نقابة الصحافيين المصريين تستعيد رونقها بعيدًا عن هيمنة الحكومة

يحاول مجلس نقابة الصحافيين في مصر سلك طريق مغاير لما سلكته المجالس السابقة في التعاطي مع السلطة، عبر التركيز على فتح قنوات تواصل معها دون أن يكون ذلك على حساب استقلاليتها.
القاهرة - استعادت نقابة الصحافيين في مصر قدراً من رونقها في الفترة الماضية عقب انتخابات فاز فيها النقيب المعارض خالد البلشي، وتشكيل مجلس نقابي تغلب عليه النزعة المعارضة.
وعلى عكس المتوقع بدأت جهات حكومية تنفتح على نقابة تُوصف بأنها “قلعة الحريات”، ما منح انطباعًا بأن السلطة والنقابة تحررتا من قيود سابقة تسببت في تراجع العلاقة بينهما بما يشبه العداء.
وأعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل أيام عن زيادة في بدل تدريب التكنولوجيا للصحافيين المقيدين بجداول النقابة (علاوة مالية)، لأول مرة تأتي بشكل مباشر وعلني من رأس الدولة، ما يعد مؤشرا إيجابيا على تطور العلاقة بين النقابة ومؤسسات الدولة، لكنه يوحي ضمنيا بأن دور النقابة يجب أن ينحصر في الدفاع عن مصالح أعضائها بلا انخراط في السياسة.
وصدر بيان عن نقابة الصحافيين حول زيادة قيمة بدل التدريب والتكنولوجيا الذي يحصل عليه الأعضاء شهريًا، بما يوازي مئة دولار، على اعتبار أنها إحدى مؤسسات المجتمع المدني التي لديها ارتباط بأجهزة الدولة، وتم توجيه الشكر للرئيس السيسي، على أساس أن القرار يعكس اهتمامًا رئاسيًا بأوضاع الصحافيين.
لكن النقابة أعادت التذكير بمطالب أخرى على رأسها إدخال تعديلات على القوانين المنظمة للإعلام، والإفراج عن صحافيين محبوسين في السجون المصرية، وإقرار قانون تداول المعلومات، ورفع الحجب عن المواقع.
وبدا إجمالا موقف نقيب الصحافيين وأعضاء مجلس النقابة على دراية بأهمية الحوار والتفاوض مع مؤسسات الدولة، والدفاع عن حقوق الصحافيين دون دخول في صدامات معها يمكن أن تضر بمصالحهم كما حدث في مرات سابقة.
ويتفق صحافيون على أن نقابتهم تسير بخطى ثابتة نحو إعادة ترسيخ حضورها بعد أن فتحت أبوابها لاستقبال أعضائها بلا قيود أو معوقات، ونظمت العديد من الفعاليات الاجتماعية والثقافية أعادت التواصل داخلها، وبدت أكثر حرصًا على تقديم خدمات يحتاجها صحافيون في ظل أوضاع مهنية ومعيشية معقدة، الأمر الذي يساهم في أن تحظى الجهود بترحيب من يعارضون أعضاء مجلس النقابة ومن يؤيدونه.
ونظمت نقابة الصحافيين حفلات فنية بمناسبة مئوية رحيل الموسيقار سيد درويش قبل أيام، واستقبل مسرح النقابة المئات من الصحافيين وأسرهم وسيطرت حالة من الارتياح على وجوه الحاضرين، وظهر شعور عام بأنه جرت استعادة النقابة التي ظلت سنوات حبيسة بذريعة ترميم مقرها، وتوقفت غالبية الفعاليات الثقافية والاجتماعية والسياسية.
وقالت الكاتبة والصحافية المخضرمة أمينة شفيق، عضو مجلس نقابة الصحافيين سابقا، إن “الواقع يشير إلى وجود حالة من النشاط المتزايد لنقابة الصحافيين في اتجاهات مختلفة، وهو أمر افتقدناه في السنوات الماضية، بما يصب لصالح الصحافيين بشكل مباشر، ويؤكد أن هناك رغبة سياسية في أن تستعيد النقابة أدوارها المتباينة”.
وأوضحت شفيق في تصريح لـ”العرب” أن إقرار زيادة مالية جديدة في بدل التدريب والتكنولوجيا بقرار من رئيس الدولة هو تطور نوعي ومهم يؤكد أن الدولة باتت مقتنعة بأن مجلس النقابة الحالي خلع الرداء الحزبي قبل أن تطأ أقدامه سلم النقابة الشهير، لكن في الوقت ذاته لا يمكن التعويل على السلطة السياسية بشكل كبير للحصول على مكاسب تتعلق بالحريات العامة، وقد تكون استجابة الحكومة للمطالب التي تقدمها النقابة متواضعة.
