نصف قرن على رحيل كوكب الشرق

أم كلثوم استطاعت أن تنجح في رهانها على احترام نفسها واحترام جمهورها.
الأحد 2025/01/19
احتفاء بإرث فني عريق لكوكب الشرق

من القاهرة إلى باريس، وفي عدد من عواصم العالم الأخرى، يجري الاستعداد حاليا لإحياء الذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق أم كلثوم التي توافق الثالث من فبراير القادم، تأكيدا على قوة وعظمة وعبقرية الإرث الفني الذي قدمته في حياتها وتركته بعد مماتها كمنجز خالد ضمن الرصيد الحضاري ليس لمصر والعرب فقط، وإنما للإنسانية جمعاء .

استطاعت أم كلثوم أن تنجح في رهانها على احترام نفسها واحترام جمهورها. غادرت قريتها "طماي الزهايرة" إلى القاهرة بعد سنوات كانت تمارس خلالها فن الإنشاد مع والدها الحاج إبراهيم البلتاجي. كان الشيخ أبوالعلا محمد وراء إقناع أسرتها بالاتجاه إلى القاهرة من أجل أن تجد الفتاة الموهوبة طريقها إلى المجد الذي كان بانتظارها .

اشتهرت أم كلثوم منذ أول أسطوانة لها كانت تتضمن قصيدة "وحقك أنت المنى والطلب" من تلحين أبوالعلا. كان ذلك في العام 1924. وبحساب بسيط فإنها كانت في السادس والعشرين من عمرها إذا سلمنا بأنها من مواليد 1992 كما يؤكد بعض المؤرخين، بينما تشير السجلات المدنية بأنها من في 4 مايو 1908 .

لا يمكن الحديث عن أم كلثوم من دون التوقف عند علاقتها بعدد من الشخصيات المهمة في مسيرتها الفنية والإنسانية: أبوالعلا محمد أولا، ثم الشاعر أحمد رامي الذي تعرف عليها في عام 1924 في إحدى الحفلات عندما كانت تصدح بكلماته "الصب تفضحه عيونه"، فأعجب بها إلى حد الهيام، ومن هناك تولى تعليمها أصول اللغة والشعر، وأصبح أستاذها في الجانب الأدبي، وفي نفس العام تعرفت على أستاذها في الجانب الموسيقى محمد القصبحي الذي أحبها بجنون ولحن لها أروع الأعمال الغنائية بصفته التجديدية التي عرف بها آنذاك، واختار أن يعيش متعبدا في محراب حبها إلى حين وفاته في العام 1966  .

في العام 1931 بدأ الشيخ زكريا أحمد التلحين لأم كلثوم التي كان قد استمع إليها في مركز السنبلاوين في العام 1919، وكان أحد أبرز المؤثرين في حياتها منذ أول دور وهو”هو ده يخلص من الله” إلى عام 1960 عندما لحن لها آخر روائعه هو صحيح الهوى غلاب. ومن الطبيعي أن يكون اسم الشيخ زكريا مرتبطا باسم رفيق دربه الشاعر الكبير بيرم التونسي الذي وجد في الكتابة لكوكب الشرق فضاء واسعا لتفجير طاقاته الإبداعية والخروج من مربع مناكفة السلطة والتركيز على النقد السياسي والاجتماعي .

الشخصية الخامسة هي رياض السنباطي، ابن قريتها الذي غنت من ألحانه "على بلد المحبوب" في عام 1935 لتستمر معه في رحلة الطرب الأصيل لما يقرب من 40 عاما، قدما خلالها أروع القصائد الفصيحة والعامية، وسجلا خلالها تاريخا استثنائيا لفن الغناء العربي بروح أصالته التي ستبقى راسخة مهما طال الزمن .

والشخصية السادسة هي شخصية جمال عبدالناصر الزعيم الذي تعلق بصوتها قبل أن يعرفها، وآمنت بقيادته وثورته، وغنت لشخصه ولمواقفه ومبادئه وللأحداث الكبرى التي عاشتها في عصره، كما غنت لمصر وللعروبة بروح الانتماء الأصيل، وشاركت بدور كبير في المجهود الحربي بعد نكسة 1967 .

وإذا كان الفنان الكبير محمد عبدالوهاب قد قدم لها عددا من الروائع الخالدة التي لحنها خصيصا لصوتها، فإن الشخصية السابعة التي كان لها أثر بالغ في حياتها، هي شخصية بليغ حمدي الذي غنت من ألحانه "حب إيه" في العام 1960، وقدمت معه سلسلة أعمال لا تزال إلى اليوم تحتل المراتب الأولى بين أغانيها الأكثر انتشارا، ثم اختتمت معه رصيدها الغنائي بآخر عمل قدمته من داخل الأستوديو "حكم علينا الهوى" في فبراير 1973 بعد أيام قليلة من آخر عمل قدمته أمام الجمهور "القلب يعشق كل جميل" وهي في الخامسة والسبعين من عمرها.

18