"نظرية التلقي".. موت المؤلف يعني ميلاد القارئ

وجود النص يتطلب القارئ بقدر ما يتطلب الكاتب إذ الأساس في قراءة النص الأدبي التفاعل بينه وبين متلقيه.
الثلاثاء 2024/01/09
يشترك القراء في أفق تاريخي واحد

الجزائر- يبحث الناقد خالد وهاب في كتابه “نظرية التلقي” في مسالك القراءة والتأويل في الرواية، وذلك عبر طرح عدد من الأسئلة، أبرزُها: كيف وبأية إستراتيجية يُضمرُ القارئ داخل النصوص الروائية؟ وكيف يسهم هذا القارئ الـمُضمر في مقروئية العمل الأدبي؟ وما هي الجوانب الشكلية والموضوعاتية التي تحدد مقروئية العمل الأدبي؟ وما المواضعات -سواء أكانت جمالية أم ثقافية- التي يرجع إليها القراء لتكوين معاني النصوص الروائية، والتي يلجأ إليها المؤلفون لتيسير أو تعقيد أو ربما إحباط وتخييب الأفق المرجعي الذي يستند إليه قراؤهم؟

ويؤكد هذا الباحث في دراسته أن جل هذه التساؤلات تشكل سلسلة من الدوائر المتداخلة تشترك جميعها في مركز واحد يتعلق أساسا بـ”علاقة القارئ بالمقروء”، حيث تضطلع النظرية الألمانية أو ما بات يُعرف بـ “نظرية جمالية التلقي” بمهمة توصيف هذه العلاقة ضمن اتجاهين؛ الأول مع “آيزر” الذي كان اهتمامُه منصبا على دراسة النص من الداخل، أي دراسة وتحديد التأثيرات التي يمارسها النص الأدبي على قرائه المفترضين، وذلك عبر رصد الكيفية التي يتم بها هذا التفاعل.

"علاقة القارئ بالمقروء"
”علاقة القارئ بالمقروء”

أما الاتجاه الثاني الذي مثله زميله ياوس فقد كان جهده منصبا على دراسة “تاريخ تلقي النص الأدبي”، وذلك لأنه انطلق في مشروعه للإجابة عن تساؤل شكل فيما بعد المرتكز الذي قامت عليه نظريته، والمتمثل في “ما سر خلود أعمال أدبية، في حين أن أعمالا أخرى تتراجع وتموت؟”، وهو ما جعله يعتقد أن “تاريخ تلقي النص الأدبي” ينفلت من اعتقادات النزعة الفردية الذاتية، وينشأ من أفق جماعي عام؛ إذ يشترك القراء في أفق تاريخي واحد، وتحركهم هواجس أيديولوجية متشابهة.

وموتُ المؤلف -بحسب هذه الدراسة- يعني من ناحية أخرى ميلاد القارئ؛ فوجود النص يتطلب القارئ بقدر ما يتطلب الكاتب، إذ الأساس في قراءة النص الأدبي هو التفاعل بينه وبين متلقيه (القارئ)، ليكون بهذا المشعل للمتلقي لتفعيل النص الأدبي من بعد تحرر القارئ/ القراءة من سلطة النص والمؤلف وانفتاحه على “تعددية المعاني”. وهذا ما أقرته نظرية التلقي؛ فالنظرية الألمانية قلبت الموازين في المعادلة الأدبية/ النقدية.

وإذ ذاك، فالقارئ ديدن جمالية التلقي مع رائديها الألمانيين؛ فهو الأساس في أي منظور لفهم العمل الأدبي من خلال التعقيدات المتعالية لتجربة القراءة -حسب آيزر- في إطار العلاقة التفاعلية بين القارئ والنص، ومن خلال تطور العمل الأدبي -حسب ياوس-، ثم قيمة النص وجماليته في خضم تعدد القراء واختلاف درجات الفهم وأفق التأويل.

يُشار إلى أن الباحث والأكاديمي خالد وهاب، مؤلف هذا الكتاب، حاصلٌ على شهادة دكتوراه في الأدب العربي عن بحث بعنوان “جمالية التلقي والتأثير في ثلاثية أحلام مستغانمي” قدمه في جامعة محمد بوضياف بالمسيلة، في 2016، وهو يُدرس حاليا الأدب العربي بجامعة المسيلة (جنوب الجزائر).

12