نقص الإمدادات يقوض نشاط مصانع الغذاء في تونس

ألقى اختفاء البعض من المواد الأساسية لشح الإمدادات وتقلص المخزون بظلال قاتمة على نشاط الصناعات الغذائية، حيث تعاني الأسواق المحلية منذ فترة نقصا شديدا في سلع إستراتيجية، ما اعتبره خبراء فشلا حكوميا في طرح حلول عملية لمواجهة الأزمة.
تونس - أربك فقدان مواد أساسية من السوق التونسية خلال الآونة الأخيرة نشاط مصانع الغذاء التي وجدت نفسها مضطرة إلى إبطاء عمليات الإنتاج أو إغلاق أبوابها مؤقتا إلى حين وصول الإمدادات.
ويعكس فقدان المواد الغذائية من المحلات التجارية مدى الصعوبات المالية التي تمر بها الدولة لإتمام عمليات الشراء من الخارج، في حين رأى البعض أنها تتعلق أساسا باضطرابات سلاسل التوريد.
وتشهد البلاد نقصا في مواد غذائية أساسية أدى إلى اضطراب عمل مصانع وغياب منتجات عن رفوف المتاجر في البلاد التي يرى خبراء أن “الصعوبات المالية” التي تعاني منها هي السبب الرئيسي للأزمة.
وتشمل المواد التي تشهد نقصا في السوق منذ بضعة أسابيع السكر والقهوة والزبدة والحليب والمشروبات الغازية وزيت الطبخ وغيرها من المواد التي تعد من الأساسيات بالنسبة إلى المستهلكين.
معز حديدان: أزمة الإمداد تسرع وتيرة الأزمة فقط لأن المشكلة مالية
وتظاهر في العاصمة نهاية أغسطس عشرات من عمال الشركة التونسية للمشروبات الغازية التي تصنّع علامات من بينها كوكا كولا بعد إحالتهم على البطالة لتعطل الإنتاج بسبب نقص السكر.
ورغم إعلان متحدث باسم الشركة في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، لم تذكر هويته، عودة العمال إلى وظائفهم واستئناف الإنتاج، فقد أكد كاتب عام نقابة المصنع سهيل بوخريص أن نسق الإنتاج تقلّص منذ يونيو الماضي.
وأوضح النقابي أن الدولة باتت تمد المصنع الذي يوظّف نحو 600 عامل بكميات من السكر لا تتجاوز أحيانا 20 في المئة من حاجته التي تبلغ 60 طنا يوميا، معربا عن تخوفه من إحالة موظفين على البطالة إذا طالت الأزمة.
ويمتد طابور من الشاحنات داخل المصنع وخارج بوابته لتعبئة المشروبات الغازية. وقال سائقون إنهم ينتظرون لساعات طويلة ويحصلون على كميات أقل مما يطلبون.
ومن المتضررين أيضا شركة غورمنديز للمعجّنات التي توظّف بدورها نحو 600 عامل وتدير قرابة 27 متجرا في أنحاء تونس.
وفي مكتبها بمقر الشركة في ضاحية أريانة بالعاصمة، تؤكد المديرة التنفيذية راضية كمون أنها تواجه صعوبات في الحصول على الإمدادات الضرورية.
وتوضح أنه إلى جانب النقص تضاعفت أسعار بعض المواد مثل الزيت النباتي عدة أضعاف عما كانت عليه سابقا، ما دفع الشركة إلى إقرار زيادتين في أسعار منتجاتها منذ مطلع 2022.
وتقول “بدأت أزمة السكر فقلّلنا استعماله في المرطبات وكذلك القهوة، لكن لا يمكن أن نصنع معجنات من دون زبدة”.
رضا الشكندالي: الاحتكار لن يكون ممكنا إذا توفرت السلع بكميات كافية
وتلوم كمون على الدولة “ضعف التواصل” لإيضاح “ما يحصل وما سيحصل” في سياق “هذه الأزمة غير المسبوقة منذ تأسيس الشركة في عام 1976”.
كما طالب بوخريص السلطات بالتزام “الوضوح”، إذ حسب رأيه “يجب أن تقول لنا إن كانت قادرة على حل المشكلة أم لا بدل الوعود التي نسمعها منذ أسابيع ولا تتحقق”.
وتحتكر الدولة عن طريق الديوان التونسي للتجارة استيراد القهوة والشاي والسكر والأرز وتزويد السوق بها.
وتشدد سيّدة الأعمال كمّون أنه في حال طالت الأزمة “سنكون مجبرين على التفكير في غلق بعض المتاجر بعد أن وضعنا خطة للتوسع تواصلت حتى خلال الأزمة الصحية الناجمة عن تفشي فايروس كورونا”.
ويبدو النقص في مواد غذائية أساسية واضحا في المتاجر والمراكز التجارية التي صارت تفرض حصصا محددة لكل زبون يريد شراء بضائع مثل الحليب والزبدة والقهوة.
أما زيت الطبخ الذي تورده الدولة وتبيعه بسعر مدعّم، فقد بات وفق أصحاب متاجر مفقودا بشكل شبه كليّ رغم تأكيد وزارة التجارة أنه متوفر.
وأقر وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي نهاية أغسطس بوجود صعوبات في التزود ببعض المنتجات قال إنها نتيجة اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار وكلف النقل على المستوى الدولي، مشيرا خصوصا إلى “تأثيرات الحرب الروسية – الأوكرانية”.
لكن الخبير الاقتصادي معز حديدان قال في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية إن مشاكل الإمدادات الدولية “تسرّع فقط وتيرة الأزمة” التي لها أسباب محليّة بالأساس بسبب “صعوبات مالية” تعيشها الدولة.
وأضاف أن النقص سببه ضعف مخزون العملة الصعبة وأن الحكومة “تعجز عن تزويد السوق بكل المنتجات في الآن نفسه”.
وأكد أن “الكثير من المزودين الدوليين باتوا لا يثقون في تونس ويطلبون دفع أسعار السلع وكلف النقل مسبقا بسبب تخفيض تصنيفها الائتماني من وكالة فيتش إلى “سي.سي.سي” في مارس الماضي.
ويتناول الرئيس قيس سعيّد باستمرار ملف غياب سلع أساسية عن السوق، لكنه يعتبر أن سبب النقص هو “الاحتكار” و”المضاربة”.
ودعا سعيّد الاثنين الماضي خلال لقاء مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن إلى “مزيد بذل الجهود لمقاومة مظاهر الاحتكار”.
واعتبر الرئيس التونسي أواخر الشهر الماضي أن هناك “تعطيلا في توزيع عدد من البضائع لغايات سياسية” وأن النقص “لا يتعلق بالقدرات المالية للدولة بقدر ما يتعلق بمحاولة افتعال الأزمات”، وفق بيانات للرئاسة.
ويرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي أن خطاب الرئيس “متشنّج” و”غير عقلاني”، معتبرا أن “الاحتكار لن يكون ممكنا إذا وفرت الدولة المنتجات الأساسية بكميات كافية”.
ويصف حديدان خطاب الرئيس بأنه “متناقض مع أفعاله”، إذ في حين “يروج لفكرة المؤامرة لاسترضاء الفئات الفقيرة تتفاوض حكومته مع صندوق النقد الدولي حول قرض أساسي من شروطه تنفيذ إصلاحات ضرورية من أهمها إنهاء الدعم لمواد أساسية”.
ويؤكد الخبير أن السؤال الأهم حاليا هو “هل لدى الرئيس قيس سعيّد الشجاعة للمضي قدما في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية؟”.