نضوب إيرادات النفط والغاز يدفع الجزائر لخصخصة البنوك

يدفع نضوب عوائد الطاقة في الجزائر إلى الإقدام على خصخصة كيانات مملوكة للدولة والتي لطالما كانت خطوة مثيرة للجدل، مدفوعة بسماحها للأجانب بملكية كاملة في القطاعات غير الاستراتيجية لتحفيز الاستثمار، وسط شكوك بأن تلقى الخطوة نفس مصير خطوات سابقة لم تر النور حتى الآن.
الجزائر - تدرس الجزائر خططا للسماح للبنوك المملوكة للدولة المهيمنة على القطاع المصرفي بخصخصة بعض أصولها، للمساعدة على تطوير أسواقها وتنويع مصادر التمويل بعد انحدار إيرادات صادرات النفط بعد تراجع الأسعار.
وذكرت الرئاسة الجزائرية في بيان الأحد الماضي أن الرئيس عبدالمجيد تبون أمر حكومته ببيع حصص في الشركات والبنوك الحكومية، في إطار إصلاحات طال انتظارها في الدولة المنتجة للنفط.
وهذه هي أول مرة يتحدث فيها تبون عن خطوات ملموسة يتعين على الحكومة اتخاذها، بعد أن وعد في ما مضى بإصلاح الاقتصاد لكن دون الخوض في التفاصيل.
ويؤكد هذا المسعى مدى قلق المسؤولين من أن اقتصاد البلد النفطي قد يواصل الانزلاق إلى قاع حفرة يصعب التكهن بمدى عمقها مع استمرار الأزمات الخانقة، التي تحاصر كافة الأنشطة التجارية والمصرفية والاستثمارية ما لم يتم حل تراكم المشكلات على نحو سريع.
ويفترض أن تفتح الخطوة الباب للمستثمرين الأجانب للاستحواذ على حصص مسيطرة في البنوك، بعد أن كان لزاما على الشركات الجزائرية الاحتفاظ بحصة أغلبية في أي شراكة مع أجانب.
لكن مع ذلك فإن بعض المتابعين يعتقدون أن الأرضية تبدو غير مهيئة بالشكل المطلوب، وأن على الحكومة إعطاء تطمينات للمستثمرين قبل دخولهم هذه المغامرة التي قد تكون محفوفة بالمخاطر.
وفي مطلع هذا العام، ألغت الجزائر قاعدة تمنع الأجانب من تملك حصص تزيد على 49 في المئة في إطار سعي البلد العضو في منظمة أوبك إلى تحسين مناخ الاستثمار وتنويع اقتصاده بعيدا عن النفط والغاز.
وتقول الحكومة إن القطاعات الاستراتيجية تشمل بشكل أساسي النفط والغاز والتعدين والبنية التحتية للنقل مثل السكك الحديدية والموانئ والمطارات وكذلك صناعة الأدوية.
6 بنوك مملوكة للدولة
● البنك الوطني الجزائري
● بنك الجزائر الخارجي
● بنك القرض الشعبي
● بنك التنمية المحلية
● الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط
● بنك الفلاحة والتنمية الريفية
ويقوم اقتصاد الجزائر، البلد العضو في منظمة أوبك، بدرجة كبيرة على منظومة مركزية تديرها الدولة منذ الاستقلال عن فرنسا في عام 1962، وهو لا يزال يعتمد بشكل أساسي على قطاع الطاقة.
وأدى التراجع الحادّ في أسعار النفط منذ منتصف العام 2014 إلى اختلال الوضع المالي في الجزائر، ودفعت الضغوط المالية إلى إجبار الحكومة على تقليص الإنفاق والبحث عن مصادر تمويل بديلة.
وتستهدف الإصلاحات التي تسير ببطء شديد خفض الاعتماد على النفط والغاز اللذين يمثلان 60 في المئة من ميزانية الجزائر و94 في المئة من مجمل إيرادات صادراتها.
وحالت البيروقراطية ونقص الاستثمارات، خاصة من الشركات الأجنبية، دون أن تتمكن الجزائر من تطوير قطاعاتها غير النفطية رغم الوعود.
وقالت الرئاسة في بيان بعد اجتماع للحكومة رأسه تبون إن الخطة تستهدف “إيجاد حلول ناجعة وفتح رأسمال الشركات العمومية بما فيها البنوك والابتعاد عن التسيير الإداري”.
