نقد الأشخاص الكماليين المبالغ فيه لذواتهم يصيبهم بالاكتئاب ويشعرهم بالدونية

برلين ـ يشير خبراء علم النفس إلى أن الكماليين هم أكثر انتقادا لأنفسهم والآخرين؛ فبينما يفخر المنجزون المتميزون بإنجازاتهم ويميلون إلى أن يكونوا داعمين للآخرين، يميل أصحاب الشخصية الكمالية إلى اكتشاف الأخطاء والعيوب الصغيرة في عملهم وفي أنفسهم وفي الآخرين أيضا.
ويحاول الكماليون معالجة تلك العيوب، ويواجهون صعوبة في رؤية أي شيء آخر، كما يكون حكمهم على أنفسهم والآخرين صعبا للغاية عند مواجهة الفشل (من وجهة نظرهم).
وبحسب مجلة “بريغيته” الألمانية لا يريد الكماليون ارتكاب الأخطاء، ويعاني كثير منهم من الخوف من الفشل أو الخوف من أن يؤدي الفشل إلى تقويض سمعتهم أو تقليل تقدير الآخرين لهم. كما قد يؤدي السعي للكمال إلى شعور قوي بالدونية ومشاكل نفسية أخرى.
وقد يتشابه الكماليون مع المتفوقين في وضع أهداف عالية، ولكنهم يختلفون في النظر إلى النتيجة النهائية. فالمتفوق يشعر بالرضا إن حقق النجاح والتميز حتى لو لم يصل إلى الهدف العالي جدا، أما ذو الشخصية الكمالية فإن وصل إلى أي هدف دون المحدد ولو بقليل فيرى أن هذا فشل.. ويتميز الكماليون في هذه الحالة بأنهم يضعون لأنفسهم معايير عالية ويحاولون رفع المستوى أعلى قليلا في كل مرة، وإذا وجه أحدهم نقدا للكماليين، فإنهم يميلون إلى الرد بشكل دفاعي، ولا يتقبلونه كنقد بنّاء قد يساعد على تحسن أدائهم في المرات القادمة مثلما يفعل المتفوقون.
والكمالية في علم النفس هي سمة شخصية تتسم بكفاح الفرد لبلوغ الكمال ووضع معايير عالية جدا للأداء، تصحبها تقييمات نقدية مبالغة للذات ومخاوف من تقييمات الغير.
الباحثون حللوا كيفية ارتباط الكمالية بالصحة النفسية ووجدوا أنها على علاقة بالاكتئاب والقلق والوسواس القهري
ويرى خبراء علم النفس أن السعي لتحقيق الكمال هو أمر جيد عادة، بيد أنه قد يتحول أحيانا إلى مرض. فالحصول على حافز للنجاح هو أمر مهم، ومن أجل بذل أفضل ما لدى الشخص. ومع ذلك، إذا كان السعي للكمال مبالغا فيه، فإنه يسبب التوتر والقلق، وفي الحالات القصوى، الأمراض النفسية مثل اضطرابات الأكل واضطرابات الوسواس القهري ومتلازمة الإرهاق أو الاكتئاب.
ويعد الكماليون أقل سعادة من غيرهم، ففي حين يمكن للمتفوقين أن يرتدّوا بسهولة بعد أي إخفاق أو خيبة أمل، يميل الكماليون إلى الانغلاق على أنفسهم، ومحاصرة ذواتهم بالمشاعر السلبية عندما لا يصلون إلى مبتغاهم.
كما يميل الكماليون إلى المماطلة والتسويف رغم ضرر هذا على الإنتاجية. ولأن صاحب الشخصية الكمالية يخشى من الفشل، فإنه يؤجل ما ينبغي فعله خوفا من عدم إتمامه على أكمل وجه، وبالتالي فإنه لا ينجز شيئا فيفشل في النهاية، وهو ما يجعله يدور في حلقة مفرغة.
وعلى الرغم من أن الكثير من الناس يرون أن السعي وراء التميز أمر جيد، فإن الباحثين وجدوا أنه في النهاية القصوى يؤثر الكمال بالسلب على الصحة النفسية.
وفي إحدى الدراسات التجميعية، حلل الباحثون كيفية ارتباط الكمالية بالصحة النفسية عبر دراسات سابقة. نظروا إلى 284 دراسة (مع أكثر من 57000 مشارك) ووجدوا أن الكمالية كانت مرتبطة بأعراض الاكتئاب والقلق واضطراب الوسواس القهري واضطرابات الأكل.
كما وجدوا أن الأشخاص المرتبطين بقوة بسمات الكمالية، كانوا أعلى مستوى في الضيق النفسي الشامل.
وإذا وجد الشخص أنه يمتلك بعض سمات الشخصية الكمالية، فقد يرغب في التخلي عن تلك السمات، ولا يظن أنه سيكون أقل نجاحا. فقد أشار علماء النفس إلى أن التخلي عن الكمال لا يعني نجاحا أقل، ولكن لأن الأخطاء جزء مهم من التعلم والنمو، فإن تقبُّل الخطأ قد يساعد فعليا على المدى الطويل.