نقص التموين والأسعار يهددان نشاط قطاع المقاهي في تونس

القطاع يعاني منذ أشهر من نقص حاد في التزود بمادة البن، التي تحتكر الدولة تجارتها، لتنضاف إليه صدمة ارتفاع أسعار البن الموجه للاستعمال المهني.
الأربعاء 2024/10/23
حتى القهوة لن تعدل المزاج

أطلق قطاع المقاهي في تونس صفارات الإنذار من دخوله في ركود بسبب الأزمات التي يعيشها في ظل نقص التموين وزيادة الدولة للأسعار على مستوى البيع بالجملة، ناهيك عن المنافسة في الظل من قبل أصحاب المحلات العشوائية، والتي تهدد مجتمعة بالدخول في متاهة أعمق قد لا يمكن الخروج منها.

تونس- تزايدت ضغوط أصحاب المقاهي على الحكومة لإعادة تنظيم نشاط القطاع قبل وقوعه في حالة انكماش هو في غنى عنها مع ظهور مؤشرات خطيرة على تراجع إيراداته، ما يعسر مهمة اجتيازه الصدمات المتواترة.

وفي أحدث تحرك في هذا الاتجاه طالبت الغرفة الوطنية لأصحاب المقاهي بضرورة وضع خطة عمل سريعة وواضحة المعالم وترتيب الأولويات لتسريع عملية تعافي القطاع بما يمكنه من تجاوز التداعيات التي يمر بها منذ عام 2020.

ويعاني القطاع منذ أشهر من نقص حاد في التزود بمادة البن، التي تحتكر الدولة تجارتها، لتنضاف إليه صدمة زيادة أسعار البيع بالجملة من قبل الديوان الوطني للتجارة، ما دفع العديد من المقاهي إلى زيادة أسعار المشروبات دون وجود قرار متفق عليه حتى الآن.

صدري عزوز: نقص البن الموجه للاستهلاك المهني مازال متواصلا
صدري عزوز: نقص البن الموجه للاستهلاك المهني مازال متواصلا

وأكد نائب رئيس الغرفة صدري عزوز في تصريحات للإذاعة التونسية الثلاثاء أن نقص مادة البن الموجهة للاستهلاك المهني مازال متواصلا، مشيرا إلى الزيادة الأخيرة في أسعار القهوة الموجهة للمهنيين والتي بلغت حوالي 80 في المئة.

وضاعف ديوان التجارة مؤخرا سعر الكيلوغرام الواحد من القهوة من 19.8 دينار (6.4 دولار) إلى 34.5 دينار (11.1 دولار)، ما ولد حالة من التذمر بين أصحاب المقاهي رصدتها “العرب” خلال جولة في بعض مناطق ولاية (محافظة) بنعروس جنوب العاصمة.

وتستهدف هذه الزيادة البن الموجه للاستعمال المهني فيما تم الحفاظ على أسعار البن المعلب بالنسبة إلى الاستهلاك العائلي، وهي في حدود 20 دينارا (6.44 دولار) للكيلوغرام من القهوة الصافية و11 دينارا (3.54 دولار) للقهوة المخلوطة.

ومن المزمع أن تعقد غرفة المقاهي اجتماعا الخميس يجمع كافة الغرف المهنية الجهوية من أجل تدارس مسألة أسعار بيع القهوة لزبائن المقاهي.

وأوضح عزوز في هذا الصدد أن تسعير بيع القهوة حر، لكن أصحاب المحلات لا يمكنهم القيام بالزيادة كثيرا في الأسعار الموجهة للمستهلكين وذلك مراعاة للقدرة الشرائية.

وكان مدير عام المنافسة والأبحاث الاقتصادية في وزارة التجارة حسام الدين التويتي قد أفاد في تصريحات إذاعية الاثنين الماضي بأن وضعية التزود بمادة القهوة ستُسجل استقرارا خلال الفترة القادمة.

