نفوذ القاعدة في مسرح الصراع السوري يمهد لخلافة جديدة

هيئة تحرير الشام البديل لتنظيم الدولة الإسلامية المهزوم شمال غرب سوريا.
الاثنين 2019/05/27
القاعدة بديل داعش في سوريا

يفتح التصعيد في إدلب السورية بابا واسعا أمام مزيد توتر العلاقة الروسية التركية وتداعيات ذلك على اتفاقي سوتشي وأستانة، بسبب استياء أنقرة من الغارات الروسية على ريف إدلب في الأسابيع الأخيرة. كل هذه التطورات دفعت تركيا إلى مزيد تسليح المعارضة في الشمال السوري لحماية مناطق نفوذها، لكن هذا القرار وإن جاء وفقا لاتفاق عدم التصعيد المبرم مع موسكو، فإنه يفتح نوافذ أخرى للنقاش خاصة أن ذلك يأتي أيضا بعد دعوة القائد العام لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) أبومحمد الجولاني الفصائل السورية الموالية لأنقرة لفتح جبهات قتال ضد قوات النظام في وقت تحذر فيه تقارير دولية من أن تتمكن الجماعة الموالية للقاعدة من تأسيس تنظيم جديد قوامه الخلافة بعد سقوط داعش.

إدلب (سوريا) – تتفاقم في الأسابيع الأخيرة على الساحة السورية الخلافات الروسية التركية، التي تمهّد لوضع اتفاق سوتشي في خانة الحبر على ورق وتدفع سيناريو العمل العسكري في إدلب إلى الواجهة رغم ما قد يحمله من كارثة إنسانية.

وحذرت موسكو من أن أنقرة فشلت حتى الآن في تنفيذ ما وعدت به، والقاضي بعمل تركيا على تخليص إدلب من هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)، إلا أن نفوذ الأخيرة توسع.

وتعقّد الوضع أكثر السبت بعدما أكد مسؤولون بالمعارضة السورية ومصادر من المسلحين أن تركيا أمدت مجموعة من مقاتلي المعارضة بأسلحة جديدة لمساعدتهم في صد هجوم كبير للقوات السورية المدعومة من روسيا.

وتدعم روسيا الهجوم الضخم الجوي والبري للجيش السوري الذي يسعى للسيطرة على آخر منطقة كبيرة لا تزال تحت سيطرة المعارضة في شمال غرب البلاد.

وتحذر تقارير دولية من أن يضاعف تزايد نفوذ تنظيم القاعدة في سوريا عبر هيئة تحرير الشام التي قد تركز تنظيما جديدا لدولة الخلافة بعد سقوط داعش، خاصة أن كل التطورات الميدانية تأتي عقب دعوة القائد العام لهيئة تحرير الشام أبومحمد الجولاني الفصائل السورية الموالية لأنقرة لفتح جبهات قتال ضد قوات النظام.

وتدور مؤخرا اشتباكات عنيفة بين قوات النظام من جهة وهيئة تحرير الشام مع فصائل إسلامية من جهة ثانية في ريف حماة الشمالي المجاور لمحافظة إدلب، أوقعت العشرات من القتلى من الطرفين، وتتزامن مع غارات كثيفة.

وعلاوة على الصراع السياسي بين القوى الإقليمية والدولية في سوريا على غرار تركيا وروسيا وإيران، فإن هذه التطورات لا تحمل في طياتها تحديد هوية المنتصر من بين هذه القوى فحسب، حيث لاحت في الأفق تحذيرات من أن يحل تنظيم القاعدة محل داعش في سوريا بعد أن تعاظم دور هيئة تحرير الشام.

ويؤكّد تقرير صادر عن مركز “أوراسيا ريفيو” الأميركي للدراسات والبحوث، أن تنظيم داعش المهزوم في معاقله بسوريا، بات يركز مرحلة جديدة تكمن في التوسع العالمي. ويتضح ذلك في الهجمات التي شنّت في سريلانكا، فيما يتمتع منافسه تنظيم القاعدة بعودته إلى مسرح الصراع السوري.

