نظام الكفالة في مصر يوفر للأيتام عيشا كريما

يعوض نظام الكفالة في مصر التبني الذي يحرّمه الإسلام. ويعد نظام الكفالة نظام رعاية بديلا يمكن للمتبنّين بموجبه أن يصبحوا أوصياء على الأطفال الأيتام. ويعاني بعض الأطفال الذين يُفترض أنهم ولدوا خارج إطار الزواج أو تم التخلي عنهم من وصمة عار من صعوبات كثيرة، ويساعد نظام الكفالة على تجنبيهم هذه الوصمة ويضمن لهم عيشا كريما داخل العائلات التي تتولى كفالتهم.
القاهرة ـ حلمت ياسمينة الحبّال منذ فترة طويلة بأن تنجب طفلة وخططت لتسميتها غالية، لكنها لم تتزوج قط. وهي اليوم في سن الأربعين، وعثرت أخيرا في دار للأيتام المصرية على غالية، وهي طفلة رضيعة ذات عيون بنية كبيرة نامت بين ذراعيها على الفور. وقالت الحبّال “الله خلقها لي”.
ويبقى التبني بالمعنى الدقيق للكلمة، مع حصول الأطفال على جميع الحقوق القانونية التي يتمتع بها الأطفال البيولوجيون، غير مسموح به في الإسلام. بدلا من ذلك، يعتمد نظام الكفالة، وهو نظام رعاية بديل يمكن للمتبنّين بموجبه أن يصبحوا أوصياء على الأطفال الأيتام.
وتاريخيا، لم يكن المجتمع المصري يشجع الذين يأخذون الأيتام إلى منازلهم وعائلاتهم، ما يجعل بعض الأطفال الذين يُفترض أنهم ولدوا خارج إطار الزواج أو تم التخلي عنهم يعاونون. أما اليوم، تحاول الحبّال وآخرون تغيير ذلك الاعتقاد من خلال مشاركة قصص عن الكفالة على وسائل التواصل الاجتماعي، وإزالة الغموض عن هذه الممارسة وتحدي مثل هذه الممارسات المجتمعية.
ومنذ أن تكفلت برعاية غالية، شاركت الحبّال مقتطفات من حياتها على صفحتها على فيسبوك: الفتاة تضحك بينما تغني لها، رحلات إلى الطبيعة، ملابس متطابقة… وانتشر أحدها على نطاق واسع، كما قالت في وسائل الإعلام المصرية.
ووجهت رسالة قائلة “لولي طفلة عادية مثل أي طفل آخر، تضحك، تبكي، تمرض وتتحسن، لا يوجد سبب للعار”. ونشرت ذات مرة “في بعض الأحيان أنظر إليها وأتساءل كيف كانت ستكون حياتنا مثل هذا اليوم لو لم نجد بعضنا البعض؟ أنا حتى لا أتذكر الحياة من دونها”.
ومن أبرز أمهات الكفالة اللاتي تحولن إلى ناشطات رشا مكي، التي أسست منظمة “يلا كفالة” غير الربحية، لرفع مستوى الوعي والتخلص من المفاهيم الثقافية الخاطئة. وتجيب مكي من خلال صفحتها على فيسبوك على الأسئلة والمخاوف، وتناقش قضايا مثل كيفية التحدث مع الأطفال حول الكفالة، وتشرح متطلباتها لأكثر من 49 ألف متابع للمجموعة.
وتأتي جهودها في الوقت الذي تعمل فيه مصر على تخفيف تلك المتطلبات لتشجيع الأسر على توفير مساكن دائمة للأيتام. بموجب نظام الكفالة، قد لا يتمتع الأطفال بنفس حقوق الميراث مثل حقوق الأبناء والبنات البيولوجيين، أو أن يحملوا الاسم الكامل للأب الوصي. كما تم تخفيض الحد الأدنى لسنّ المتكفلين إلى 21 سنة.
وقالت ريم أمين من وزارة التضامن الاجتماعي المصرية، “إن المجموعات على الإنترنت، توفر نظام دعم لعائلات الكفالة أو أولئك الذين يفكرون في ذلك، وهم شركاء في النجاح لجذب المزيد من الأطفال إلى منازل دائمة”.
