نقاش إعلامي يحتدم في الأردن حول جدوى تأسيس مجلس للصحافة

الحكومة الأردنية تضع مسودة السياسة العامة للإعلام لتفعيل قنوات الاتصال وبناء الثقة مع الجمهور ووسائل الإعلام.
الجمعة 2024/03/15
إعلام في حالة احتضار

عمان - يناقش الصحافيون في الأردن الإستراتيجية الوطنية للإعلام، وإمكانية العودة لإنشاء “مجلس أعلى للصحافة”، لمواكبة التطور الإعلامي وبلورة مُحدّدات السياسة الإعلامية والرسائل الوطنية، في الوقت الذي تشتكي فيه الحكومة من ضعف تأثير الإعلام على الرأي العام.

وقال نقيب الصحافيين السابق طارق المومني إن “قبل التفكير بأي جسم بديل لا بد من الإجابة عن سؤالين هما: ماذا تريد الحكومة من الإعلام في ظل التطور المُذهل في وسائل الاتصال والثورة المعرفية والتكنولوجية التي تجعل من الصعب التعامل مع الإعلام بالصورة التقليدية؟ وهل تؤمن أصلا بحرية الصحافة؟”.

ونقلت صحيفة “الغد” المحلية عن المومني تأكيده أن جُلّ ما تؤمن به الحكومات هو كيفية إبقاء السيطرة على وسائل الإعلام وإخضاعها للرقابة، وتعديل التشريعات للوصول إلى ذلك، وما يتم الحديث عنه بين فترة وأخرى عن مسميات توحي بالرغبة في الانفتاح وتعزيز استقلالية الإعلام ربما يأتي لإكمال صورة الديكور المطلوب للإصلاح، وهذا لا يعدو كونه مظهرا خادعا يتنافى مع النهج الصحيح لما يجب أن تكون عليه النظرة للإعلام.

طارق المومني: جل ما تؤمن به الحكومات هو إبقاء السيطرة على الإعلام
طارق المومني: جل ما تؤمن به الحكومات هو إبقاء السيطرة على الإعلام

ويشعر الصحافيون الأردنيون بإحباط شديد ويرون أن ما لم تحدث إصلاحات حقيقية فإن الإعلام سيبقى في حالة احتضار لا يمكنه التأثير على المواطن ولا صناعة رأي عام.

وقررت الحكومة الأردنية العام الماضي إلقاء الضوء على نقاط الضعف في الاتصال الحكومي، بوضع مسودة السياسة العامة للإعلام والاتصال الحكومي لتفعيل قنوات الاتصال وبناء الثقة مع الجمهور ووسائل الإعلام، وهي أبرز مشكلة يعاني منها الإعلام الأردني عموما والرسمي بشكل خاص.

ونوه المومني “يجب أن تتحرّر الحكومات من الخوف من الإعلام، وأن تنظر إليه كرافعة أساسية للديمقراطية والإصلاح، وعين الرقيب الكاشف للحقيقة، وأن تسعى لتعزيز حرية الصحافة واستقلالية مؤسسات الإعلام والحد من مرجعياتها لتعبر عن الوطن بفئاته كافة، والانفتاح على وسائل الإعلام المختلفة والتدفق الحر للمعلومات، ومراجعة القوانين الناظمة للإعلام واختصارها في قانونين على أكثر تقدير أحدها تنظيمي والآخر لمعالجة المخالفات التي ترتكب، والاستفادة من التقنيات الحديثة في علوم الاتصال”.

ويعترف المسؤولون بأن الأردنيين باتوا اليوم فريسة للإعلام الموجه والمشوه الذي يستهدف الأمن الوطني، بسبب سياسة عدم الانفتاح وعدم مدهم بالمعلومة الحقيقية والدقيقة في الوقت المناسب والسرعة اللازمة.

وخلص تقرير يرصد مؤشرات الإعلام في الأردن إلى أن الإعلام الأردني أصبح مقيدا في وقت يفرض فيه الصحافيون الأردنيون رقابة ذاتية ومسبقة على أنفسهم بشكل متزايد.

ويحمّل مراقبون الحكومة مسؤولية تردي الإعلام الأردني وتراجعه، وخاصة أنها لا تدعم وسائل الإعلام، وليست لدى برامج الحكومات المتعاقبة أي إرادة سياسية لتقويتها وتعزيز دورها. ويشير صحافيون إلى أن آخر إستراتيجية وضعت لدعم الإعلام كانت في عام 2011 إبان ما عرف بـ”الربيع العربي”، وانتهت بعد خمس سنوات دون أن تحقق إنجازات تذكر.

