نفط قسد يتدفق نحو مناطق الحكومة السورية المركزية

دمشق – استأنفت الإدارة التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا تسليم النفط الخام إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، وذلك بموجب اتفاق جديد بين الطرفين، فيما تترقب دمشق تعليق الاتحاد الأوروبي عقوباته في مجالات الطاقة والنقل والقطاع المصرفي الاثنين المقبل.
وأعلن مسؤول بوزارة النفط السورية السبت أن الإدارة التي يقودها الأكراد في شمال شرق البلاد استأنفت تسليم النفط إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة لأول مرة منذ إطاحة بشار الأسد.
وقال مدير العلاقات العامة في الوزارة أحمد سليمان لوكالة الصحافة الفرنسية إنه تمت قبل يومين "إعادة ضبط" العقود بين الجانبين "بما يتناسب مع مصلحة الشعب السوري".
وأضاف أن العقود المبرمة في ظل حكم الأسد كانت "مجحفة جدا" و"توجد بها بنود غير قانونية"، من دون تقديم تفاصيل.
وأوضح أن الاتفاق يشمل تسليم 150 ألف برميل نفط ومليون متر مكعب من الغاز يوميا.
وفي وقت لاحق السبت، قال سليمان لوكالة الأنباء الرسمية (سانا) إن العقود الجديدة صالحة "لمدة ثلاثة أشهر مبدئيا".
ويعكس هذا التطور رغبة الطرفين في التعاون في القضايا الاقتصادية، وقد يساهم هذا الاتفاق في تحسين العلاقات بين الطرفين، وفتح الباب أمام مزيد من التعاون في المستقبل.
ومن شأن ذلك أن يساهم في تخفيف أزمة انقطاع الكهرباء التي تفاقمت خلال العقد الماضي نتيجة الحرب وعدة أسباب أخرى ومنها نقص الوقود اللازم لتشغيل محطات التوليد.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) حالياً على معظم المواقع الإنتاجية للنفط السوري بدعم أميركي، حيث تشرف الولايات المتحدة عملياً، على أكبر حقلين في محافظة دير الزور (شرقي سوريا). وتسيطر "قسد" على حقول رميلان في محافظة الحسكة (شمال شرق)، بينما لم يكن نظام بشار الأسد مسيطراً إلا على بعض الحقول الصغيرة، قليلة الإنتاج في ريف حمص الشرقي (وسط البلاد) ومحافظة دير الزور.
وحقل العمر أكبر الحقول في محافظة دير الزور، ويقع على بُعد 15 كيلومتراً شرق بلدة البصيرة، وكان ينتج 80 ألف برميل يومياً قبل 2011، يليه حقلا التيم والورد المتوسطان، وكانا ينتجان 50 ألف برميل يومياً لكل منهما، ثم حقل التنك الواقع في بادية الشعيطات بريف دير الزور الشرقي، وكان ينتج 40 ألف برميل.
وفيما يُعتبر حقل الرميلان في محافظة الحسكة واحداً من أقدم حقول النفط في سورية، يُقدّر خبراء عدد الآبار النفطية التابعة له بـ1322 بئراً، وكان ينتج 90 ألف برميل يومياً، إلى جانب حقول أخرى في محافظة الحسكة، كحقول الشدادي والجبسة والهول، وأصغرها حقل اليوسفية.
ويأتي استئناف تدفق النفط من شمال شرقي البلاد إلى داخلها، في وقت تجري فيه مفاوضات سياسية بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" لتجنب القتال وانضمام عناصر "قسد" للجيش السوري، والمشاركة في إدارة البلاد ضمن سوريا موحدة.
وتسيطر الإدارة الكردية على جزء كبير من شمال شرق البلاد الغني بالنفط، حيث تقيم إدارة ذاتية بحكم الأمر الواقع.
وحثّ حكام سوريا الجدد، المقربون من أنقرة، كل الفصائل المسلحة ومن بينها قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل الأكراد عمادها، على تسليم أسلحتها ورفضوا فكرة الحكم الذاتي الكردي.
وتشن فصائل سورية مدعومة من تركيا هجمات على مواقع قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا منذ نوفمبر، في غياب أي مؤشرات إلى تراجعها.