وتابعت “ستغير كل هذه الأفكار بالتأكيد، يوما ما، وعي المجتمع وتفكيره بشأن الكفالة”.
أحد التحديات في الترويج للكفالة، هو أن البعض يخلط بينها وبين التبني وينبذها على أنها حرام
وقال محمود شعبان مدير عام الأسرة والطفولة والمشرف على الحضانات بوزارة التضامن الاجتماعي، “إن أحد التحديات في الترويج للكفالة هو أن البعض يخلط بينها وبين التبني وينبذها على أنها حرام”. لكنه أشار إلى أن الكفالة لا تعتبر تبنيا.
ويشجع الإسلام على رعاية الأيتام، وكثيرا ما يستشهد رجال الدين المؤيدون لهذا الجهد بمقولة النبي محمد، التي تعد بالجنة أولئك الذين يقدمون الكفالة للأيتام.
وقال الشيخ حسن خليل عضو في اللجنة المصرية العليا للأسر البديلة “يحتاج هؤلاء الأطفال الذين يعيشون في مرافق إلى رعاية، سواء كانت مالية أو من خلال استضافتهم وتوفير منزل ملائم لهم ورعاية تعليمهم واحتياجاتهم المالية وتربيتهم”. وأضاف “بهذه الطريقة يمكن للمرء أن يقوم بعمل عظيم أمام الله وللوطن”.
وتثير الكفالة تساؤلات حول مراعاة أحكام الشريعة التي تحكم اختلاط الذكور والإناث من غير الأقارب بعد سن البلوغ، وعن ظهور المحجبات دون غطاء الرأس أمام الذكور من غير الأقارب.
ويقول خليل إن العديد من أمهات الكفالة يخترن الرضاعة الطبيعية، وفي بعض الأحيان يحرضن على الرضاعة، فهي تشكل رابطة عائلية معترفا بها إسلاميا لو تمت خمس مرات لرضيع دون الثانية من العمر. وشدد على أن ذلك لا ينبغي أن يثني العائلات عن استقبال الأطفال الأكبر من عامين طالما أنهم يلتزمون بقواعد الآداب، خاصة بعد سن البلوغ.
وتتمنى رشا مكي وهي مصرية أميركية تعيش في سان فرانسيسكو، لو كانت على دراية بالكفالة قبل فترة طويلة من استقبالها لطفلها البالغ من العمر الآن 6 سنوات. فقد كان من الممكن أن تقيها من سنوات من الآلام وسلسلة من محاولات التلقيح الصناعي الفاشلة.
وأشارت مكي إلى أن الذين يرغبون في الحصول على كفالة يواجهون في الكثير من الأحيان مقاومة من عائلاتهم، الذين يعتبرون ذلك “من المحرمات” وينصحونهم بالصلاة إلى الله من أجل حمل طبيعي. ويكمن هدفها في تغيير هذه العقلية. وقد تلقت عددا من الرسائل من النساء المصريات اللاتي ألهمهن السير على خطاها، بما في ذلك الحبّال، التي وجدت “شريان حياة” في قصة مكي.
كانت الحبّال تساعد بالفعل الفتيات في دار للأيتام من خلال توفير الملابس والكتب وأخذهن في نزهات. قامت برعاية إحداهن ماليا، وتقربت من الآخرين. لكنها لم تستطع التخلص من الشعور بأن الأيتام بحاجة إلى أكثر من الممتلكات المادية والتعليم. فقد كانوا بحاجة إلى عائلة.
عندما بلغت 40 سنة، قررت بأن الوقت قد حان، على الرغم من المصاعب التي كانت تعلم أنها قد تواجهها. نظرت إلى صورة غالية، وشعرت بأن عيني الطفلة تخترقان روحها.
لم يكن الأمر سهلا دائما، حيث يرفض والد الحبّال أن تكون له علاقة بالفتاة ويعارض فكرة الأم العزباء. لكن الحبّال تشجع الآخرين على اختيار برنامج كفالة، وهي مسرورة لأن صديقة صديقتها طلبت نصيحتها ونالت الموافقة عليها لتصبح وصية. وقالت الحبال “أريد أن يقوم أكبر عدد ممكن من الناس بهذه الخطوة. أريد أن يجد كل طفل بيتا”.