نصفها نسائية وآخر تجميل.. مهمة طبية خاصة لحماية الفتيات من امتحان العفة

عمليات ترميم غشاء البكارة تحمي الفتيات من القتل والوصم بالعار.
الجمعة 2021/12/10
تغيير المعتقدات الراسخة حول العذرية قد يســتغرق عقودا

لا تزال العقلية المجتمعية المحافظة في مصر تقيس عفة المرأة بسلامة غشاء البكارة، ما يجعل الفتيات اللاتي فقدنه قبل الزواج يلتجئن إلى ترميمه درءا للفضيحة، وهروبا من عقاب العائلة الذي يصل في بعض الأحيان حدّ القتل. وتضطر بعض طبيبات النساء إلى القيام بهذه العمليات دون علم عائلة الفتاة وتتذرعن بأنها عمليات صحة وتجميل.

القاهرة - تقول طبيبة نسائية في المناطق الريفية في مصر إنها تنقذ الأرواح. وتعلن عن عملياتها الجراحية بتكتم على أنها خدمة "صحة وتجميل"، بينما تمارس عمليات ترميم غشاء البكارة.

ففي المجتمعات المحافظة مثل مصر، لا يزال يُنظر إلى غشاء البكارة "السليم" على أنه دليل على العذرية. وبالنسبة إلى العرائس، يمكن أن يؤدي غشاء البكارة الممزق إلى الفضيحة بين الأقارب أو الأصهار. وفي أسوأ الحالات، يمكن أن يكون الدافع وراء ما يسمى بجرائم الشرف، والتي يرتكبها عادة أقارب الضحايا.

وقالت طبيبة أمراض النساء، ليلى، التي طلبت استخدام اسم مستعار حتى تتمكن من التحدث بحرية عن عملها، “هذا واجبنا كأطباء، حماية الفتيات من القتل ومن وصمة العار الاجتماعية التي يتعرضن لها بسبب غشاء البكارة”.

ويعتبر إصلاح غشاء البكارة جراحيا أمرا قانونيا في مصر ولكنه لا يمكن تحمله بالنسبة إلى معظم الفتيات، حيث تصل تكلفته إلى 20 ألف جنيه مصري (1270 دولارا)، أي ضعف متوسط الأجر الشهري.

ويكون الوصول إلى الإجراء أكثر صعوبة بالنسبة إلى النساء في المناطق الريفية مثل صعيد مصر. كما تبقى خدمات الرعاية الصحية محدودة ولا تتمتع جل النساء بوسائل لدفع تكاليف الجراحة.

وتسافر ليلى بانتظام إلى أقاليم مصر النائية لإجراء عمليات ترقيع غشاء البكارة بحوالي ثلث السعر المعتاد. وقالت "أعلن على صفحتي (على فيسبوك) أنني ذاهبة إلى محافظة معينة من يوم كذا.. وتحجز الفتيات موعدا، وأنا أجري العمليات في منازلهن".

وقالت لمؤسسة تومسون رويترز عبر الهاتف “هناك فتيات لا يجدن أطباء في صعيد مصر. وهذا موضوع يصعب التحدث عنه أو رفع مستوى الوعي هناك لأنه مجتمع محافظ للغاية”.

أحمد ممدوح: إذا تم التلاعب بالفتاة فإن ترقيع غشاء البكارة يعد أمرا مشروعا

وأجرت على مدى السنوات التسع الماضية حوالي 1500 عملية، وكان حوالي ثلثها مجانيا للنساء اللاتي احتجنها بشدة ولم تستطعن تحمل تكلفتها. وامتنع المجلس القومي للمرأة ووزارة الصحة المصرية، وهما لا يجمعان بيانات عن ترقيع البكارة أو جرائم الشرف، عن التعليق.

وتقول جماعات حقوق الإنسان إن الآلاف من النساء والفتيات يُقتلن في جميع أنحاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا كل عام على أيدي أفراد عائلاتهن الغاضبين من إلحاقهن الضرر بـ"الشرف".

وفي حين أن عملية غشاء البكارة قانونية وآمنة نسبيا إذا أجراها طبيب نسائي معتمد، إلا أنها لا تزال مثيرة للجدل في مصر.

وتدير رندا فخرالدين المديرة التنفيذية لاتحاد المنظمات غير الحكومية المعني بالممارسات الضارة ضد النساء والأطفال ورش عمل للتثقيف في مجال الصحة الجنسية لإفهام المشاركين أن غشاء البكارة يمكن أن يتمزق بسبب الرياضة أو حوادث السيارات، وهذه أسباب من بين أسباب عديدة  أخرى قد تؤدي إلى تمزق غشاء البكارة.

وينظر آخرون إلى الجراحة على أنها طريقة عملية للمساعدة في حماية النساء من مخاطر عنف الشرف أو التشهير. وقال رضا الدنبوكي المحامي والمدير التنفيذي لمركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، وهي منظمة غير حكومية نسوية، "إلى أن يغير المجتمع وجهة نظره حول هذه القضية، يجب تشجيع النساء على فعل ذلك".

