باكستان على الغاز في ثلث إنتاجها من الكهرباء، لكنها تكافح مع احتياطيات النقد الأجنبي المتضائلة لدفع تكاليف واردات الطاقة.

وتظهر بيانات تتبع السفن من كيبلر أن واردات البلاد من الغاز العام الماضي انخفضت بنسبة 17 في المئة بمقارنة سنوية إلى أدنى مستوى لها في خمس سنوات.

ونتيجة لذلك، في أول 11 شهرا من 2022، انخفض إنتاج الطاقة التي تعمل بالغاز في باكستان بنسبة 4.4 في المئة، حتى مع زيادة التوليد الكلي بنسبة 1.8 في المئة إلى 129 غيغاواط/ساعة، حسبما أظهرت بيانات مركز أمبر لأبحاث الطاقة.

ويقول محللون ومسؤولون حكوميون إن إجمالي إنتاج الطاقة انخفض بشكل كبير عن قدرة التوليد والطلب بسبب نقص الوقود، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي لساعات كل أسبوع في النصف الثاني من العام الماضي.

وقال وزير الطاقة الباكستاني خورام داستغير خان إن “المشكلة الرئيسية هي أن محطات الطاقة القديمة التي تعمل بالنفط غير فعالة ويُكلف تشغيلها أكثر من المحطات التي تعمل بالغاز”.

وكانت تكاليف إنتاج الطاقة أعلى بنسبة 1.25 في المئة عما يمكن أن تكون عليه لو توفرت كمية كافية من الغاز الطبيعي المسال خلال العام المنتهي في يونيو 2022، وفقًا لحسابات رويترز استنادًا إلى البيانات الواردة في التقرير السنوي لوزارة الطاقة.

ومع ذلك من المحتمل أن تكون تكاليف التوليد قد قفزت أكثر منذ يوليو، حيث يقول المسؤولون إن ذروة النقص اشتدت في الصيف الماضي بسبب نقص الغاز. وحاليا، هناك اثنان فقط من المصانع الأربعة المعتمدة على الغاز في البلاد قيد التشغيل.

وقال داستغير في مقابلة مع رويترز “الصيف سيكون صعبا مثل معظم السنة لأننا نسير في هذا الخط الرفيع بين القدرة على تحمل التكاليف والتوافر”.

الأزمة تتفاقم
الأزمة تتفاقم

ولا تختلف المعارك في بنغلاديش بشأن هذا الوضع. وقال راغاف ماثور المحلل في شركة وود ماكينزي الاستشارية إنه “يمكن توقع اتجاه مماثل في بنغلاديش، حيث يعمل الغاز على توليد أكثر من ثلثي توليد الكهرباء”.

وتراجعت واردات بنغلاديش من الغاز الطبيعي المسال العام الماضي بنسبة 14 في المئة عن العام السابق، وفقا لشركة كيبلر، مما أدى إلى انخفاض إنتاج الطاقة بينما كان الطلب يرتفع.

ونتيجة لذلك لجأت حكومة البلد العام الماضي إلى قطع الكهرباء في 85 يوما من 92 انتهت في أكتوبر، حسبما أظهر تحليل لرويترز لبيانات من مشغل الشبكة في البلاد. ويقارن ذلك مع يومين فقط من الانقطاعات القسرية بين يناير 2019 ويوليو 2022.

وهزت الانقطاعات العمليات التجارية، مما أدى إلى تضرر صادرات صناعة الملابس المربحة للعملاء مثل والمارت وغاب وأتش آند أم وزارا.

وطالبت رابطة مصنعي ومصدري الملابس في بنغلاديش في رسالة إلى الحكومة الشهر الماضي بتوفير إمدادات الكهرباء والغاز بشكل منتظم وخفض أسعار الغاز. وقالت “أصبح من الصعب الحفاظ على صناعة الملابس”.

ومن غير المرجح أن تتراجع أسعار الغاز الطبيعي المسال بدرجة كافية لمساعدة بنغلاديش وباكستان، حيث يتوقع المحللون انتعاشًا في المشتريات الصينية لرفع الأسعار في عام 2023.

باكستان وبنغلاديش تعتمدان بشكل كبير على الغاز لتوليد الطاقة، لكنهما اضطرتا إلى خفض وارداتهما من الغاز الطبيعي المسال بعد ارتفاع الأسعار

وترى شركة ريتسارد إينرجي أن متوسط الأسعار الآسيوية يبلغ 32 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية هذا العام، وهو أعلى بكثير من 20 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية التي يعتبرها مستشار الطاقة لرئيس الوزراء البنغالي سعرا فوريا مقبولا.

وقال مسؤولان في بتروبانغلا لرويترز إن “البلاد أصدرت عطاءين فوريين حتى الآن هذا العام، حيث منحت الشركة الأولى توتال إنرجي بحوالي 19 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية”.

وأوضحا أن البلد يهدف إلى شراء المزيد من شحنات الغاز الطبيعي المسال الفورية ويريد تأمين المزيد من الصفقات طويلة الأجل مع بابوا غينيا الجديدة وبروناي، لكن المحللين يتساءلون عما إذا كان ذلك ممكنًا.

وقال محللون من شركة وودماك إنه ليس من الممكن لهم تحمّل أسعار عالية للغاز الطبيعي المسال.

وحتى مع إنتاج الطاقة من أنواع الوقود البديلة، تشعر الشركات بالقلق بشأن التأثير الاقتصادي لإمدادات الطاقة غير المؤكدة.

ويتوقع محجوب انخفاض العمليات خلال ساعات ذروة التسوق لتقليص مبيعات التجزئة بنسبة 30 في المئة.

وقال “نحن قلقون من أنه سيكون هناك تأثير سلبي غير مباشر على الناتج المحلي الإجمالي والتوظيف وتحصيل الضرائب، فضلا عن الاضطرابات في سلسلة التوريد بأكملها”.

11