وقادت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة الحملة العسكرية التي أدت إلى دحر تنظيم الدولة الإسلامية من آخر معاقله في سوريا عام 2019.
لكن تركيا تتهم مكونها الرئيسي، وحدات حماية الشعب الكردية، بالارتباط بحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمردا مسلحا منذ أربعة عقود ضد الدولة التركية.
وتواجه دمشق صعوبة في استيراد النفط عبر وسطاء محليين، إذ لم يتقدم أحد من كبار المستوردين للحصول على المناقصات التي طرحتها بسبب استمرار العقوبات والمخاطر المالية، وفق ما ذكرت رويترز في وقت سابق.
وتترقب دمشق اجتماع مجلس المندوبين في الاتحاد الأوروبي، الاثنين، الذي سيناقش تعليق العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا في مجالات الطاقة والنقل والقطاع المصرفي.
وتعول دمشق على رفع العقوبات الاقتصادية الدولية اللازم لإعادة إقلاع الدورة الاقتصادية، ورغم وجود توافق أوروبي على ضرورة رفع العقوبات عن سوريا، فإن مسؤولاً أوروبياً صرح في وقت سابق لوكالة الصحافة الفرنسية، بوجود خلاف حول رفع العقوبات عن القطاع المصرفي في سوريا، على خلفية مخاوف بعض الدول من احتمال أن يصب ذلك في "تمويل الإرهاب".
وبعد الاجتماع الذي جرى مؤخراً في دمشق بين وزير الاقتصاد السوري باسل عبدالحنان ووفد من مفوضية الاتحاد الأوروبي، جرى خلاله تقييم الواقع الاقتصادي وسبل التنمية الاقتصادية، وبحث مسألة رفع العقوبات المفروضة على سوريا، ازدادت التوقعات برفع العقوبات عن القطاع المالي.
وفرض الاتحاد الأوروبي (27 دولة) عقوبات واسعة النطاق على نظام الأسد في مايو 2011، على خلفية القمع الوحشي للاحتجاجات الشعبية، وجرى تمديد العقوبات وتوسيعها عدة مرات. حتى شملت مجالات واسعة وأساسية في الاقتصاد السوري، أبرزها حظر تصدير النفط والمنتجات النفطية السورية وتقييد الاستثمار.
وفي المجال المصرفي، تم تجميد أصول البنك المركزي السوري في دول الاتحاد الأوروبي، ومنع المؤسسات المالية السورية من فتح فروع أو شركات بأوروبا.
وشملت العقوبات تجميد الأصول وحظر السفر لمئات الأفراد والمسؤولين والكيانات المرتبطة بنظام الأسد. مع وقف سياسة التعاون مع سوريا وقروض بنك الاستثمار الأوروبي، وأسهمت العقوبات في تهالك الاقتصاد السوري، واستفحال الفساد.
وحذرت للأمم المتحدة، في تقرير الجمعة، من أن الاقتصاد السوري إذا ما استمر بمعدلات النمو الحالية فإنه لن يتمكن قبل عام 2080 من استعادة مستوى الناتج المحلي الإجمالي المتحقق ما قبل عام 2011.
وبحسب التقرير أن تقليص فترة التعافي إلى عشرة سنوات يحتاج إلى مضاعفة النمو الاقتصادي السنوي ست مرات. حيث فقد الناتج المحلي الإجمالي أكثر من نصف قيمته خلال السنوات الأربع عشرة الماضية، وأن تسعة من كل عشرة سوريين يعيشون اليوم تحت خط الفقر.
وتشير التقارير إلى أن الأوروبيين يعتمدون مبدأ خطوة بخطوة، في "تعليق" العقوبات ضمن جدول زمني، فإما أن يمضي الاتحاد الأوروبي في رفع تدريجي للعقوبات، وإما العكس. حيث يطالب الأوروبيون بإشراك كافة أطياف المجتمع السوري في المرحلة الانتقالية، وضمان مشاركة المرأة واحترام حقوقها، وصياغة دستور جديد يضمن حقوق المواطنة، وإجراء انتخابات حرة.