نعوش الجنود الأتراك القادمة من سوريا وليبيا تحرج أردوغان

مقتل العشرات من الجنود الأتراك في إدلب يدفع الشارع التركيّ للتعبير عن رفضه لسياسات أردوغان، فيما يتهم معارضون الرئيس التركي بالاستهانة بأرواح جنوده.
الثلاثاء 2020/03/03
الاستهتار بدماء الجنود الأتراك يكلف أردوغان غاليا

أنقرة - بدأت توابيت الجنود الأتراك الذين لقوا حتفهم في سوريا وليبيا تزيد الضغط على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتحرجه داخل تركيا وفي الخارج. وتظهره بمظهر الزعيم الذي يريق دماء الجنود الأتراك في حروب عبثية.

في الأيام والأسابيع القليلة الماضية، قُتل العشرات من الجنود الأتراك في معركة إدلب بشمال غرب سوريا، وفي طرابلس بليبيا، ما أربك أردوغان أمام الشعب التركي الذي كان يعده بأنّه سيحقّق له السلام والأمان، ولن يهدر دماء أبنائه، وهو وعد لم يستطع الوفاء به.

ويقول معارضون أتراك إن أردوغان يسترخص دماء الجنود الأتراك الذين يلقي بهم في جبهات القتال في إدلب وطرابلس، ويستهين بأرواحهم، كما يستخفّ بجراح ذويهم، في سبيل تطبيق أجنداته المتمثلة بالهروب إلى الأمام، ومحاولة التغطية والتعتيم على الأزمات الاقتصادية والسياسية التي ترزح تركيا تحت أعبائها.

وتشدد المعارضة على أن الأمن القومي ذريعة أردوغان الدائمة لتوجيه أنظار المواطنين الأتراك إلى خارج الحدود، والادّعاء بأنّ الأعداء يتربّصون بتركيا، وعلى الجيش التركي المبادرة لحماية الأمن القومي والحفاظ على أمن البلاد وسلامته ضدّ أيّ تهديدات خارجية، ويعمل من خلال إشهار هذه الذريعة التي يعتبرها ورقته الرابحة، تجميع الأتراك من حوله، بعد ترويعهم من المخاطر التي تتهدّدهم من الخارج.

أردوغان يغوص في رمال الحرب المتحرّكة في كلّ من سوريا وليبيا، ولا يمتلك أيّ تصوّر للخروج من الأزمات التي ألقى بتركيا فيها
أردوغان يغوص في رمال الحرب المتحرّكة في كلّ من سوريا وليبيا، ولا يمتلك أيّ تصوّر للخروج من الأزمات التي ألقى بتركيا فيها

وبهذا المنطق، تبدو حالة الحرب الحالة الأقرب لسلوكيات أردوغان وممارساته وسياساته، حيث يُبقي الأتراك متأهبين لأي صدمة، سواء اقتصادية أو سياسية، ويُبقي الجيش التركي في حالة تأهّب، في انتظار ما سيورّطه به أكثر كلّ مرّة، متجاهلا ما يوصف به من سلوك الاستهتار بأرواح الجنود وسلامتهم، ناهيك عن استخفافه بالمآسي التي تخلفها الأزمات الاقتصادية وانهيارات الليرة المتسارعة على حياة المواطنين.

“لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”.. هو الشعار الذي يرفعه أردوغان في وجوه معارضيه الذين يحاولون كشف مخطّطاته وفضح مزاعمه بحماية الأمن القومي التركي، وهو سلاح أردوغان الذي يشهره لإسكاتهم، وإظهارهم على أنّهم يتآمرون مع الأعداء بطريقة غير مباشرة، عبر مطالباتهم بالانكفاء على الداخل التركي، والانسحاب من الجبهات التي تشكّل حائط صدّ للمشاريع “الإرهابية” التي يزعم أنّها تستهدف بلاده.

دفعت الخسائر الكبرى التي تكبّدتها القوّات التركية في إدلب، حيث قتل أكثر من 33 جنديا في يوم واحد، الأسبوع الماضي، الشارع التركيّ إلى التعبير عن رفضه لسياسات أردوغان الذي يغوص في رمال الحرب المتحرّكة في كلّ من سوريا وليبيا، ولا يمتلك أيّ تصوّر للخروج من هذه الأزمات التي ألقى بتركيا فيها.

حرص أردوغان على الإشارة إلى أنّه يستخدم المرتزقة السوريين لتنفيذ أجنداته في ليبيا، والقتال إلى جانب الميليشيات التي يدعمها في طرابلس، لكنّ ذلك الزعم يتناقض مع الواقع، حيث تتكبّد القوّات التركية هناك خسائر فادحة في المعدات والطائرات والجنود.

وفي تعليق على ذلك، سخر أحد المحللين من زعم أردوغان أنّه أرسل ثلاثين جنديا تركيا فقط إلى ليبيا كخبراء ومستشارين، وأشار إلى أنّه قتل حتّى الآن أكثر من 32 جنديا، فكيف يتحايل على الشعب التركي، ويقوم بتضليله بمعلومات غير دقيقة.

ويلفت معارضون أتراك إلى أنّ أردوغان يحاول التغطية على تعاونه مع الجماعات الإرهابية في إدلب وطرابلس، ويعمل على حمايتها وتزويدها بأحدث الأسلحة والمعدّات، متجاهلا الدعوات الدولية لإيقاف دعم هذه الجماعات المتشددة التي تساهم بنشر الإرهاب.

ويدخل أردوغان القوات التركية ضمن المجموعات المتشددة، ممارسا نوعا من التقية من جهة، والتغطية على تلك الميليشيات وحمايتها من جهة أخرى، وهذا ما أكّدت عليه وزارة الدفاع الروسية التي ذكرت أن الجنود الأتراك قتلوا على أيدي القوات الحكومية السورية، عندما كانوا يساعدون مسلحين “إرهابيين” في إدلب.

وأضافت أن “الجنود الأتراك الذين كانوا ضمن التشكيلات القتالية للوحدات الإرهابية تعرضوا لنيران القوات السورية قرب بلدة مأهولة في 27 فبراير”.

وتلقي المواجهات بين القوات التركية والسورية بثقلها على التعاون الوثيق الذي تطور في السنوات الماضية بين أنقرة وموسكو في عدة مجالات مثل الملف السوري والدفاع والطاقة، ما يحرم تركيا من الدعم الروسي الذي كانت تتسلّح به في مفاوضاتها مع الغرب، سواء في مسألة التسلّح أو الضغط على الناتو أو الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وبعدما منيت القوات التركية بخسائر فادحة، يحذّر معارضون أتراك أردوغان من مغبّة التمادي في سياساته، ومن خطورة استهتاره بدماء الجنود الأتراك التي تراق في إدلب وطرابلس، ويؤكّدون أنّ التوابيت قد تشعل تمرّدا يتصاعد ويتّسع في الداخل التركي الذي يغلي، ولا يخفي نقمته وغضبه من هذا الكمّ الكبير من القتلى في صفوف قوّاته المسلّحة.

7