نصر الزعبي يتحرر من قيود الشكل ليركز على التعبير اللوني

الفنان التشكيلي الأردني يميل إلى الأسلوب الواقعي بأعماله وذلك لاستعادة اللياقة اللونية والتآلف مع القيم اللونية.
الجمعة 2024/01/05
تشكيلات لونية من البساط العربي التقليدي

عمّان - يعرف الفنان التشكيلي الأردني ناصر الزعبي بمزجه الطابع التراثي بالحداثة في رسوماته لإضفاء بصمة خاصة في أعماله الفنية. ويركز الفنان الذي بدأ في ممارسة تنفيذ أعماله في العام 2018 في مرسمه الخاص بمدينة الرمثا في أعماله على الأسلوب الواقعي، وذلك لاستعادة اللياقة اللونية والتآلف مع القيم اللونية.

الزعبي مارس الرسم منذ عام 1982، لكنه لم يتفرع له ولمعارضه إلا منذ العام 2018. يحمل شهادة البكالوريوس في الترجمة والماجستير في علم المتاحف، تقاعد من دائرة الآثار العامة في عام 2017. وانطلق التشكيلي الأردني من المدرسة الواقعية لإنجاز لوحات مستوحاة من بيئته المحلية وهو المولود في “الرمثا” المفتوحة على سهل حوران برمزيته التاريخية والحضارية.

نهل الزعبي من عناصر التراث الثقافي والشعبي في محيطه، فصوّر الطبيعة بما فيها من أشجار وأزهار وينابيع وشلالات مياه، مستخدما ألوانا مبهجة منحت لوحاته مشاعر عميقة، كما وثّق عبر ريشته الأزياء التراثية للمرأة الريفية التي تعتمد غالبا على الملابس المطرزة أو الملونة التي يطغى عليها اللون الذهبي مع غطاء مميز للرأس ومطعَّم بقطع الزينة الخاصة مثل الدنانير الذهبية وخيوط القصب.

ورصد الفنان المتخصص في علم المتاحف العادات اليومية المرتبطة بحياة البيئتين الريفية والبدوية، وتحديدا البيوت المبنية من الحجارة القديمة وبيوت الشَّعر ودلال القهوة، مركزا على تفاصيل عميقة يمكن قراءتها عبر المشهد البصري، توثق الأفراح والاجتماعات والصداقات واللقاءات العائلية، وإلى جانب ذلك رسم الفنان العديد من الأماكن الأثرية والسياحية في الأردن كالبتراء، وأيضا المدن الفلسطينية وأبرزها القدس.

المرحلة الثالثة من فن الزعبي اتجهت نحو التجريد، حيث تنقل  من الواقعية إلى التعبيرية التجريدية، وإلى التجريدية الخالصة
◙ المرحلة الثالثة من فن الزعبي اتجهت نحو التجريد، حيث تنقل  من الواقعية إلى التعبيرية التجريدية، وإلى التجريدية الخالصة

واستوحى الزعبي الذي أقام معرضا بعنوان "عبق الروح" عام 2018 العديدَ من تشكيلاته اللونية من البساط العربي بزخارفه ذات الأشكال الهندسية والتداخلات اللونية الجاذبة، حيث تتلاحم المثلثات وتتداخل المربعات المحاطة بخطوط أفقية وعرضية، وإذا كانت هذه النقوش واضحة في المرحلة التعبيرية من تجربة الزعبي فإنها لم تغب عن المرحلة التجريدية ولكن برؤية بصرية جديدة.

ففي هذه المرحلة، اختار الزعبي التجريد اللوني لخلفيات اللوحات بينما بقي الشكل الواقعي والتعبيري هو المركزيّ فيها، وركز الفنان على “موتيفات” بعينها مثل الطيور وبخاصة الحَمَام الذي يقدمه وفق منظور يعبّر عن الحرية والسلام، حيث يظهر شكل الحمام واضحا في اللوحة بينما ألوان الخلفية تتداخل ضمن دوامات أو خطوط لونية متمازجة.

وركز الفنان أيضا على مفردة المرأة وأظهرها بصورة جمالية، سواء بلباسها التقليدي كلوحته التي تصور امرأة بالزي التقليدي تقود حصانا، أو المرأة العصرية كلوحته التي تناولت فتاة ترقص الباليه وتظهر في عمق اللوحة كأنها داخل كتلة من الألوان الهادئة والمختلطة، وكذلك لوحته التي صور فيها رقص الدراويش حيث تظهر حركة الراقص بشكل روحاني عميق بينما الخلفية تتراكب من البنّيّ وتدرّجاته.

وعبر هذه المرحلة تظهر في أعمال الزعبي العديد من الرموز الموحية ذات الدلالة والرسالة، سواء ما تعلق منها بالطاقة الروحانية الصوفية، أو ما تعلق بقيم العدالة والانطلاق والحب والحرية، فهو يصور الطيور كما لو أنها خارجة عبر النوافذ، أو محلّقة حول دوامات اللون، أو واقفة بهدوء وسلام تراقب المحيط.

كما يصور مدينة القدس عبر تراكبات شكلية تظهر أجساد النساء والرجال التي تحمل قبة الصخرة وترفعها عاليًا بالأكفّ، وهو ما يرمز إلى أهمية الصمود وتقديم التضحيات من أجل الحفاظ على ذلك الرمز التاريخي والديني والإنساني.

أما المرحلة الثالثة من فن نصر الزعبي الذي أقام معرضًا بعنوان "ملامح أردنية" عام 2022، فاتجهت نحو التجريد الكامل، حيث تنقل من الواقعية إلى التعبيرية التجريدية، وإلى التجريدية الخالصة، محاولا في هذه المرحلة التحرر من قيود الشكل، والعمل على التعبير اللوني عن المشاعر والأفكار، حيث التدفق اللوني والتناغم الهرموني يمنحان اللوحة إيقاعًا بصريا خاصا.

واعتمد في لوحاته التجريدية على تجاور الألوان الحارة والباردة التي تتحرك فيها كتل اللون بتشكيلات موحية تسمح للمُتلقي بتقديم قراءاته الخاصة عن العمل الذي يبدو في عدد من الأعمال كما لو أنه مسطحات مائية، بينما يظهر في أعمال أخرى شبيهًا ببركان ثائر، وفي مجموعة ثالثة من الأعمال كما لو أنه احتراق تَبرز من داخله ولادة جديدة تجعل باب الحياة مشْرعًا على الأمل.

◙ النهل من عناصر التراث الثقافي والشعبي الأردني
◙ النهل من عناصر التراث الثقافي والشعبي الأردني

14