ولم يقدم تبون تفاصيل عن عدد الشركات والبنوك التي تشملها الخطة أو حجمها. ومن غير الواضح كيف سيكون الإقبال على شراء حصص في البنوك في حال عرضها.
ولدى الجزائر ستة بنوك حكومية هي البنك الوطني الجزائري وبنك الجزائر الخارجي وبنك القرض الشعبي وبنك التنمية المحلية والصندوق الوطني للتوفير والاحتياط وبنك الفلاحة والتنمية الريفية، وهو أكبر البنوك الحكومية من حيث شبكة الفروع في أنحاء البلاد.
وتسيطر هذه البنوك على معظم أصول القطاع البنكي، إذ تحوز على نحو 95 في المئة من مجمل الأصول المصرفية، في حين تملك بنوك أجنبية مثل سوسيتيه جنرال وبي.أن.بي باريبا الفرنسيين، أقوى حضور بين البنوك المملوكة لمؤسسات أجنبية والعاملة بالفعل حاليا في الجزائر.
وهذه ليست المحاولة الأولى لبيع البنوك، فقد سعت الحكومات المتعاقبة أثناء حكم عبدالعزيز بوتفليقة إلى القيام بذلك، وحاولت أواخر 2016 طرح حصص من البنوك الحكومية في البورصة، لكن ارتباك السياسات وانتشار الفساد والبيروقراطية عرقلا تدفق الاستثمارات.
وقبل ذلك ألغت الجزائر خططا تتعلق بالخصخصة في عام 2007 قبل يومين فحسب من الموعد النهائي لتقديم العروض متعللة بالأزمة المالية العالمية في ذلك الوقت.
وكانت تلك الخطة تقضي ببيع حصة أغلبية في بنك القرض الشعبي الجزائري، وذلك قبل عامين من تشريع القاعدة الجديدة التي تحظر على الشركات الأجنبية تملك أكثر من 49 في المئة في أي اتفاق شراكة داخل البلاد.
95
في المئة نسبة ما تحوزه البنوك الحكومية من مجمل الأصول المصرفية في البلاد
ومنذ ذلك الحين حثت المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليَيْن، الحكومة الجزائرية مرارا على إصلاح القطاع البنكي غير المتطور وتحديث البورصة لجذب الاستثمارات الأجنبية.
وتختزل أحدث البيانات حول تبخر احتياطات العملة الصعبة لدى الجزائر حجم التحديات الهائلة أمام السلطات خاصة بعد المحاولات اليائسة من الحكومات السابقة لمعالجة الاختلال في التوازنات المالية منذ تراجع أسعار النفط العالمية في 2014.
وفاقم تبون نهاية الشهر الماضي المخاوف من انجرار البلاد إلى مستوى خطير من الأزمة مع إعلانه انخفاض احتياطي النقد الأجنبي إلى 44 مليار دولار بعدما كان في حدود 62 مليار دولار في فبراير 2020، لكنه مع ذلك يتوقع أن ينمو الاقتصاد بواقع 3.8 في المئة هذا العام.
ودفع التراجع في الاحتياطيات الحكومة إلى تقليل الإنفاق على الاستيراد وترشيد الإنفاق على المشروعات الاستثمارية. ومع ذلك تمكنت الحكومة حتى الآن من إبقاء مستويات الديون الخارجية منخفضة واستبعدت مرارا التحول إلى الاقتراض من مؤسسات دولية.
ورسم صندوق النقد الدولي في تقرير نشره في مايو الماضي صورة قاتمة عن الاقتصاد الجزائري، حيث تحتاج التوازنات المالية للدولة سعر نفط بحوالي 160 دولارا للبرميل الواحد من النفط، وهو أمر مستحيل، لاسيما مع تراجع دور البلد في منظمة أوبك بسبب تراجع المنتج وتزايد الطلب المحلي.
وتوقّع الصندوق أن يبلغ إجمالي الدين العام مقابل الناتج المحلي الإجمالي خلال 2021 أكثر من 63 في المئة، مقابل أكثر من 53 في المئة خلال العام الماضي، أما إجمالي الدين العام فسيقدر بحوالي 60.5 في المئة هذا العام، بعدما كان أكثر من 50 في المئة في العام الماضي.