Thumbnail

ويعود التقرير على تاريخية ظهور القاعدة في سوريا، بتأكيده أنه بعد ما يقارب 20 عاما على هجمات 11 سبتمبر، سيطرت الفروع التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا على محافظة إدلب في شمال شرق البلاد، مشيرا إلى أن تطورات الأشهر الأخيرة سمحت بإنشاء القاعدة كنموذج أولي لخلافة جديدة تجمع حوالي ثلاثة ملايين شخص.

ومنذ بداية العام الحالي، وسّعت هيئة تحرير الشام التابعة لتنظيم القاعدة سيطرتها الإدارية عبر إقامة “حكومة إنقاذ” تشمل أكثر من 20 بلدة وقرية في شمال سوريا .

ومثلت هذه التطورات آخر ضربة لوقف إطلاق النار الذي توصلت إليه موسكو وأنقرة في السابع عشر من سبتمبر 2018، والذي قضى بإقامة “منطقة منزوعة السلاح” في محافظة إدلب وجوارها.

وقد وضع الاتفاق حينها لصالح إدلب التي تعد آخر معقل رئيسي لزمرة من المتمردين والفصائل الجهادية التي حاولت الإطاحة بنظام بشار الأسد طيلة ثماني سنوات.

خلافة داعش

على نهج الدولة الإسلامية التي استولت على مساحات شاسعة من العراق وسوريا وأعلنت هدفها في نشر الجهاد في جميع أنحاء العالم، تسعى هيئة تحرير الشام إلى إقامة دولة إسلامية بدلا عنه. واختارت هيئة تحرير الشام العمل على المدى الطويل عبر تبني إستراتيجية ذات طابع شامل محلي وعالمي، تؤجل فيها طموحاتها العالمية لصالح كسب الدعم الشعبي والأراضي محليا. ومكّن هذا القاعدة من اكتساب سيطرتها في سوريا.

ومع امتلاكها ما يصل إلى 20 ألف مقاتل، تعتبر هيئة تحرير الشام أقوى تحالف متطرف في سوريا ويضم أكبر تجمع للجهاديين المسلحين الذين تلاقوا في مكان واحد. وقد قال مبعوث أميركي سابق إلى سوريا إن البلاد أصبحت “أكبر ملاذ آمن للقاعدة منذ 11 سبتمبر”.

وتوحد هيئة تحرير الشام الجماعات السلفية الجهادية المحلية والأجنبية، وتشكّلت أساسا من فرع القاعدة السابق في سوريا، جبهة النصرة. كما نجحت في استقطاب الآلاف من المقاتلين من ألبانيا والصين وآسيا الوسطى وإيران وجزر المالديف وروسيا. وصنّفت الولايات المتحدة وروسيا وتركيا والأمم المتحدة هيئة تحرير الشام ومعظم الفروع التابعة لها كمنظمات إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة.

تقارير دولية تحذر من أن يضاعف تزايد نفوذ هيئة تحرير الشام من احتمالات تأسيس القاعدة لدولة خلافة جديدة

وتحسبا لهجوم النظام السوري على إدلب، طوّر التنظيم نحو 10 وحدات من الكوماندوز المدربين داخل الفصائل الجهادية التي تقاتل تحت رايتها. ولهذا الغرض، استأجرت مجموعة “الملحمة تاكتيكال”، وهي مرتزقة جهادية يقودها جندي روسي كان ينتمي إلى القوات الجوية الخاصة، لتوفير تدريب تكتيكي خاص إلى وحداتها البارزة المعروفة باسم “عصائب الموت” و”العصائب الحمراء”.

وامتد هذا التدريب ليشمل أقسام المقاتلين الأجانب القادمين من الصين وقيرغيزستان وجزر المالديف وغيرها. وتدرب بعض هؤلاء المقاتلين ليصبحوا “انغماسيين”، أي جنود انتحاريين ينتشرون في أوساط الأعداء لشن غارات مفاجئة على مواقع العدو المحصنة.