وأكد أن الدولة حددت برنامجا للتوريد حيث ستصل شحنة تقدر بحوالي 450 طنا خلال الأسبوع الجاري، تليها شحنات أخرى يصل حجمها إلى 4 آلاف طن حتى نهاية أكتوبر الجاري.

حسام الدين التويتي: 70 في المئة من كميات البن التي يتم بيعها في السوق المحلية تستعمل من قبل الصناعيين وسلسلة القهوة
حسام الدين التويتي: 70 في المئة من كميات البن التي يتم بيعها في السوق المحلية تستعمل من قبل الصناعيين وسلسلة القهوة

وأوضح أن 70 في المئة من كميات البن التي يتم بيعها في السوق المحلية تستعمل من قبل الصناعيين وسلسلة القهوة، بينما يخصص الباقي للاستهلاك الأسري.

وقال التويتي إن “الوزارة في تواصل مباشر مع المهنيين من أجل منع أي انفلات في أسعار البيع”، مشيرا إلى أن هناك لقاءات ماراثونية ستجمع هذا الأسبوع السلطات بأصحاب المقاهي، وذلك لتنظيم عمليات التزود والقطع مع محاولات البيع بأسعار مُشطة.

وبحسب وزارة التجارة، فإن ديوان التجارة يُخصص 30 طنا من البن سنويا للمهنيين، لكن مع ظهور عدة مقاه غير منظمة أصبحت هذه الكمية لا تغطي الحاجيات.

وتقول غرفة المقاهي إنه لم يعد هناك من يراقب كراسات الشروط، وبالتالي تضاعفت محلات المقاهي العشوائية، التي تنافس حوالي 20 ألف مقهى يعمل في البلاد بشكل منظم.

ولا توجد معطيات رسمية ودقيقة حول رقم معاملات القطاع سنويا، لكن أهل المهنة يقولون إنها انخفضت بما يصل إلى 40 في المئة منذ الأزمة الصحية وتداعيات الحرب في أوكرانيا التي أثرت بشكل بالغ على القدرة الشرائية للتونسيين.

وتشير التقديرات إلى أن عدد العاملين في القطاع بحسب المعطيات التي تم تحيينها في مارس الماضي، يبلغ 120 ألف شخص دون احتساب الذين يعملون بشكل مؤقت. وقد أدت جائحة كورونا إلى إغلاق 2500 مقهى وتسريح قرابة 70 ألف عامل.

وبموجب قانون صادر في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ينظم سلسلة القهوة في البلاد، فإنه يجب على كافة المحامص بيع النوع نفسه من القهوة، وبالتالي فإن الدولة هي التي تفرض سعر الشراء والبيع.

وجميع محامص تونس، وهي الشركات الصناعية العاملة في البلاد وأبرزها علامات بن يدر واللوز وبوندان، ملزمة بشراء القهوة من ديوان التجارة، الذي يقدم أصنافا من القهوة في كل مرة لا تبدو دائما ذات جودة عالية.

11.1 دولار سعر الكيلوغرام من القهوة بزيادة قدرها 80 في المئة عن مستوياته السابقة

ويعتقد الخبراء والعاملون في القطاع أن السبب الرئيسي في أزمة القهوة بتونس وتقلّص هذا المنتج من السوق، وندرته خلال فترات طويلة، ليس احتكار التجار، بل احتكار الدولة لتوريد هذه المادة.

وبسبب سياسة التقشف في مصاريف الميزانية للدولة عملت وزارة التجارة على تقليص الكميات الموردة خلال العامين الأخيرين بشكل كبير، فمن معدل 3 آلاف طن شهريا أصبحت تونس تستورد قرابة 800 طن فقط شهريا لفترة ليست قصيرة.

وتعمل هذه المشكلة، في ظل وضع اقتصادي ضاغط نتيجة التضخم الذي يتخطى 7 في المئة، على دفع مسألة استئثار ديوان التجارة بهذه المهمة إلى الواجهة، حيث باتت محل نقاشات وسجالات وجدال واسع بسبب أن أداءه جزء من الأزمة وليس حلا.

10