وربما لا تأتي قضية الحريات على رأس أولويات الصحافيين في هذه المرحلة التي يسعون فيها نحو استعادة العلاقة القوية بين النقابة وجهات حكومية وفقا لأسس جديدة تقوم على التفاهم وليس تنفيذ الأوامر والتعليمات، وأن يبقى التعاون قائما على كيفية تحقيق الاستفادة المطلوبة للصحافيين الذين يحتاجون الدعم الحكومي مع تدهور أوضاعهم المعيشية أسوة بفئات أخرى في المجتمع تواجه أعباء إضافية بسبب أزمات الاقتصاد وانخفاض قيمة الجنيه وارتفاع معدلات التضخم.
يدرك مجلس النقابة الحالي هذه النقطة وروافدها الاقتصادية المتشعبة، ويرى أعضاؤه أن التصعيد لتحقيق مطالب ترتبط بحرية الرأي والتعبير لن يحقق أثره الإيجابي في الوقت الراهن، لأن هذا الملف يرتبط بأجواء سياسية عامة.
كما أن الدخول في صدام يقوض مساعي النقابة للتدخل من أجل الإفراج عن صحافيين محبوسين والتعامل مع أي طارئ يتعرض له أبناء المهنة، وكل ذلك بحاجة إلى توافر قاعدة علاقات قوية مع أجهزة الدولة لإمكانية حل الأزمات والتعامل معها بروية.
واستطاع مجلس النقابة الحالي أن يُحدث اختراقًا في أحد الملفات المهمة التي شغلت الصحافيين وانعكست سلبًا على النظرة العامة الموجهة إليهم بعد أن تمكن من ضبط عدد من الكيانات الوهمية التي تتورط في انتحال صفة الصحافي، بالتنسيق مع وزارة الداخلية التي تحركت بشكل سريع بعد بلاغات تقدم بها نقيب الصحافيين خالد البلشي، وسكرتير عام النقابة جمال عبدالرحيم، واتخذت ما يلزم من إجراءات.
وأكد رسام الكاريكاتير نبيل صادق، وهو أحد المهتمين بأوضاع نقابة الصحافيين ويحرص بشكل دائم على التواجد في مقر النقابة، أن الأزمة تكمن في تصور البعض أن غلق النقابة وتضييق الخناق على أنشطتها أمر يخدم الحكومة ويحقق مطالبها، وتحول مجلس النقابة السابق إلى ما يمكن وصفه بأنه “ملكيّ أكثر من الملك”، لأن تواجد الصحافيين في نقابتهم لا يمكن أن يشكل خطراً على الدولة.
وذكر صادق في تصريح لـ”العرب” أن التضييق على الصحافيين ووجود معدات البناء على سلم النقابة وداخلها لسنوات خلقا حالة من الاحتقان بينهم وبين السلطات، وكانت تأثيرات ذلك سلبية على مناح مختلفة، ما تطلب اتخاذ قرارات سريعة من المجلس الحالي هدفها أن يصبح مبنى النقابة التاريخي في وسط القاهرة قبلة لأبناء المهنة.
ولفت إلى أن المجلس الحالي ينتهج سلوك التفاوض والنقاش والحوار بشكل عقلاني مع أجهزة الدولة بعيداً عن التشنج الذي صاحب مجالس سابقة غلبت عليها المعارضة، وهناك قناعة بأن قضايا الصحافيين يجب أن يتم حلها في إطار سياسي وأن النقيب خالد البلشي استوعب دروس وعبر الماضي، وتزامن ذلك مع إدراك الحكومة أنها تحتاج إلى حس سياسي، وهو خدم النقابة التي عرضت مطالبها عبر الحوار الوطني.
ويحاول مجلس النقابة الحالي تجاوز مسألة الخلافات الداخلية التي كانت دائما تعرقل عمل المجالس السابقة. ورغم أنه شهد نزاعات بشأن توزيع مهام العمل عقب انتخاب أعضائه، فقد هدأت الأجواء الآن بشكل كبير.
ويبقى أمامه أن ينجح في ضبط الأداء المهني والتدخل بشكل إيجابي لأجل تحسين بيئة العمل في الصحف الحكومية والخاصة، وانتزاع المزيد من المكاسب التي تتعلق بحرية الرأي والتعبير كي لا يُفهم هدوؤه على أنه ضعف في نظر الصحافيين.