كما يعدّ الموقف الديني من ترقيع غشاء البكارة في مصر ذات الأغلبية المسلمة غير واضح أيضا، حيث يصر بعض رجال الدين على أنه يجب ألا يُسمح به إلا في حالات الاغتصاب. لكنّ باحثا في دار الإفتاء قال على موقع فيسبوك إن النساء اللاتي يسعين إلى تغيير مسار حياتهن بعد ممارسة الجنس قبل الزواج يمكنهن أيضا إجراء جراحة غشاء البكارة.

وقال أحمد ممدوح مدير إدارة البحوث الشرعية في دار الإفتاء المصرية إنه من الحالات التي يكون فيها ترقيع غشاء البكارة مشروعا إذا خُدعت الفتاة وأرادت التوبة.

وعلّقت نور محمد البالغة من العمر 26 عاما آمالها على خلطة من معالج بالأعشاب قال إنها ستحفز النزيف أثناء الجماع مما يعطي الانطباع بأن غشاء بكارتها قد تمزق.

الكثيرون ينظرون إلى الجراحة على أنها طريقة عملية للمساعدة في حماية النساء من مخاطر عنف الشرف أو التشهير

فبعد الانفصال عن حبيبها قبل عدة سنوات، تعرضت لضغوط من عائلتها للزواج. لكنها كانت في حاجة إلى وسيلة منخفضة التكلفة ليعتقد زوجها أنها عذراء. وقالت “لقد كان هذا كابوسا. كنت سأُقتل أو يفضحني زوجي. لم أستطع تحمل تكلفة جراحة غشاء البكارة وكان هذا العلاج بالأعشاب أملي الوحيد".

وقال أخصائي العلاج بالأعشاب محمد إنه ساعد حوالي 4 آلاف فتاة من مصر وآلاف الأخريات من الجزائر والمغرب. وطلب عدم الكشف عن هويته، على الرغم من أن عمله قانوني، ويتقاضى عنه ألفي جنيه مصري، لكنه قال إنه تنازل عن التكلفة في بعض الحالات لمساعدة النساء المعرضات لخطر العنف. وقالت نور إن العلاج بالأعشاب قد نجح معها، دون الخوض في تفاصيل.

وقالت طبيبة النساء والتوليد في القاهرة أميرة إبراهيم أبوشادي إن الذين يسوّقون الأعشاب و"الوصفات السحرية" عبر الإنترنت "يستفيدون من الفتيات اليائسات اللاتي يحاولن استعادة ما فقدنه". وأكدت أنهم "يستغلون الضغوط النفسية التي تتحكم بالفتاة بعد أن تفقد عذريتها"، مضيفة أن الجراحة هي الطريقة الوحيدة لاستعادة غشاء البكارة.

وبينما قد يستغرق الأمر عقودا لتغيير المعتقدات الراسخة حول العذرية والقضاء على جرائم الشرف، دعت فخرالدين إلى حملة وطنية لمعالجة المفاهيم الخاطئة حول أهمية غشاء البكارة. وقالت “نحن نتحدث عن الحياة هنا، وهي مهمة”.

ويشيع في بعض المجتمعات المحافظة ما يسمى باختبار العذرية. ويُعد اختبار العذرية أحد أبزر مظاهر العنف ضد المرأة بحسب منظمة الصحة العالمية التي تُؤكد أن هذا الاختبار لا يزال قائمًا في عددٍ من البلدان.

عملية غشاء البكارة قانونية وآمنة نسبيا إذا أجراها طبيب نسائي معتمد إلا أنها لا تزال مثيرة للجدل في مصر
عملية غشاء البكارة قانونية وآمنة نسبيا إذا أجراها طبيب نسائي معتمد إلا أنها لا تزال مثيرة للجدل في مصر

ومن الناحية الطبية؛ فإنّ اختبار العذرية أمر غير ضروري خاصة عندما تتم هذه "العملية" على بعض النساء دون الحصول على موافقتهن بالإضافة إلى الإحساس بالدونية.

ولطالما استُخدم اختبار العذرية على أساس المعايير الاجتماعية بهدف تنظيم النشاط الجنسي للإناث وتبرير العنف ضد المرأة. أما في مجتمعات باقي أنحاء العالم؛ وخاصة المجتمعات الأبوية، فإن هذا الاختبار قد يبدو متقبلا في حالة ما تم عن طريق الأب أو الزوج.

وبسببِ الضغوط الاجتماعية على النساء والفتيات كي تظل إحداهن عذراء حتى الزواج، فإن هذه الاختبارات ضرورية، حسب الفتاة نفسها، حتى تُؤكد لأسرتها عن سلكوها الجنسي المُطيع.

وفي بعض المجتمعات وفي حالة ما تم التأكد من انعدام عذرية الفتاة من خلال هذا الاختبار فإنّها قد تتعرض للعقاب حتى الموت. وقد أدت كل هذه المواقف التمييزية إلى انتشار العنف ضد المرأة في تلك المجتمعات.

هذا وتجدر الإشارة أن اختبار العذرية يجعل الشابة تفهم أنها مسؤولة عن كل نشاط جنسي في كامل حياتها - على الأقل قبل الزواج - حتى لو تعرضت لعملية اغتصاب أو شيء من هذا القبيل.

17