وصرح مؤسس وعضو مجلس إدارة مركز حماية وحرية الصحافيين نضال منصور “نحن لا نعارض أي توجه يمكن أن يساهم بدعم الإعلام في الأردن ودعم تفكير الحكومات والدولة الأردنية في التعامل مع الإعلام، فهذا مبدأ راسخ”.

وأضاف منصور “من هذا المنطلق، يجب أن تكون هناك مُحدّدات، ودراسة للتحديات التي رافقت المملكة منذ تأسيسها في التعامل مع الإعلام”، مشيرا إلى أنه “يجب أن نسأل أنفسنا: أين نجحنا وأين أخفقنا؟ وما التحديات وقصص النجاح؟ وما المتطلبات ليكون الإعلام الأردني صوتا مسموعا حاضرا على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، بحيث يمكّن الدول الأردنية من تقديم سرديتها بشكل فعال؟”.

وبحسب منصور “على مرّ السنوات والعقود الماضية جربنا في الأردن توجهات مختلفة، وكانت لدينا وزارة إعلام ثم جاء التوجه بإلغائها من دون نقاش، أو دراسات معمقة حول: لماذا نؤسس ولماذا نلغي؟”.

وتابع “منذ عامين تقريبا، بدأ الحديث عن وزارة اتصال حكومي، وأنها هي من ستتولى وضع إستراتيجيات الإعلام”، مقترحا أن يُمنح وقت كاف لهذه الوزارة، وأن تُعطَى الصلاحيات، وأن يكون لديها تصور واضح عابر أوسع من قصة أن تبقى في حدود معينة من القضايا.

تأسيس مجلس أعلى للصحافة والإعلام يمكن لها أن يسهم في التوعية القانونية بالواجبات والالتزامات المفروضة على الصحافيين والإعلاميين

وأضاف “أعتقد أن مبادرة وزير الاتصال الحكومي بتفعيل منتدى التواصل الحكومي هي خطوة إيجابية، لأنها توفر المعلومات، وهذا ما يحتاجه الإعلام”.

ويعتبر منتدى التواصل الحكومي جزءا من السياسة العامة للإعلام والاتصال الحكومي التي أقرت من مجلس الوزراء في يناير الماضي، ويهدف إلى وضع المسؤولين في لقاء مع الإعلام، لشرح واقع الوزارات والمؤسسات العامة والتحديات التي تواجههم. وهناك توجيهات من الحكومة بأن تكون وزارة الاتصال الحكومي جسرا للتواصل مع وسائل الإعلام ولتعزيز ثقة المواطنين بالرواية الرسمية.

بدوره، يرى المختص في قوانين الصحافة والإعلام والجرائم الإلكترونية أشرف الراعي أن فكرة “تأسيس مجلس أعلى للصحافة والإعلام يمكن لها أن تسهم في التوعية القانونية بالواجبات والالتزامات المفروضة على الصحافيين والإعلاميين، وكذلك التقيد بالمبادئ والآداب والأخلاقيات التي يجب على الصحافي أو الإعلامي أن يلتزم بها ويعمل من أجل تحقيقها، نظرا لما للصحافة من دور اجتماعي، ورسالة وطنية تؤديها”.

وحول الأسس التي يجب أن ترتكز عليها الإستراتيجية الوطنية للإعلام في المملكة، قال الراعي إن “الصحافة والإعلام لا بُدّ وأن يستندا بصورة عامة إلى الأسس المهنية والقانونية والأخلاقية التي وردت وترد في العديد من النصوص القانونية، سواء قانون المطبوعات والنشر أو قانون نقابة الصحافيين أو قانون هيئة الإعلام أو حتى قانون العقوبات وقانون الجرائم الإلكترونية”.

وأشار إلى أن ذلك يجب أن يكون مقرونا مع دراسة الحقوق التي يتمتع بها الصحافيون كقانون حق الحصول على المعلومات، والتركيز على الجوانب الدستورية مثل حرية الرأي والتعبير وحق الإنسان في حياته الخاصة وغيرها من المبادئ الدستورية التي ترتبط بصورة مباشرة أو غير مباشرة بوسائل الصحافة والإعلام.

5