ضغوط عسكرية

في الأشهر الأخيرة، واجهت هيئة تحرير الشام ضغوطا عسكرية شديدة سلّطها عليها النظام السوري وحليفته روسيا. وأخّر اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه في سبتمبر، والذي وقعته روسيا وتركيا التي تعد أحد مؤيدي المعارضة السورية، هجمات الحكومة الرامية لاستعادة المحافظة.

وأملت تركيا في أن يمنح الاتفاق وقتا كافيا لإبرام صفقة بين دمشق ومعاقل المتمردين الباقين لتجنّب حدودها مواجهة أزمة لاجئين جديدة. ومع ذلك، تشير المكاسب التي حققتها هيئة تحرير الشام مؤخرا في إدلب إلى أن جهود تركيا في نزع سلاح الجهاديين وحل مجموعاتهم لم تكن مجدية.

ويتوقع معظم المراقبين هجوما حكوميا وشيكا في إدلب، فمن غير المرجح أن تتسامح دمشق مع وجود جماعات جهادية مسلحة في هذه المقاطعة ذات الأهمية الإستراتيجية. فبالنسبة للنظام السوري، تمثل إدلب المحطة الأخيرة في الحرب الأهلية المستمرة منذ سبع سنوات، ويأمل في وضع حد سريع لها لضمان سلامة البلاد الإقليمية.

Thumbnail

و يشكل وجود أعداد من المقاتلين الروس والقادمين من آسيا الوسطى والذين يقاتلون في صفوف تنظيم القاعدة في سوريا مصدر قلق أمني لروسيا. فقد نفذت هيئة تحرير الشام وحليفتها في آسيا الوسطى “كتيبة التوحيد والجهاد” هجوم مترو سانت بطرسبرغ سنة 2017 حين كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المدينة. وجاء هجومها كرد على تورط روسيا العسكري في سوريا.

وتعرضت منطقة إدلب لقصف متكرر منذ بداية السنة الحالية. وحذرت الأمم المتحدة من أن تصاعد العنف يهدد إيصال المساعدات إلى حوالي 2.7 مليون شخص يحتاجها. ووفقا للتقديرات، فرّ أكثر من 86.500 شخص من منازلهم في فبراير ومارس نتيجة تصاعد العنف. والتجأت هيئة تحرير الشام إلى تكتيكات قمعية لإبقاء سيطرتها على أراضيها. ومنذ بداية 2019، نفذت الجماعة أكثر من 460 هجوما على قوات النظام، السوري ر.

غم محاولة إظهار نفسها كجبهة موحدة، تعاني هيئة تحرير الشام من الانشقاقات الداخلية، وتنقسم قيادتها إلى معسكرين. يضم المعسكر الأول مقاتلين أجانب، يرفضون أي مفاوضات مع تركيا ويسعون إلى مواصلة القتال ضد النظام السوري. ويتألف المعسكر الآخر من مقاتلين محليين، بمن فيهم زعيم التنظيم أبومحمد الجولاني، ويبدون مستعدين لتأييد خطط تركيا.

مع هذه الانشقاقات، دعت أنقرة إلى شن حملة لاستهداف الفصائل المتشددة في الجماعة بدلا من إطلاق عملية عسكرية كاملة. وكان من المرجح أن يؤدي الضغط الذي تمارسه تركيا وسوريا وروسيا إلى انهيار هيئة تحرير الشام، لكن اتهامات موسكو لأنقرة تعقد هذه المسألة.

ويوفر عدم الاستقرار في المسرح السوري الظروف المناسبة لاستغلال المقاتلين. وإذا هزمت جبهة تحرير الشام، ستصبح بعض الفصائل المتشددة قادرة على إعادة تجميع صفوفها تحت راية القاعدة العالمية، لتبدأ في شن هجمات خارج منطقة الصراع السوري إثر ذلك.

7